مارلين سلوم [email protected] ما تحتاج سنوات لكي تعرفه أو تكتشفه، يعريه أمامك بسلاسة وبذكاء صناع فيلم «السادة الأفاضل» المعروض حالياً في الصالات، في يوم واحد وفي مكان واحد من دون الحاجة إلى الانتقال من مدينة إلى أخرى ولا الخروج من حدود البيت والقرية وعدد أفراد أيضاً محدد، قصة تناولت تفاصيل حكاية ومعدن أسرة تبدو في ظاهرها فاضلة بينما باطنها مختلف تماماً، لكنها تنطبق في جوهر معناها على كثير من الناس، بل ربما كل الناس، حيث يبدو الإنسان فاضلاً ومثالياً إلى أن تتعمق في العلاقة معه أكثر فتكتشف معدنه وما إذا كانت «الفضيلة» متأصلة فيه أم لا، وتكتشف العيوب التي يخفيها كل إنسان عن عيون الآخرين، والأهم أن «السادة الأفاضل» يتسلل إلى العمق ويعري النفوس بقناع الكوميديا الساخرة، العبثية حاضرة بقوة والرسائل واضحة على الرغم من أنها غير مباشرة. قبل أن يصل إلى الصالات، قدم نفسه للجمهور باعتماده الدعاية المبتكرة والمرور على السجادة الحمراء لمهرجان الجونة السينمائي، ليكون افتتاح عرضه الأول وسط أجواء المهرجان الاحتفالية وبوجود أهل السينما وصناعها؛ لذلك يمكن القول إن «السادة الأفاضل» جاء على صهوة الضجة الإعلامية والإعلانية الذكية، ولأنه يحمل توقيع المخرج الشاب كريم الشناوي الذي أثبت حضوره بقوة هذا العام في الدراما بمسلسل «لام شمسية» ودخل السينما برائعة فنية «ضي.. سيرة أهل الضي» ليسجل بعدها مباشرة أول دخول له في عالم الكوميديا بفيلم «السادة الأفاضل». تدخل الصالة وفي داخلك يقين بأنك لن تخرج خالي الوفاض ولن يخيب أملك؛ بل ربما تعود مرة ثانية لالتقاط كل التفاصيل التي فاتتك لكثرة الأحداث وسرعة الإيقاع. مواقف كوميدية لا يمكن اعتبار «السادة الأفاضل» كوميديا بمفهوم الضحك الساذج، ولا تدخله بهدف الترفيه، فهو يعتمد على السخرية أكثر من الإضحاك، يبتعد عن التراجيديا، لكنه يمسك العصا من النصف، المواقف الكوميدية التي تدفعك للضحك موجودة، والعمق الفلسفي للقصة موجود أيضاً، والقصة التي كتبها الثلاثي مصطفى صقر، ومحمد عز الدين، وعبد الرحمن جاويش، اجتماعية معاصرة، هي مغزولة بخيوط من الخيال، لكنها مفصلة على مقاس الواقع، تشبه الناس كثيراً لذلك تصدقها وتتفاعل معها خصوصاً أن كريم الشناوي ابن الواقع، عينه وكاميرته مرآة للحياة والناس، تنقل لنا ما نراه ونعيشه، وكأنه يختار أماكن على الطبيعة بكل عشوائيتها وفوضويتها وتفاصيل تجدها في بيوت وقرى المصريين، وهذا جزء من المصداقية التي نشعر بها في أعماله وجزء مهم أسهم في خلق مساحة كبيرة من الثقة بين المخرج الشاب والجمهور.قبل عرض الفيلم قام صناعه بالترويج له بطريقة مبتكرة، فيديو يتحدث فيه الأبطال وهم يظهرون بشخصياتهم كما هي في العمل، لا تلتقط منهم أي معلومة واضحة، يخلقون فوضى مقصودة، تحاول التركيز لتمسك بأي خيط يخبرك عن القصة واختصارها، كل ما تفهمه أنه فيلم «كل حاجة فيه غلط» وتسمع «هرتلات» ظريفة ومقصودة، وأغــنية «كـل دول عــالبــايظ» ترويجية أيضاً وتوحي ببعض ما يحمله العمل من معاني، حتى الدمية الضخمة والغريبة التي تنقلت وواكبت الترويج للفيلم تكتشف بعد المشاهدة أنها شريكة في الأحداث؛ بل شاهدة على كل ما يحصـــل فــي الخفاء وعلى أسرار عائلــة أبو الفضــل. ليلة عيد الفطر الفيلم طويل إلى حد ما، يتجاوز الساعتين، لكن أحداثه لا تتجاوز اليوم الواحد وقد اختار المؤلفون أن تكون ليلة عيد الفطر؛ البداية تنطلق من وفاة جلال أبو الفضل (بيومي فؤاد)، رب أسرة تعيش في إحدى القرى المصرية، ينتشر الخبر كما في كل القرى بمكبر الصوت في الجامع، حيث يتم الإعلان عن اسم المتوفى، ثم يبدأ المعزون في التوافد إلى منزله وتجلس زوجته سميرة (انتصار) تنوح وتعدد مزاياه، وبجانبها ابنته الوحيدة ناهد (دنيا ماهر) وابنها الصغير، بينما نرى ابنه البكر طارق (محمد ممدوح) يركض في كل الاتجاهات من أجل إتمام إجراءات العزاء؛ ثم يصل الابن الثاني «والمدلل» الدكتور حجازي (محمد شاهين) الذي يعيش في القاهرة ثم تلحق به خطيبته لميس (هنادي مهنا).وفي لحظة الحزن وتوافد المعزين تعتقد أن جلال إنسان خيّر ومحبوب، وأن عائلة أبو الفضل أفاضل، وهنا يبدو واضحاً المقصود من اختيار الأسماء، اسم العائلة واسم الفيلم والمعنى المقصود من «السادة الأفاضل»، الذين تبدأ تنكشف حقيقة كل منهم مع تتابع الأحداث وتوالي المفاجآت؛ بل قل الصدمات.. سريعاً نعلم أن المتوفى لم يمت، أي أن جلال مازال حياً وقد افتعل إعلان الوفاة ليتمكن من إتمام صفقة، فهو تاجر آثار ويلاحقه سمير إيطاليا (أحمد السعدني) لتسليمه مومياء، بعد أن استلم منه مبلغاً مالياً ضخماً ولم يلتزم بالاتفاق.تعتمد القصة على فكرة تدحرج كرة الثلج، فالحدث يبدأ صغيراً ثم تتبعثر الخطوات وتتوالى المفاجآت غير المتوقعة فتكبر المشكلة وتتضخم حتى تتعقد وتصل إلى نهاية «غير نهائية»، غير حاسمة لكل المواقف والأحداث. طارق الذي يعيش مع والديه في نفس المنزل يجهل أن والده تاجر آثار، لكنه يشارك في لعبة ادعاء وفاته، ومعه سميرة زوجة جلال، ويأتي عمه شقيــــــق المرحــــوم الحـــــاج خيري (أشرف عبـــد الباقــــي) لمساعدة ابن أخيه في التحضيــر للدفــــن، فيكشف معلومات وأسرار خطِــــرة لطارق، فيأخذــــه إلى مكان يخبئ فيه جلال الآثار، والتي من المفترض أن يتقاسما أرباحها، هناك يكتشف خيري أن شقيقه باع كل شيء ولم يعطه نصيبه من المال، فيقــــرر الانتقــــام، من خلال تزوير أوراق يكتب فيها بيع كل ممتلكات جلال لنفسه ويدخل الغرفة خلسة ليسحب يد شقيقه من تحت الغطاء ويجعله يبصم على الأوراق.. عمليــــة تزويـــــر يشاهدهــــا بالصدفــــة محمــــــود (ميشيل ميلاد بشاي) ابن الحاج ممدوح (إسماعيل فرغلي) الأخ الثاني لجلال، ومعه جوهري (طه الدسوقي) النصاب الذي يحاول استغلال العزاء من أجل سرقة مكتــــب بريــــد مجاور لبيت المتوفى وبالاتفاق مع زميله فاروق (علي صبحي)، وهذا الأخير تشاء الصدف أيضاً أن يجد نفسه في غرفة الميت فيختبئ تحت سريره، حيث يكتشف المومياء، فيحاول سرقتها والهروب بها من القرية.من إلى، هكذا يتناقل الأبطال الأحداث وتتسارع بشكل يشعرك بالفوضى، وبين وجود جلال تحت الغطاء في غرفته باعتباره ميتاً، وخروجه بزي امرأة منقبة من وسط المعزين ليأتي بالمال ويحاول حل الأزمة كي يتمكن من إنهاء هذه المسرحية، يعيش طارق في صراع محاولاً تهدئة الأمور والحفاظ على أسرار أبيه الذي يتبين أنه يخفي الكثير ويستمر مسلسل اكتشاف كذبه طوال الوقت وصولاً إلى ظهور امرأة تدعى صباح (عفاف مصطفى) يتبين أنها زوجته الثانية ولها منه ابن. نجوم في المكان الصحيح يضم الفيلم نجوماً كثر منهم ناهد السباعي، وأكرم حسني، وحنــان سليمان، ومعتز التوني. كل الشخصيـــات جـــاءت في مكانها الصحيح، والأكثر بروزاً وفق طبيعة الأدوار هم محمد ممدوح، وبيومي فؤاد، وطه الدسوقي، وانتصار، وعلـــي صبحـــي، وظهـــر أحمد السعدني بشكل جديد ومختلف بشخصية سمير إيطاليـــا، كمـــا منـــح هذا العمل الممثل ميشيل ميلاد بشاي فرصة التألق وإظهار موهبته ومجاراة دسوقي وصبحي في مستوى التميز. سيارات الشرطة مواقـــــف كوميدية كثيــــرة تدفعــــك للضحـــك بشكـــل عفوي، وربما أكثرها جمالاً وتعبيراً، هو مشهد جنازة جلال، حيث تم لف الدمية الضخمة ووضعها في النعش مكان جلال، وتقدم ابناه طارق وحجازي حاملي النعش وسار خلفهما كل أهل القرية، وبعد لحظات لحقت بهم سيارات الشرطة فركض أبناء أبو الفضل بالنعش وحاول أهل القرية اللحاق بهم في مشهد ساخر رائع.