لم تعد قصص التفوق مرتبطة بمقاعد الجامعات ولا مناصب الوظائف الحكومية في المملكة، حيث بدأت ملامح جيل جديد تتشكل بهدوء. إنه جيل لا يحمل شهاداته في ملفات خضراء، بل في سطور أكواد رقمية يكتبها ليلاً على شاشاته المضيئة، داخل حجرات قد لا تتجاوز مساحتها مترين إلا أنها مفتوحة على العالم بأسره.
لا ينتظر هذا الجيل حصوله على وظيفة يعتاش منها، بل يصنع فرصه بنفسه، ولا يكتفي باستخدام مخرجات التقنية، بل يعيد برمجتها. إنه جيل الذكاء الاصطناعي السعودي الذي نشأ خارج النماذج التقليدية للتعليم والعمل، في صمت أشبه ما يكون بضجيج التغيير.
حين أعلنت المملكة جذب استثمارات بنحو 15 مليار دولار خلال مؤتمر LEAP 2025 في فبراير الماضي، لم تكن تقدم دلالة اقتصادية في الرقم الضخم، بل تعلن تحركها نحو التفوق الرقمي، حيث بناء القدرات لا يتم على الإسمنت والحديد ولكن على الخوارزميات والمعالجة السحابية والبنى الذكية.
وسرعان ما حجزت السعودية لنفسها مكانة عالمية في ساحة الذكاء الاصطناعي، لكن ليس فقط عبر إنشاء كيانات ضخمة كشركة HUMANX المدعومة من صندوق الاستثمارات العامة، بل من طريق تمكين الشباب والمواهب المحلية ليصبحوا اللبنة الحقيقية في هذه النهضة الذكية.
ومن خلف الشاشات، بمنأى عن مقاعد الجامعات، بزغت أسماء شابة سعودية لتقتحم مجالات متقدمة في عالم لغات البرمجة والذكاء التوليدي وتحليل البيانات الضخمة. لم يكتسب أولئك الشباب هذه المهارات في جامعاتهم حتى الآن، إلا أنهم تعلموها من منصات مفتوحة ومن تجاربهم الذاتية ومن مشاريعهم الحية، إذ بدأ بعضهم من ألعاب تعليمية وانتهوا بتطبيقات تلقى رواجاً واستخداماً في الأسواق.
ولأن التغيير لا يأتي بمعزل، دعمت الدولة هذا التوجه عملياً بإدخال منهج الذكاء الاصطناعي في التعليم العام بجميع مراحله بداية من العام الدراسي القادم، كما أعلنت وزارة التعليم. ومع هذه الخطوة، لن يعود الذكاء الاصطناعي مهارة متفردة بل لغة وطنية حديثة.
ولو عدنا بعقارب الساعة إلى مسابقة WAICY 2024، سنجد أن فوز السعودية بـ22 ميدالية في مسابقة جمعت ما يربو على 18 ألف طالب من 129 دولة لم يكن حدثاً عابراً، بل كان مؤشراً على ولادة الشغف في المنازل، ونمو القدرات عبر الشاشات لتتحدى أفضل العقول العالمية، وتأخذ مكانها في المقدمة عبر مشاريع طبية وتعليمية وإنسانية، متسلحة بخوارزميات توليد الصور ونماذج التعلم العميق وتحليل البيانات. أولئك الشباب لم يتتلمذوا في قاعات الجامعات بالضرورة، خصوصاً أن بعضهم لم يتجاوز الـ15 عاماً.
وفي عالم تتغير فيه الوظائف، تشير تقارير LinkedIn إلى تسجيل السعودية نمواً بنسبة 24% في توظيف المواهب المتخصصة في الذكاء الاصطناعي خلال عام واحد. في تحول لم يأت من كبرى الشركات فحسب، بل من عشرات الشركات الناشئة التي ظهرت في السوق المحلية، والتي تعتمد كلياً على الذكاء الاصطناعي في تقديم خدماتها التي تبدأ من التسويق الذكي وتنتهي بحلول الطاقة مروراً بالترجمات الطبية الفورية. إن هذا التحول لا يعلن نهاية الوظائف التقليدية، بل يضعها أمام خطر محدق، لأن الجيل الجديد بذكائه التقني قادر على أن يحل محل عشرات المهن، بل ويعيد ترجمتها بالكامل.
وبعيداً عن التقنية، يأتي أكبر التحديات من خارج السوق، ليكمن في الوعي المجتمعي نفسه.
كيف تتعامل العائلات مع ابنها الذي هجر مقاعد جامعته ليدير شركته الرقمية من البيت؟
كيف يوازن طالب بين دراسته التقليدية ومشاريعه الرقمية التي تدر له أرباحاً حقيقية؟
كثيرة هي الأسئلة التي بدأت تتكرر وتلوكها ألسن الأسر السعودية، ما يعكس حجم التغير الثقافي الذي يوازي التغير التقني نفسه. ويبدو أن جيل الذكاء الاصطناعي السعودي لم ينتظر 2030، لأنه جعل من الرؤية نبراساً استنار به ليصنع ويعيش مستقبله الآن.
وما بين دعم الدولة ونبوغ المهارات وتحولات السوق، تتشكل معالم نخبة حديثة، لا تقاس بنسب أفرادها الوظيفية التقليدية أو معدلات درجاتهم الأكاديمية، بل بما يبنونه من حلول تقنية ومن أدوات ذكية، ومن أثر. في مشهد يجعل الأخبار لا تنحصر في الحكايات التقليدية، لتتحول إلى مرآة لجيل لا يكتب قصصه بالحبر بل بالكود.
أخبار ذات صلة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.