باري بولسون*
لطالما شكّلت ملكية المنزل ركناً محورياً في «الحلم الأمريكي». فشراؤه لم يكن مجرّد خطوة سكنية، بل القرار الاستثماري الأهم في حياة المواطن. كان هذا الاستثمار مدّخراً استراتيجياً يوفّر الأمان عند التقاعد، ورصيداً يمكن الاقتراض على أساسه لتمويل التعليم والرعاية الصحية والتحوط من نفقات الطوارئ.
لكنّ هذا الحلم بدأ يتلاشى أمام أعين أجيال كاملة، خصوصاً الشباب. فارتفاع أسعار المنازل بمعدلات تضخمية بات يطرد كثيرين من سوق الإسكان. والأسوأ أن الارتفاع نفسه في الضرائب العقارية أصبح يطرد آخرين من منازل يملكونها فعلاً.
أشعل هذا الارتفاع ما يُشبه «ثورة ضريبية» على مستوى الولايات المتحدة. وفي بعض المناطق، يتصاعد الضغط الشعبي والسياسي للمطالبة بإلغاء الضرائب العقارية بالكامل. ومع ذلك، مازال بإمكاننا إصلاح هذا النوع من الضرائب مع الحفاظ على دورها الحيوي في النظام الضريبي الأمريكي ونموذج الحكم الفيدرالي.
الفكرة بسيطة، وهي التعامل مع الاستثمار في المنزل كما نتعامل مع حسابات التقاعد. أي تثبيت تقييم المنزل عند قيمته السوقية لحظة الشراء، وأن يبقى كذلك طوال فترة إقامة المالك فيه. أما الزيادات اللاحقة في القيمة، أي مكاسب رأس المال غير المحققة، فتُرحّل ضريبتها إلى حين بيع المنزل أو توريثه. وفي حال التوريث، يُعاد ضبط قيمة المنزل إلى سعره في السوق، ليتمكّن الورثة أيضاً من الاستفادة من تأجيل الضريبة على المكاسب الرأسمالية اللاحقة.
وسيُلغي هذا التعديل التشوّه الضريبي القائم اليوم، والذي يسمح بفرض ضرائب على مكاسب رأسمالية لم تتحقق فعلياً. وبإزالة هذا العبء، يصبح الاستثمار في المنزل منافساً فعلياً للاستثمار في حسابات التقاعد. بمعنى آخر، يُعيد الإصلاح المقترح فتح باب ملكية المنازل أمام طيف أوسع من المواطنين، وعلى نحو خاص الشباب الذين يعانون أكثر من غيرهم من ارتفاع الأسعار.
ولا يقلّ ذلك أهمية للمواطنين الذين يرون في شراء منزل وسيلة لبناء أمانهم المالي عند التقاعد. فالإصلاح يضع الاستثمار في السكن على قدم المساواة مع الاستثمار في حسابات التقاعد المعفاة من الضرائب.
وخلقت الضرائب العقارية أيضاً صراعات بين الأجيال. فقد لجأت حكومات الولايات والمجالس المحلية إلى منح إعفاءات ضريبية انتقائية، مثل إعفاءات السكن الدائم، وحسومات ضريبة الملكية، وغيرها من الإعفاءات التي ترتبط غالباً بالعمر أو الدخل أو صفة قدامى المحاربين. أما الإصلاح المقترح، فيقدّم فائدة عامة لجميع المالكين دون استثناء. وهو ما يجعل السياسة الضريبية أكثر عدالة وشفافية، ويمنح الأمريكيين حافزاً حقيقياً لشراء منازل دون الحاجة إلى برامج انتقائية معقّدة ومتفاوتة.
لكن أهمية الضرائب العقارية تتجاوز أصحاب المنازل لتصل إلى قلب النظام الفيدرالي الأمريكي، إذ تؤمّن هذه الضرائب مورداً محلياً مستقلاً، يقلّل اعتماد الحكومات البلدية على حكومات الولايات والحكومة الاتحادية. كما أنّها تعزّز الشفافية والمساءلة، إذ يرى المواطن مباشرة كيف تُنفق الضرائب في مجتمعه، خلافاً لمستويات الحكومة الأعلى، حيث تضيع التفاصيل بين البيروقراطيات.
ومع توسّع اعتماد الإدارات المحلية على التمويل القادم من واشنطن ومن عواصم الولايات، تراجع الدور التقليدي للحكم المحلي في تقديم الخدمات المباشرة للمجتمع. ومن شأن الإصلاح المقترح أن يُعيد بناء هذا الاستقلال الضريبي، ويعزّز صلابة النظام الفيدرالي بدلاً من إضعافه.
وفي النهاية، يتجسّد المشهد الأكثر إهانة باصطفاف آلاف المواطنين أمام مكاتب التقييم العقاري في ولاياتهم، يلتمسون تخفيضاً في الضريبة على منازلهم. إن الزيادات التضخمية في الضرائب العقارية، خصوصاً تلك المفروضة على مكاسب غير محققة، جعلت ملكية المنزل رهناً بالطريقة التي تختار الحكومة أن تفرض بها الضرائب.
والإصلاح المقترح سيُعيد للمواطن حقّه الطبيعي بأن يقرر هو، لا السياسيون، حجم الضريبة التي يستطيع تحمّلها. وحينها فقط يمكن للمنزل أن يعود «حصناً» وساحة أمان واستقرار، لا عبئاً يهدّدنا بالرحيل.
* أستاذ فخري في جامعة كولورادو، وعضو مجلس إدارة مؤسسة الرخاء للولايات المتحدة. (ريل كلير ماركيتس)
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
