اقتصاد / ارقام

الروبوتاكسي .. حين يتولى الذكاء الاصطناعي القيادة

  • 1/3
  • 2/3
  • 3/3

في عام 1995، قطع باحثون من جامعة «كارنيغي ميلون» رحلة طولها 3000 ميل من بيتسبرغ إلى سان دييغو، دون أن يلمسوا المقود، في تجربة عُرفت آنذاك باسم «لا أيدٍ عبر أمريكا».

 

شكّلت تلك الرحلة نقطة الانطلاق الحقيقية لمشروع القيادة الذاتية في الولايات المتحدة.

 

واليوم، وبعد ثلاثة عقود، بدأت نتائج هذا المسار الطويل تتجسد بوضوح مع الانتشار المتسارع لسيارات الأجرة الذاتية في عدد متزايد من المدن الأمريكية، تمهيداً لتجارب أوسع في لندن وطوكيو رغم الطقس غير المتوقع والقيادة على الجهة اليسرى من الطريق.

 

 

الروبوتاكسي

 

شهدت خارطة انتشار «الروبوتاكسي» في أمريكا توسعاً سريعاً، خاصة مع وايمو"Waymo" التابعة لشركة ألفابت "Alphabe"، التي تمتلك أكبر أسطول من السيارات الذاتية في العالم بنحو 2500 مركبة.

 

وتقدّم الشركة حالياً خدمات مدفوعة في خمس مدن هي: أتلانتا، وأوستن، ولوس أنجلوس، وفينيكس، ومنطقة خليج سان فرانسيسكو، مع خطط لمضاعفة العدد في العام المقبل.

 

في المقابل، وسّعت «تسلا» خدمتها الأولية للروبوتاكسي — التي لا تزال تتضمن وجود مراقب بشري — من أوستن إلى سان فرانسيسكو.

 

أما زووكس "Zoox" التابعة لأمازون، فاستعرضت نموذجها الفريد لسيارة ذاتية بلا مقود أو دواسات، وتقدم الآن رحلات ذاتية في لاس فيغاس وأجزاء من سان فرانسيسكو، مع إمكانية الحركة إلى الأمام والخلف كما لو أنها مركبة ذات وجهين.

 

رغم ذلك، ما زالت مخاوف الجمهور قائمة، فقد أظهر استطلاع حديث لمؤسسة يوغوف "YouGov" أن ثلاثة أرباع الأمريكيين لا يثقون بسيارات الأجرة الذاتية، لكن النتائج تتغير بوضوح عند التجربة؛ فوفقاً لبحث أجرته "جيه دي باور" "J.D. Power"، ترتفع الثقة بنسبة 56 نقطة بين من جربوا الخدمة مقارنة بمن لم يجرّبوها.

 

معدلات متسارعة

 

ومع تزايد التجربة، تتسارع معدلات التبني؛ إذ وصل عدد مستخدمي وايمو النشطين شهرياً في الربع الثالث من 2025 إلى مليون مستخدم، بزيادة 82% مقارنة بالعام السابق.

 

ولا يقتصر السباق على الشركات المتخصصة، فالشركات التقليدية مثل "أوبر" وصنّاع السيارات مثل مرسيدس-بنز وستيلانتس، وشركات التكنولوجيا مثل إنفيديا "Nvidia" ، إلى جانب النظام البيئي الصيني النشط، تدخل جميعها مضمار المنافسة على هذه السوق الواعدة.

 

يتوقع المستثمرون أن تتسع السوق إلى مستويات هائلة، فالأمريكيون ينفقون سنوياً نحو 50 مليار دولار على خدمات النقل التشاركي.

 

وإلى جانب خدمات الركاب، هناك سوق أكبر للبرمجيات الذاتية التي يمكن بيعها إلى صناع السيارات أو إدماجها في الشاحنات الثقيلة ومركبات التوصيل. وقد قدّر الرئيس التنفيذي لشركة أوبر، دارا خسروشاهي، أن قيمة سوق القيادة الذاتية داخل أمريكا وحدها قد تتجاوز تريليون دولار.

 

 

ركائز التكنولوجيا

 

تتعامل السيارات الذاتية مع إحدى أكثر البيئات تعقيداً مقارنة بأي روبوت آخر. فهي مطالبة بقراءة المشهد لحظياً: حركة المرور، وردود فعل المشاة، والحيوانات، والظروف الجوية، وفوضى الحياة اليومية.

 

يعتمد الروبوتاكسي على تشكيلة متقدمة من الكاميرات، وأجهزة "ليدار"للاستشعار  LiDAR، والرادار، والميكروفونات، إلى جانب منظومات ذكاء اصطناعي في السيارة والسحابة، تحاكي أسلوب الإنسان في معالجة المعلومات واتخاذ القرارات.

 

ومع توسع عدد المركبات، تزداد البيانات وتتحسن أنظمة القيادة. وساعدت النماذج التوليدية المتعددة الوسائط في تسريع عمليات بناء المحاكاة وتدريب الأنظمة على السيناريوهات غير المألوفة.

 

ورغم التقدم التقني، تبقى مسألة إثبات الأمان العامل الحاسم. فقد كشف صادر عن وايمو بالتعاون مع شركة التأمين "سويس ري" " Swiss Re " أن سياراتها سجّلت انخفاضاً بنسبة 88% في مطالبات أضرار الممتلكات و92% في مطالبات إصابات الجسم مقارنة بالسائقين البشر، خلال 25 مليون ميل من القيادة.

 

لكن السمعة يمكن أن تتضرر بسرعة. ففي ، تسبب حادث مروّع لإحدى مركبات كروز "Cruise" في أزمة للشركة، بعد الفشل في التعاون بشفافية مع المحققين الفيدراليين، ما دفع جنرال موتورز إلى إيقاف الخدمة بالكامل.

 

بناء الثقة

 

مثل هذه الحوادث تضع ضغوطاً على جهود الشركات لبناء الثقة لدى صناع السياسات.

 

رغم إعلان وزارة النقل الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب نيتها وضع إطار تنظيمي على المستوى الفيدرالي لسيارات القيادة الذاتية، ما زالت القوانين تختلف من ولاية إلى أخرى؛ فكاليفورنيا مثلاً تخضع الروبوتاكسي لديها لإشراف هيئتين حكوميتين، بينما تحظر ولايات أخرى الخدمة تماماً.

 

ورغم ذٰلك، يشير التسارع الكبير في توسع وايمو إلى ثقتها المتنامية في أمان تقنيتها.

 

 لكن الوصول إلى الربحية لا يزال تحدياً؛ فتكلفة التشغيل لا تزال مرتفعة. إذ تكلّف كل سيارة ذاتية من وايمو نحو 130–200 ألف دولار، وتستند بعض نماذجها إلى «جاكوار آي-بايس» المكلفة.

 

وتقدّر "بي سي جي" BCG تكلفة تشغيل الروبوتاكسي بين 7 و9 دولارات لكل ميل، مقارنة بـ2–3 دولارات لدى أوبر و1 دولار للمركبات الخاصة.

 

ويرجع ذلك إلى تكلفة الأسطول والصيانة والتنظيف وشحن المركبات والكوادر البشرية التي تراقب العمليات عند الحاجة.

 

ويرى خبراء من مؤسسة ماكينزي "McKinsey" أن تقليص التكاليف لم يكن أولوية في السابق، إذ ركزت الشركات على الأمان أولاً.

 

 

خفض التكلفة

 

ويتوقع الخبراء أن يستغرق خفض التكلفة إلى أقل من دولارين للميل بعد نحو عقد من الزمن. ومع ذلك، بدأت التكاليف تنخفض فعلاً مع تراجع أسعار أجهزة الاستشعار؛ فجهاز ليدار الذي كان يكلف 100 ألف دولار أصبح اليوم بأقل من 1000 دولار.

 

كما بدأت وايمو في تجربة نموذج Hyundai IONIQ 5 الأرخص سعراً والمجهز بجيل أحدث من تقنياتها.

 

ولتحسين الجدوى الاقتصادية، اختارت وايمو توزيع عدد صغير من المركبات على عدة مدن للحفاظ على معدل تشغيل مرتفع، كما بدأت التعاون مع شركات مثل أفيس   Avisللمساعدة في إدارة الأسطول.

 

سباق السيطرة

 

إذا أثبتت السيارات الذاتية أنها آمنة وبسعر مقارب أو أقل من سيارات الأجرة التقليدية، فمن المتوقع أن تتسارع وتيرة الطلب بشكل كبير.

 

السؤال هو: من سيتصدر السوق؟ حالياً تتقدم وايمو في أمريكا، بفضل حصولها على تصنيف مستوى 4 للقيادة الذاتية، ما يعني قدرتها على العمل دون إشراف بشري في مناطق محددة.

 

في المقابل، تقع تقنيات تسلا بين المستويين 2 و3، وهي تظل بحاجة إلى مراقب بشري.

 

تعتمد وايمو على أجهزة استشعار أكثر—13 و6 رادارات و4 أجهزة ليدار مقارنة بتسلا التي تستخدم 8 كاميرات فقط، ما ساعد وايمو في الحصول على قبول تنظيمي أعلى.

 

ومع ذلك، يتوقع محللون مثل علي كاني من  إنفيديا أن تتمكن وايمو لاحقاً من خفض أجهزتها المكلفة بعد إثبات الموثوقية. أما إيلون ماسك، فيراهن على أن الاعتماد على الكاميرات والذكاء الاصطناعي وحده سيجعل سيارات تسلا أقل تكلفة على المدى الطويل.

 

ولا تستبعد بعض الشركات خيار ترخيص تقنياتها. فقد تكرر وايمو تجربة «أندرويد» عبر إتاحة نظامها لصناع السيارات، بينما ألمح ماسك إلى احتمال ترخيص تقنية تسلا.

 

من جانبها، تقول عائشة إيفانز الرئيسة التنفيذية لـ"زووكس" إن شركتها ستظل مقدِّماً متكاملاً للخدمة، وإن كان آخرون يرون أن تقنياتها قد تُستخدم داخل منظومة أمازون اللوجستية.

 

أما أوبر، فتسعى لتكون المنصة المفضلة لحجز الروبوتاكسي، كما بدأت بالفعل حجز سيارات وايمو في فينيكس، وعقدت شراكات مع  "لوسيد" و"نورو" لتشغيل 20 ألف سيارة ذاتية خلال ست سنوات.

 

وتراهن الشركة على أن السائقين البشر والروبوتاكسي سيعملون جنباً إلى جنب لسنوات قبل أن تصبح الأخيرة الخيار الأرخص.

 

وفي خلفية المشهد، تظهر إنفيديا كلاعب أساسي يزوّد الجميع برقائق الذكاء الاصطناعي اللازمة للتدريب والتشغيل، من وايمو إلى تسلا إلى صانعي السيارات التقليديين.

 

قد لا تكون سيارات إنفيديا هي التي تتوقف أمام باب الراكب، لكنها — على الأرجح — ستكون المستفيد الأكبر من كل رحلة ذاتية تُنفَّذ على الطريق.

 

المصدر: "ذي إيكونوميست"

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا