اقتصاد / صحيفة الخليج

لماذا تمثل المدينة الحديثة لغزاً للاقتصاديين؟

د. عبدالعظيم حنفي *

أصبح عالم الاقتصاد روبرت لوكاس وهو في عمر الثامنة والأربعين أكثر المنظرين الاقتصاديين نفوذاً في العالم. كان أستاذاً في جامعة شيكاجو لاثني عشر عاماً. وكانت آراؤه الخاصة حول أهمية سرعة وضع النماذج والسلوك الإنساني المتطلع إلى الأمام قد هزمت أولاً باقي قسم الاقتصاد في شيكاجو ومن ثم هزمت معظم الجيل الصاعد من اقتصاديي الاقتصاد الكلى. وقد حصل على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 1995. وفي إحدى محاضراته يقول لوكاس إن المدينة الحديثة تمثل لغزاً للاقتصاديين. ووفقاً لنموذج الاقتصاد القياسي ينبغي ألاّ توجد هذه المدينة. «إنها شبيهة بنواة الذرة، إذ قمنا فقط بالتسليم بالقائمة المعتادة للقوى الاقتصادية، لابد أن تنقسم المدن إلى أجزاء. فالمدينة هي ببساطة مجموعة من عوامل الإنتاج - رأس المال، والبشر والأرض - ودائماً ما تكون أسعار الأرض أرخص خارج المدن عن داخلها. ولكن على الرغم من ذلك، فإن الأفراد لا يقومون بتوزيع أنفسهم بالتساوي على مساحة الأرض. حيث إنهم يتكدسون في المدن المركزية بما فيها من مباني مرتفعة وشوارع ضيقة ومع ذلك يحب الناس العيش بجوار المحال التجارية وتحتاج المحال التجارية أن تقترب من زبائنها»، لكن تفسر الاعتبارات الدائرية من هذا النوع فقط حال المراكز التجارية، وليس المدن. إذا ما هو الأمر الذي يجمع المدينة؟ لماذا يرغب الأفراد في العيش متلاصقين؟
هنا لا يرجع لوكاس إلى خبير اقتصادي آخر، لكن يرجع لجان جاكوبز Jane Jacobs(الناقدة المشهورة والناشطة في مجال المناطق الحضرية)، ليستفيد من خبرتها حيث إن لها وصفاً يتسم بالدهاء للمدن وللعالم الواقعي. فقد كان كتابها «موت وحياة المدن الأمريكية العظيمة» «في عام 1961 يمثل نجاحاً باهراً، كمسلك ضد التخطيط والتجديد «الحضري» واسع النطاق. ولكن لم يؤخذ هذا الكتاب على محمل الجد من قبل الاقتصاديين ولذلك وفي عام 1969 في كتاب «اقتصاد المدن» فسرت المؤلفة كيفية عمل المدن. يقول لوكاس إن الكتاب بدا لي مهتماً بشكل أساسي ومقنع (على الرغم من عدم استخدامها لهذا المصطلح) بالآثار الخارجية لرأس المال البشرى».
عرفت جاكوبز، المدينة بأنها مستوطنة تقوم بتوليد النمو الخاص بها. الناس في المدن يستمرون عن طريق إضافة أعمال جديدة للأعمال القديمة. وفي فصل من الكتاب حول كيفية بدء الأعمال الجديدة، هناك قصة حول تطور حمالة الصدر. كانت صانعة الملابس «آيدا روزينثال» غير راضية عن الطريقة التي تبدو بها الأزياء التي تصممها على أجساد عميلاتها، وعلى مشداتهن المختلفة وقمصانهن وخصورهن المشدودة. قامت بالتجربة والتطوير وعند نقطة معينة اخترعت أول حمالة صدر. وكانت تقدم لبعض الوقت حمالة صدر مجانية مع كل رداء تبيعه. وسرعان ما هجرت تفصيل الأزياء كلية وتوجهت نحو العمل على صناعة حمالات الصدر وتوزيعها. ترى جاكوبز، أن سر النجاح في المدينة يكمن في التسميد واسع النطاق الذي يحدث في أحياء مختلفة. ففي حي الملابس في مدينة نيويورك، حيث اخترعت آیدا روزينثال «حمالة الصدور هناك عدد من المصممين والصناع، الصاعدين على أكتاف بعضهم، والذين يتوقعون ظهور تصميمات كل منهم، ويعملون على حل المشاكل وخلق مجالات جديدة للعمل. وهذه هي الحال بالنسبة للمنطقة المالية، ولمنطقة المال ولمنطقة الدعاية والإعلان ومنطقة النشر وما إلى ذلك. لاحظ لوكاس أن الأحياء التي تصفها جاكوبز بهذا الحماس مشابهة بشكل كبير للمراكز الفكرية في طرقها الخاصة مثل جامعات المدينة: جامعة كولومبيا على سبيل المثال أو جامعة نيويورك. تختلف الفكرة في كل مكان على حدة، لكن العملية واحدة إلى حد كبير. ويقول لوكاس «بالنسبة للدخلاء تبدو متشابهة»: «مجموعة من الناس الذين يقومون تقريباً بنفس الشيء، ويؤكد كل منهم أصالته وتفرده»، بمعنى آخر تقول جاكوبز: «يتكدس الأذكياء في المدينة، لأنها المكان الذي توجد بها الموهبة.
* كاتب مصري

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا