في خطوة بدت وكأنها قادمة من مستقبل بعيد، كشفت ByteDance، الشركة المالكة لتطبيق تيك توك، عن نموذج أولي لهاتف ذكي قادر على تشغيل نفسه بالكامل باستخدام ذكاء اصطناعي “عميل” يمكنه رؤية الشاشة والتنقل بين التطبيقات وإجراء المكالمات وتنسيق الرسائل وحجز التذاكر دون تدخل بشري. تيك توك الجهاز، الذي حمل اسم Nubia M153 وطُوِّر بالتعاون مع ZTE، أثار إعجابًا كبيرًا في بدايته، قبل أن يتحوّل إلى مصدر قلق واسع بعدما بدأت مخاوف الخصوصية تتصاعد سريعًا. الهاتف اعتمد على وكيل الذكاء Doubao، وهو نموذج ذكاء اصطناعي متقدّم تمتلكه ByteDance ويُستخدم بالفعل في الصين كأداة إنتاجية وتطبيق محادثة، لكن في النموذج الجديد، تحوّل Doubao إلى نظام كامل قادر على فهم الهدف وتنفيذه بشكل تلقائي عبر الجهاز، دون تعليمات تفصيلية. وفي مقاطع تجريبية نشرها رائد الأعمال شينزين تايلور أوغان، ظهر الذكاء الاصطناعي وهو يفتح التطبيقات، يكتب، يضغط، يبحث، ويحجز تذاكر الانتقال وكأنه شخص يمسك الهاتف بيده. هذا المستوى من التحكم دفع خبراء التقنية ومستخدمي الإنترنت إلى القلق، خصوصًا أن النظام يعمل عبر ما يُعرف بـ”التفاعل الكامل مع النظام”، أي أنه لا يعتمد على واجهات التطبيقات فقط، بل يتعامل مباشرة مع النظام التشغيلي، مما يمنحه قدرة شاملة على كل ما يظهر على الشاشة. ومع هذا النوع من الوصول، يصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على قراءة الرسائل الخاصة، الوصول إلى البيانات الحساسة، ومعالجة معلومات الدفع، وهو ما فتح الباب أمام أسئلة كثيرة حول مدى الأمان وشفافية الاستخدام. وبعد الضجة الكبيرة، اتخذت ByteDance خطوة سريعة للحد من قدرات الهاتف، إذ قيدت إمكانات Doubao وأغلقت الوصول إلى بعض الوظائف الحساسة، ريثما تعمل الشركة على تصميم ضوابط خصوصية أكثر صرامة. ولم يكن القرار تراجعًا كاملاً بقدر ما كان إجراءً وقائيًا لتجنب خطر فقدان ثقة المستخدمين. ووفق تقارير إعلامية، لا تزال الشركة تخطط لإطلاق قدرات الذكاء الجديدة عبر هواتف العلامات الصينية المختلفة، بما فيها ZTE، ولكن بشكل محدود وأكثر تحفظًا. المشهد لم يتوقف عند الصين، فسباق بناء “المساعد الذكي النهائي” أصبح عالميًا، فنجد OpenAI قدمت مؤخرًا ميزة Shopping Research لمستخدمي ChatGPT، بينما تستعد آبل لإطلاق جيل جديد من قدرات Siri عام 2026 بدعم من علي بابا في السوق الصيني . وكل جهة تسعى إلى خلق مساعدين قادرين على التفكير والرؤية واتخاذ القرارات بدلًا من الاكتفاء بالرد على الأسئلة، لكن تجربة ByteDance أظهرت أن الفرق بين المساعدة والتطفل قد يكون مجرد خيط رفيع، وأن منح الآلات سلطة كاملة على هواتفنا قد يكون خطوة مبكرة أكثر من اللازم. ومع دخول الذكاء الاصطناعي مرحلة يتحرّك فيها بالنيابة عن المستخدمين، يبدو أن مستقبل الأجهزة الذكية سيتشكل بين رغبة الشركات في الابتكار ومخاوف المستخدمين من فقدان السيطرة، تجربة Nubia M153 كانت لمحة سريعة عن ذلك المستقبل، لكنها أيضًا تذكير بأن القوة التكنولوجية يجب أن تُدار بحذر، وأن الطريق نحو المساعد المثالي ربما يحتاج إلى توازن أكبر بين الطموح والطمأنينة.