كتبت أسماء نصار الإثنين، 01 ديسمبر 2025 03:59 م سلط تقرير جديد لجرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الضوء على تحديات استقلال أنظمة الطاقة في شمال أفريقيا، وعرض مسارات واقعية نحو انتقال عادل يتجاوز الوقود الأحفوري. وقدم التقرير حلولاً عملية ومسارات قابلة للتطبيق لمستقبل طاقي متجدد وعادل وذي سيادة في شمال أفريقيا، وذلك في أعقاب مؤتمر COP30 الذي لم يحقق تقدماً كافياً في ملف التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، واستمرار فجوة التمويل المناخي بين الدول. ولتحقيق هذا الهدف، أطلق التقرير مؤشر سيادة الطاقة، والذي يقدّم لأول مرة تقييماً شاملاً لنقاط القوة والفجوات في أنظمة الطاقة، حيث يساعد هذا المؤشر على فهم فرص التطوير ومجالات التحسين اللازمة لضمان مستقبل طاقي مستدام. كما حذر التقرير من أن مشاريع الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية والرياح الموجهة أساساً للتصدير تواجه خطر التحوّل إلى ما أسماه "مناطق تضحية خضراء"، وبناءً عليه، يعرض التقرير مجموعة من الخيارات والسياسات العملية لضمان مستقبل طاقي أكثر عدالة واستقلالاً في المنطقة، مع التأكيد على ضرورة تعزيز الشفافية وتوزيع المنافع على السكان المحليين. ويبرز التقرير الجديد "من أمن الطاقة إلى السيادة الطاقية" أنه، رغم استمرار اعتماد كل من تونس والمغرب على الوقود الأحفوري، فإن التحول نحو الطاقة المتجددة في هذه الدول ما يزال يتشكل بدرجة كبيرة وفقًا لأولويات الاستثمارات الأجنبية والمؤسسات الدولية. ويشير التقرير إلى أن العقود الموجهة للتصدير تمنح الأولوية للأسواق الأوروبية، ما يطرح تساؤلات حول مدى قدرة هذه المشاريع على تلبية الاحتياجات المحلية وتعزيز التنمية المستدامة في المنطقة. وبعد مؤتمر المناخ COP30، الذي لم يحرز التقدم المطلوب في ملف التمويل المناخي للدول في الجنوب العالمي أو في وضع مسار واضح وعادل للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، يطرح التقرير مجموعة من الآليات القانونية والمالية التي يمكن أن تجعل التزامات العدالة المناخية والديون المناخية ذات طابع إلزامي، بدلًا من بقائها إجراءات طوعية يصعب البناء عليها. و يقيس تقرير جرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الجديد، باستخدام نسخة محدثة من مؤشر سيادة الطاقة، مستوى السيطرة على الموارد الطاقية، ومن المستفيد الفعلي منها، وكيف تقيد القرارات السياسية مسار التحول الطاقي في المنطقة. أوضح التقرير أن تونس، تعتمد بشكل كبير على استيراد الطاقة، وتواجه تحديات مرتبطة بضعف التنفيذ والمساحة المحدودة للتوسع في الطاقة المتجددة وفي المغرب، يستمر تحقيق تقدم ملموس في مشاريع الطاقة المتجددة ، إلا أن الاعتماد على الفحم والأصول الطاقية المملوكة لجهات خارجية والموجّهة غالبًا للتصدير ما يزال من العوامل المؤثرة على استقلالية منظومة الطاقة. وعلق جوليان جريصاتي، مدير البرامج في غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على التقرير قائلًا: "لأول مرة يمكننا قياس فجوات سيادة الطاقة وإمكاناتها بشكل كمى ويظهر المؤشر المحدث أن الطاقة الأنظف لا تعني بالضرورة طاقة أكثر عدلًا أو أكثر سيادة فمع أن هذه البلدان تغير طرق إنتاجها للطاقة، تبقى السيطرة الحقيقية بلا تغيير، و لا يمكن أن تتحقق إزالة الكربون في أوروبا على حساب سيادة الطاقة في شمال أفريقيا، فجوهر سيادة الطاقة يكمن في القدرة على تحديد كيفية استخدام الطاقة، وليس فقط كيفية إنتاجها." و يوصي التقرير بضرورة التخلص العادل والمنصف من الوقود الأحفوري، مع التأكيد على أن الملوثين التاريخيين لا يمكن أن يتخلوا عن مسؤولية الأضرار التي تسبّبوا بها. وقال جريصاتي: "في مختلف أنحاء منطقة شمال أفريقيا، لا يجني السكان القاطنون بالقرب من مواقع استخراج الوقود الأحفوري سوى سنت إلى ثلاثة سنتات مقابل كل دولار من القيمة المُنتَجة.، بينما تبقى التكلفة الحقيقية لتأثيرات الصحة والتلوث والاضطراب الاجتماعي غير مدفوعة. ومع انتقالنا نحو الطاقة المتجددة، يجب أن نضمن أن يكون شعبنا هو المستفيد الأول من هذا التحوّل." وفي الوقت نفسه، يشير التقرير إلى أنه رغم الحاجة الملحة إلى انتقال عادل في المنطقة، فإن مشاريع الطاقة المتجددة المدعومة خارجيًا والموجهة أساسًا لتصدير الطاقة إلى أوروبا قد تنطوي على مخاطر تعكس تجارب سابقة، حيث تتحمّل المجتمعات المحلية الأعباء البيئية والاجتماعية مثل ندرة المياه ونزع الملكية، من دون الحصول على فوائد متكافئة. ولتفادي أن يؤدي الانتقال الطاقي إلى إعادة إنتاج أنماط اقتصادية تعتمد على استخراج الموارد تحت مظلة “التحول الأخضر”، يقترح التقرير مسارًا لانتقال عادل ومنصف، ويركز هذا المسار على تطوير أنظمة طاقة متجددة أكثر سيادة وقدرة على تلبية الاحتياجات المحلية، مع تبنى آليات تمويل تستند إلى الديون المناخية المستحقة على الملوثين التاريخيين وشركات النفط والغاز، وفقاً لمبدأ "الملوّث يدفع" . وضمن الآليات القانونية التي يقترحها التقرير، يشير إلى التقاضي الإستراتيجي المستند إلى الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية عام 2025 والمتعلق الالتزامات المناخية. كما يوصي التقرير، ضمن مجموعة من الأدوات الداعمة لسيادة الطاقة، بأن يتم تخصيص ما بين 15 إلى 25% من إنتاج مشاريع الهيدروجين والطاقة المتجددة المخصصة للتصدير لصالح الاستهلاك المحلي، وباعتماد آليات عوائد مجتمعية ترتبط بنسبة ثابتة من الإيرادات الإجمالية لهذه المشاريع. كذلك يلفت التقرير إلى أهمية إعطاء الأولوية لمشاريع الطاقة المتجددة اللامركزية، مثل أنظمة الطاقة الشمسية على الأسطح، بما يسهم في تعزيز الوصول العادل إلى الطاقة. وعلق جريصاتي:"تقف شمال أفريقيا عند مفترق حاسم فمع سعي أوروبا إلى استيراد الطاقة المتجددة والهيدروجين على نطاق واسع، ومع تأثير الممولين الدوليين في تشكيل مسارات المشاريع، يتعين على المنطقة أن تقرر ما إذا كانت ستتبنى نموذجًا استخراجياً جديدًا، ولكن هذه المرة مطليًا باللون الأخضر، أم ستنفذ انتقالًا طاقيًا متجددًا ذو سيادة ومتمحورًا حول المجتمعات يوفر قدرة طويلة الأمد على الصمود وعدالة لشعوبها." واختتم جريصاتي بقوله: "إن الانتقال العادل نحو الطاقة المتجددة يبدأ عندما يكون للمجتمعات دور حقيقي في تحديد كيفية إنتاج الطاقة ولمن توجه.