أكد محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي، أن متحف زايد الوطني، يمثل أهم متحف يتم افتتاحه بجزيرة السعديات، لأنه يقدّم قصة الإمارات والمنطقة بعمقها الحقيقي، ويروي تاريخاً ظل غائباً أو غير مكتمل في المتاحف العالمية، حيث إن هذا المتحف ليس مجرد مبنى أو معرض؛ بل هو مشروع وطني يعيد تشكيل الوعي بتاريخ الأرض والإنسان، ويجسّد رؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وقيمه التي قامت عليها دولة الإمارات. الإرث الحضاري وأوضح خلال لقائه ممثلي وسائل الإعلام، أن المتحف يحتل مكانة محورية، لأنه يركّز على الإرث الحضاري الذي تمتد جذوره آلاف السنين قبل العصر الحديث، فيقدّم رؤية واضحة للزائر حول طبيعة المكان الذي يعيش فيه، ويشرح كيف تشكلت حضارات المنطقة، وكيف تطورت أساليب الحياة، وكيف كان الإنسان جزءاً من شبكة تواصل واسعة تربط الشرق بالغرب منذ فجر التاريخ، حيث إن هذا المتحف هو الأقدر على تقديم هذه الرواية الشاملة، لأنه يتعامل مع التاريخ من منظور وطني يستند إلى الحقائق الأثرية المكتشفة في المنطقة، وإلى قراءة علمية لطبيعة الأرض والبيئة التي عاش فيها الإنسان. وأشار إلى أن المتحف يبدأ رحلة الزائر من عمق الزمن عبر «قارب ماجان»، وهو القارب الذي يعكس واحدة من أقدم الحضارات البحرية والتجارية في المنطقة، وقد ظهر هذا القارب في أرض الإمارات قبل ثمانية آلاف سنة، وكان ينطلق من سواحلها نحو العراق ثم الهند ويعود محملاً بالبضائع، ما يكشف أن أرض الإمارات كانت جزءاً من شبكة حضارية واسعة، وأن المجتمعات القديمة في المنطقة كانت تمتلك معرفة متقدمة بالبحر والملاحة والتجارة، وتقدّم هذه البداية للزائر فهماً واضحاً للعلاقة بين الإنسان والبحر، وللدور الذي أدته الجغرافيا في تشكيل الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات القديمة. الحضارات القديمة وبيّن أن المتحف لا يكتفي بعرض القطع الأثرية؛ بل يشرح السياق الذي نشأت فيه الحضارات القديمة، فيسلّط الضوء على طرق البناء والتدفئة والأساليب التي استخدمها الإنسان للتكيّف مع البيئة، مثل المدافن الجبلية والمساكن المحفورة في الأرض وأنظمة جلب المياه وسقي الأشجار، مبيناً أن هذه الأساليب لم تكن مجرد حلول بيئية؛ بل كانت تعبيراً عن فكر عميق وفهم لطبيعة المكان، ويؤكد أن الزائر حين يرى هذه النماذج يدرك أن الابتكار ليس وليد العصر الحديث؛ بل هو جزء أصيل من تاريخ المنطقة.وشدد على أن قاعة الشيخ زايد تمثل الركن الأساسي في المتحف، لأنها تقدّم شخصية القائد المؤسس وقيمه ورؤيته للحياة وللوطن، وإن البداية من هذه القاعة تمنح الزائر فرصة لفهم الأساس،الذي قامت عليه دولة الإمارات، لأن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، أسس الدولة على إرث عميق، وعلى فهم لطبيعة الأرض التي عاش عليها الإنسان آلاف السنين، وما يميز الشيخ زايد هو إدراكه المبكر لأهمية العلم والتاريخ؛ إذ استدعى علماء الآثار قبل قيام الاتحاد ليكشفوا له قصص الحضارات القديمة، ولأن المعرفة بالماضي كانت جزءاً من رؤيته لبناء المستقبل. وأوضح أن الزائر في هذه القاعة لا يرى صوراً ومقتنيات فقط؛ بل يعيش تجربة وجدانية عميقة عند سماع صوت الشيخ زايد الذي يروي قصصه وقيمه وشعره وتعاليمه، ويؤكد أن هذا الصوت يحرك مشاعر الزائر لأن أثر الشيخ زايد لا يقتصر على تاريخ الدولة؛ بل يمتد إلى وجدان كل من عاش على أرض الإمارات، ويشير إلى أن القاعة تقدّم رؤية متكاملة لشخصيته من حيث علاقته بالأرض والبادية والدين والإنسان، وأنها تمنح الزائر إدراكاً واضحاً للقيم التي صنعت دولة الإمارات. استقرار ورفاه وبيّن أن المتحف يحمل رسالة تربوية مهمة للجيل الجديد، لأن التاريخ ليس مادة للقراءة فقط؛ بل هو أساس لفهم المستقبل، ويستشهد في هذا السياق بمقولة الشيخ زايد: «من لا يعرف تاريخه لا يعرف مستقبله»، موضحاً أن المتحف يعلّم الأطفال والشباب أن ما يعيشونه اليوم من استقرار ورفاه ليس أمراً بسيطاً؛ بل هو نتيجة جهد عاشه الأجداد عبر فترات طويلة من الزمن، فهم الماضي يجعل الإنسان أكثر وعياً بقيمة الحاضر وأكثر إيمـــاناً بقدرتـــــه على بناء المستقبل. وأوضح أن المتحف يعتمد على «الذاكرة الشعورية»، وهي الذاكرة التي تبقى في وجدان الإنسان حتى حين ينسى التفاصيل، ويذكر أن كثيراً من الزوار عبروا عن شعورهم العميق عندما دخلوا القاعة الأولى، فرؤية صورة الشيخ زايد وسماع صوته بدت تجربة مؤثرة، لأنها ترتبط بالذاكرة الجمعية للإماراتيين وللمقيمين الذين عرفوا مكانة هذا القائد، ويضيف أن المتحف صُمّم ليكون تجربة إنسانية قبل أن يكون تجربة معرفية، لأن الشعور هو الأساس الذي تبنى عليه الهوية والانتماء. وأشار إلى أن المتحف يشجّع المجتمع على مشاركة قصصه وموروثه، لأن جزءاً من تاريخ المنطقة لا يزال شفهياً ينتقل بين الأجيال، وقد خصص المتحف مكتبة لجمع الروايات والمقتنيات والصور العائلية، بهدف حفظها وتوثيقها ضمن أرشيف وطني يضمن انتقالها للأجيال القادمة، ويرى أن المتحف يؤدي دوراً أساسياً في جمع الذاكرة الوطنية، وأنه ليس مكاناً لعرض الماضي فقط؛ بل مساحة لصناعة ذاكرة مستقبلية. وبيّن أن المتاحف في أبوظبي تشكّل منظومة ثقافية متكاملة، ويمكن النظر إليها ككتاب واحد متعدد الفصول، حيث يقدّم متحف التاريخ الطبيعي فصل الأرض وتشكّلها عبر ملايين السنين، ويقدّم متحف الشيخ زايد فصل الإنسان وقيمه ورؤيته، ويقدّم اللوفر أبوظبي فصل الحضارات العالمية التي تتقاطع مع تاريخ المنطقة، بينما يقدّم متحف غوغنهايم أبوظبي، عند افتتاحه، فصل الفن الحديث والابتكار، وهذا التكامل يجعل أبوظبي مركزاً ثقافياً يقدم رواية شاملة عن الحضارة الإنسانية. تذكرة موحدة وأوضح أن الزائر يستطيع اليوم استخدام تذكرة موحدة لزيارة جميع المتاحف، وأن تطبيق «زوروا أبوظبي» يتيح له بناء جدول متكامل يشمل المتاحف والمعارض والفعاليات في أبوظبي والعين والظفرة، وهذا النظام يعكس رؤية أبوظبي في تقديم تجربة ثقافية متكاملة تربط التاريخ بالطبيعة والفن. وأشار إلى أن الكوادر الإماراتية، أصبحت اليوم في صدارة العمل المتحفي في أبوظبي، بعد أن كانت نسبة وجودها محدودة في بدايات المشاريع الثقافية، ويؤكد أن الخبرة التي اكتسبها جيل الإماراتيين في السنوات الماضية تعادل خبرات تمتد لعقود، وأن المتاحف أصبحت مدارس حقيقية لإعداد المختصين الإماراتيين في التاريخ والآثار والمتاحف. وهذه الكوادر قادرة اليوم على قيادة العمل المتحفي وصناعة محتواه. وأوضح أن بناء المتحف كان تحدياً هندسياً كبيراً، وأن تصميمه المعماري الذي يقوم على خمسة أعمدة ضخمة يرمز إلى قيم الصمود والانفتاح، وأن هذا الصرح يعكس قدرة الإنسان على الإبداع وعلى تحويل الأفكار إلى واقع، على الرغم من التطور الهائل في تقنيات الذكاء الاصطناعي، ويؤكد أن الوقت الذي نعيش فيه يجب أن يكون وقتاً للاحتفاء بالإنسان، لأن الإنجازات الكبرى تقوم على الفكر والجهد والإبداع. وختم بالتأكيد على أن المتحف سيظل شاهداً على رؤية الإمارات وعلى تاريخها العميق، وأنه سيمنح الأجيال القادمة فهماً واضحاً للمكان الذي يعيشون فيه وكيف أصبحت الإمارات على ما هي عليه اليوم، الابتكار الذي يشكل جوهر رؤية الدولة اليوم ليس وليد اللحظة؛ بل امتداد لفكر الإنسان الذي عاش على هذه الأرض منذ آلاف السنين، وأن المتحف يقدم هذا الامتداد التاريخي بطريقة تجعل الزائر يدرك أن المستقبل لا ينفصل عن الماضي، وأن قصة الإمارات أكبر من الزمن، وأعمق من حدود الجغرافيا.