*عبد الله بن دلموك: مسيرة إيمان وصبر وارتباط بالأرضتواصل رحلة الهجن، بنسختها الثانية عشرة، مسيرها عبر واحد من أكثر المسارات الرمزية في تاريخها، إذ قطعت خلال الأيام الماضية سلسلة من المحطات الممتدة بين رمال ندّ الشبا، قرن وكر العقاب، رقعة روضة، رملة ساحب عظيبة، الهرِه، رملة بن مريود، العبدلية، وصولاً إلى عمق المسار الصحراوي القديم الذي كان يربط الإمارات بطريق الحجاج.انطلقت الرحلة 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، من منطقة السلع في أبوظبي، ويترقب وصولها 20 الجاري، إلى القرية التراثية في القرية العالمية بدبي.وفي كل محطة، تستعيد القافلة ملامح الطريق الذي سلكه الأجداد، من الكثبان التي عبرتها قوافلهم إلى المسارات التي شكّلت ذاكرة المكان، في رحلة تمتزج فيها ملامح الصحراء، ورائحة الماضي، وعمق التجربة الإنسانية.وتقطع القافلة مسافة 1050 كيلومتراً على ظهور الهجن، في مسار هو الأطول في تاريخ الرحلة، والتاريخ المعاصر. إعادة قراءةقال عبد الله حمدان بن دلموك، الرئيس التنفيذي لمركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، وقائد الرحلة: حين نتحرك عبر هذه الصحراء، لا نعيد رسم خطوط طريق الحجاج فقط، بل نعيد قراءة الإنسان الذي عبر هذا الطريق قبل أعوام مضت، فكل خطوة على الرمل تحمل أثراً من أخرى سابقة، وكل محطة نقف فيها تذكّرنا بأن هذا الطريق لم يكن مجرد جغرافيا، بل رحلة إيمان، وصبر، وارتباط بالأرض. هذه القافلة ليست مسيراً للهجن فحسب، بل مسيرٌ لروح تبحث عن تلك اللحظة التي يلتقي فيها الماضي بالحاضر، من دون أن يفقد أحدهما جوهره.وأضاف: من يرافقنا في رحلة تمتد لأكثر من ألف كيلومتر يدرك أن هذه التجربة ليست تحدّياً جسدياً، بل مسؤولية ثقافية وأخلاقية، فالهدف ليس الوصول إلى دبي فقط، بل إلى فهم أعمق لما يعنيه أن تكون ابن هذه الأرض التي علّمت أبناءها أن الطريق أهم من المسافة، وأن العِبر أكبر من الخطوات. مدرسة قيميخوض المشاركون في الرحلة تجربة تتجاوز المشي لمسافات طويلة لتلامس جوهر الحياة في الصحراء، ففي كل مرحلة يومية، تعود القافلة إلى إيقاع عاشه الآباء والأجداد، فيتعلم المشاركون كيف تُبنى القوة بالصبر، وكيف يتشكل الوعي بالاعتماد على الطبيعة، وكيف تتحول الصحراء من فضاء مفتوح إلى مدرسة قيم، تُعيد الإنسان إلى جذوره الأولى، وتحيي في داخله إرثاً ظل حاضراً في وجدان الإماراتيين عبر الزمن. تحليق في القيممن بين القصص الملهمة في هذه الرحلة، تبرز مشاركة الطيّار الإماراتي سعيد محمد الريّس، الذي اختار أن يخوض تجربة تختلف تماماً عن الطائرات التي اعتاد التحليق بها، ليعيش رحلة الأجداد كما كانت، على ظهر الهجن، وتحت سماء الصحراء. يقول الريّس عن التجربة: الرحلة مذهلة بكل تفاصيلها. وتفاصيل دقيقة تجعلني أشعر بأنني أعيش الزمن الذي عاشه أجدادنا، لا أعتبر نفسي مشاركاً فقط، بل ممثلاً لبلدي، ومسؤولاً عن تقديم صورة تليق بعاداتنا وتقاليدنا الإماراتية الأصيلة، أعمل بجهد، وأتعاون مع زملائي من مختلف الجنسيات، لأثبت أن قيم التعاون والالتزام التي تربّينا عليها ما زالت حية في كل خطوة بهذه الرحلة. تاريخ جديدمع استمرار القافلة في التقدم نحو دبي، يتعاظم الشعور بأن هذه النسخة لا تروي تاريخاً فقط، بل تصنعه من جديد في عيون المشاركين، وفي ذاكرة من يتابعون هذا الحدث التراثي الفريد الذي أطلق عام 2014، بناء على توجيهات سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، بهدف إحياء الموروث الإماراتي، وتقديم تجربة حقيقية تُعرّف الأجيال بقيمة الهجن، كأحد أعظم رموز الحياة في الصحراء.