سجّل سوق الأراضي في دبي أداءً لافتاً منذ بداية عام 2025، مع بيع 24,932 قطعة أرض، في إشارة واضحة إلى تسارع زخم مشاريع التطوير الجديدة، مدفوعاً بمزيج من الطلب القوي، وندرة المعروض، وتوسع القاعدة السكانية، وتدفقات استثمارية متزايدة من أصحاب الثروات العالمية، إضافة إلى العوائد الإيجارية والاستثمارية المرتفعة التي تتمتع بها الإمارة.وبحسب بيانات «دائرة الأراضي والأملاك» في دبي، بلغ إجمالي صفقات الأراضي المنجزة خلال الفترة الممتدة من يناير/كانون الثاني وحتى منتصف ديسمبر/كانون الأول 2025 نحو 37,579 صفقة، وتوزعت بين 24,932 صفقة بيع، ما يمثل 66.3% من إجمالي تصرفات الأراضي، و10,852 صفقة رهن بنسبة 29%، إضافة إلى 1,795 صفقة هبة، شكلت نحو 4.7% من الإجمالي.على مستوى التوزيع الجغرافي لقيم الصفقات، تصدرت منطقة اليلايس 1 مناطق دبي من حيث قيمة صفقات الأراضي، بإجمالي بلغ 19.6 مليار درهم، تلتها معيصم الثانية بقيمة 17.8 مليار درهم، ثم نخلة جبل علي بقيمة 15.2 مليار درهم، ومجمع دبي للاستثمار الثاني بقيمة 12.7 مليار درهم، كما سجلت نخلة جميرا صفقات بقيمة 8 مليارات درهم، تلتها وادي الصفا 3 ب5.5 مليار درهم، واليفرة 1 ب5.4 مليار درهم، وتلال الإمارات ب4.7 مليار درهم، وأم سقيم الأولى ب4.5 مليار درهم، ثم الحبية الخامسة بقيمة 4.1 مليار درهم.ويعكس النمو الكبير في عدد صفقات الأراضي وارتفاع قيمها في مناطق تطوير رئيسية، مثل نخلة جميرا، واليلايس، ونخلة جبل علي، وصول الطلب في بعضها إلى مستويات بمليارات الدولارات، استمرار المسار التصاعدي للطلب على الأراضي، في ظل الذروة التي يشهدها الطلب على عقارات دبي سواء لأغراض الاستثمار أو السكن.هذا الزخم المتزايد بدأ ينعكس تدريجياً على التكلفة النهائية للمنتج العقاري، سواء في الشقق والوحدات السكنية -وإن كان ذلك بنسب محدودة- أو بشكل أوضح في الفلل والتاون هاوس، التي تُعد الأكثر تأثراً نتيجة المساحات الكبيرة التي تشغلها على الأراضي، ويضع هذا الواقع تحديات متزايدة أمام المطورين والمستثمرين والجهات الرسمية، تستدعي البحث عن حلول أكثر كفاءة وجدوى لضمان استدامة التوازن بين العرض والطلب.في هذا السياق، أكد رؤساء تنفيذيون ومسؤولون في شركات تطوير عقاري عاملة في دبي أن الطلب على المشاريع العقارية في الإمارة بلغ مستويات غير مسبوقة خلال عام 2025، ما أدى -بحسب وصفهم- إلى حالة من «التعطش» لمزيد من الأراضي، بهدف إطلاق مشاريع جديدة وتقديم خيارات أكثر كفاءة من حيث الجدوى الاقتصادية، بما يدعم استدامة نمو السوق.وأشاروا إلى أن العائد الاستثماري القوي لعقارات دبي، إلى جانب الزيادة المستمرة في عدد سكان الإمارة، وتنامي تدفقات أصحاب الثروات العالمية إلى الإمارات -حيث يُقدَّر عدد الوافدين من فئة الأثرياء بنحو 9,800 مليونير خلال العام الجاري_ عزز الطلب المحلي على الوحدات السكنية والفلل والتاون هاوس، ما أدى إلى مزيد من الضغوط على المعروض من الأراضي، باعتبارها المحرك الأساسي لدورة السوق العقاري في دبي والإمارات والمنطقة. مواكبة احتياجات السوققال المهندس عامر خانصاحب، الرئيس التنفيذي وعضو مجلس إدارة «الاتحاد العقارية»: شهدت سوق دبي العقارية خلال عام 2025 طلباً قوياً ومتنامياً على شراء الأراضي، لا سيما في المواقع الحيوية والمراكز السكنية الرئيسة، إلى جانب المناطق المفضلة للأنشطة التجارية، ويعكس هذا التوجه المكانة الراسخة لدبي كوجهة استثمارية عالمية، مدعومة بأسس اقتصادية متينة، وبيئة تنظيمية محفزة، وقدرة عالية على استقطاب المستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء.وتؤكد المؤشرات الرقمية هذا الزخم، الأمر الذي يبرز الدور المحوري للأراضي كعنصر أساسي في إطلاق المشاريع الجديدة وضمان استدامة النمو، ويعزى هذا الارتفاع اللافت في الطلب إلى مجموعة من العوامل الجوهرية، في مقدمتها النمو السكاني المتسارع، واستمرار تدفق الاستثمارات الأجنبية، فضلاً عن توجه المطورين إلى تأمين أراضٍ استراتيجية تضمن الحفاظ على الجدوى الاقتصادية لمشاريعهم، وتعزز قدرتهم على مواكبة احتياجات السوق المتغيرة.وتابع خانصاحب: في ظل هذا الزخم، بات من الضروري على المطورين تبني استراتيجيات أكثر مرونة وابتكاراً، تشمل التركيز على المشاريع متعددة الاستخدامات، وإعادة تطوير الأصول القائمة، والدخول في شراكات طويلة الأمد تسهم في إدارة التكاليف، وتسريع وتيرة التنفيذ، وضمان استدامة المخزون العقاري.وتعكس المؤشرات بوضوح، نضج سوق دبي العقارية وقدرتها على استيعاب الطلب المتزايد بكفاءة عالية، وتؤكد في الوقت ذاته الأهمية الاستراتيجية للاستثمار في الأراضي باعتباره ركيزة أساسية لتحقيق نمو مستدام، وتعزيز تنافسية القطاع، وتطوير مجتمعات متكاملة تدعم الاقتصاد الوطني، وتكرس مكانة دبي كإحدى أبرز الوجهات العقارية والاستثمارية على مستوى العالم. تأمين مشاريع المستقبلوقالت أولغا بانكينا، الرئيس التنفيذي للعمليات في «وايت ويل»: ظلّ الطلب على الأراضي في دبي قوياً للغاية في عام 2025، مدفوعاً بشكل رئيسي من قِبل كبار المطورين والمستثمرين. بطبيعته، يُعدّ المعروض من قطع الأراضي الصالحة للبناء في المواقع المتميزة، مثل دبي مارينا ونخلة جميرا والمجمعات السكنية المتكاملة محدوداً، مما يزيد من حدة المنافسة على المواقع عالية الجودة. كما تؤكد أحدث بيانات التصرفات حدوث زيادة حادة في نشاط سوق الأراضي، مما يُسلط الضوء على التركيز الاستراتيجي من قبل شركات التطوير العقاري على تأمين الأراضي للمشاريع المستقبلية، أصبح يُنظر إلى الأراضي بشكل متزايد على أنها أصول نادرة تتميز بقيمة استثمارية طويلة الأجل، مدعومة بالنمو السكاني، وتدفقات رأس المال المستمرة، والثقة في دورة التنمية طويلة الأجل في دبي.وتابعت بانكينا: تميزت تصرفات الأراضي في عام 2025 بارتفاع ملحوظ في القيمة الإجمالية، بدلاً من زيادة كبيرة في حجم التصرفات، فبينما نما عدد التصرفات بوتيرة معتدلة، ارتفعت قيمتها بشكل كبير، مما يشير إلى تحول نحو عمليات أكبر وأكثر لاستحواذ الأراضي الاستراتيجية. وأوضحت بانكينا: تعيد شركات التطوير العقاري في دبي النظر في استراتيجياتها التنموية لمواجهة ندرة الأراضي المتاحة للتطوير، تشمل الأساليب الرئيسية زيادة كثافة البناء، وإعطاء الأولوية للمشاريع متعددة الاستخدامات، والتوسع في المواقع الناشئة القريبة من ممرات البنية التحتية الجديدة، كما يستند كبار المطورين إلى قطع الأراضي التي تم شراؤها مسبقاً واستراتيجيات التطوير على مراحل متعددة لإدارة رأس المال والمخاطر على المدى الطويل، إضافةً إلى ذلك، تكتسب فرص إعادة التطوير ودمج قطع الأراضي في المناطق القائمة أهمية كبيرة، مما يتيح للمطورين تحقيق قيمة أكبر من موارد الأراضي المحدودة مع الحفاظ على جدوى المشاريع.وأشارت بانكينا إلى أن محدودية المعروض من الأراضي، أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل مباشر في قطاعي العقارات السكنية والتجارية، فارتفاع كُلف الأراضي يزيد من إجمالي نفقات التطوير، وهو ما يتجلى بوضوح في سوق الفلل والمنازل المستقلة، حيث تستمر الأسعار في الارتفاع بوتيرة أسرع من السوق بشكل عام، فضلاً عن ذلك، يتم طرح الشقق والمكاتب والوحدات التجارية بأسعار أعلى، إذ تعكس المشاريع الجديدة ارتفاع كُلف الإنشاء، لقد أصبحت ندرة الأراضي، أحد العوامل الرئيسية التي تدعم نمو الأسعار في عام 2025، على الرغم من وجود عدد كبير من المشاريع التنموية الجديدة قيد التنفيذ. انتقائية وتفضيلات متزايدةوقال علي مسلم أبومنصور، المدير التنفيذي في «أوبجكت ون»: يتميز الطلب على الأراضي بقوة كبيرة وانتقائية وتفضيلات متزايدة، مقابل النمو السريع للسكان وتدفقات رأس المال والتخطيط القائم على تطوير البنية التحتية، هناك محدودية المعروض من الأراضي ذات المواقع المتميزة، مما أدى ذلك إلى تحول المنافسة نحو الأراضي المتميزة القريبة من البنية التحتية، حيث تكون القدرة على تحديد الأسعار أقوى، يعكس الارتفاع الحاد في قيم التصرفات الخاصة بالأراضي منذ عام 2019 العوامل الأساسية للسوق وليس السلوكيات المضاربة، مدفوعاً بالاستيعاب الحقيقي في للعقارات السكنية والتجارية والمتعددة الاستخدامات. ومع تجاوز نمو السكان لمعدل وفرة الأراضي، يتنافس المطورون الآن على عدد أقل من المواقع المجدية والمتاحة، خاصة المواقع تلك التي تدعم الكثافة السكانية وسهولة الوصول لها وخلق قيمة طويلة الأجل.وأوضح أبو منصور: استمرت قوة سوق الأراضي في عام 2025، وخلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، تم إبرام ما يقرب من 44% من جميع صفقات الأراضي منذ عام 2019، مما يشير إلى تركيز كبير وتسارع في وتيرة النشاط بدلاً من بلوغ الذروة في مرحلة متأخرة من الدورة الاقتصادية، كما ارتفعت أحجام التصرفات بالتوازي مع قيمتها، ما يدل على الطلب القوي وليس مجرد تضخم في الأسعار.وأضاف: أصبح المطورون أكثر استراتيجية وانضباطاً في إدارة رأس المال، كما أصبحت عمليات دمج الأراضي، وإعادة تطوير الأصول غير المستغلة، والتخطيط عالي الكثافة، من الحلول المعتادة. وبرزت المشاريع متعددة الاستخدامات كخيار مفضل لأنها تزيد من كفاءة استخدام الأراضي مع تنويع مصادر الدخل وتقليل المخاطر. وتابع أبو منصور: تؤدي محدودية المعروض من الأراضي إلى ارتفاع أسعار العقارات السكنية والتجارية للمستخدمين النهائيين، منذ أواخر عام 2019، ارتفعت أسعار الشقق بنسبة 63.5% وأسعار الفلل بنسبة 116.3%، مما يعكس ارتفاع كلفة الأراضي واستمرار الطلب، في قطاع العقارات التجارية، أدى انخفاض معدل المكاتب الرئيسية المتاحة إلى ارتفاع الإيجارات، مما يؤدي بدوره إلى ارتفاع قيمة وأسعار وحدات المكاتب والتجزئة، يدفع المشترون مقابل الموقع المتميز، وسهولة الوصول إلى البنية التحتية، وندرة الأراضي، يبرز تأثير الأسعار بصورة واضحة في المناطق المركزية والمناطق ذات البنية التحتية المتطورة، حيث تكون الأراضي المتاحة للبناء محدودة للغاية. اشتداد المنافسة على الأراضيوقال عبدالله بن لاحج، رئيس مجلس إدارة شركة «آمال»: تؤكد الأرقام المتصاعدة، على ارتفاع الطلب من المستثمرين والمشترين في جميع فئات الأصول، بما في ذلك الأراضي، حتى مع تزايد ندرة الأراضي المتاحة للتطوير واشتداد المنافسة عليها.فمع محدودية توافر الأراضي الجديدة، تركز شركات التطوير العقاري في دبي بشكل متزايد على استغلال الموارد بشكل أمثل، بدلاً من التوسع. تتمثل إحدى الاستراتيجيات الرئيسية في تطوير مشاريع متعددة الاستخدامات وذات كثافة سكانية عالية، وذلك لتحقيق قيمة أكبر من قطع الأراضي الحالية. كما يتجه المطورون العقاريون نحو المناطق الناشئة، حيث يدعم تطوير البنية التحتية النمو المستقبلي، رغم أن العوائد على المدى القصير أقل في هذه الحالة.كما أصبحت المشاريع المشتركة مع ملاك الأراضي، وتبادل الأراضي، والشراكات بين القطاعين العام والخاص أكثر شيوعاً، مما يساعد المطورين العقاريين على تقليل مخاطر رأس المال. وفي الوقت نفسه، يكتسب إعادة تطوير وتجديد الأصول القديمة في المناطق القائمة قوة كبديل لامتلاك قطع أراضٍ جديدة. وعن تداعيات ذلك في سعر المنتج النهائي للمستثمرين، قال بن لاحج: يؤدي ارتفاع كُلف الأراضي بشكل متزايد إلى ارتفاع أسعار العقارات للمستخدمين النهائيين في جميع قطاعات العقارات السكنية والتجارية في دبي، وخاصة في المشاريع المتميزة والمواقع الاستراتيجية، في الأسواق السكنية، أسهمت محدودية الأراضي المتميزة القابلة للتطوير في دعم النمو المستمر لأسعار الشقق والفلل، لا سيما في المجمعات السكنية الفاخرة. يتجلى هذا الاتجاه في استمرار قوة قطاع العقارات الفاخرة في دبي، حيث بلغت مبيعات المنازل التي يزيد سعرها عن 10 ملايين دولار، 2.6 مليار دولار بين إبريل ويونيو 2025، مما يعكس رغبة المشترين في دفع أسعار أعلى مقابل الندرة والموقع والقيمة طويلة الأجل.ويستجيب المطورون لهذا كله من خلال الموازنة بين ارتفاع كُلف الأراضي وتصميم وحدات سكنية أكثر ذكاءً، وتقديم خطط سداد مرنة، وطرح نماذج استثمارية مبتكرة مثل الترميز العقاري، الذي يُحسّن إمكانية الوصول إلى العقارات دون المساس بقيمتها، في القطاع التجاري، أسهمت محدودية المعروض من الأراضي في مناطق الأعمال الرئيسية والمناطق متعددة الاستخدامات بتعزيز مرونة أسعار المكاتب والوحدات التجارية. الشراكات.. حل مثاليوقال لؤي أبو خزام، المؤسِّس والرئيس التنفيذي لشركة «بروسبِر إنتل» للعقارات: الطلب الاستثنائي يعود لندرة الأراضي في ممرات رئيسية مثل «دبي ساوث»، «جبل علي»، «ميدان»، و«الخليج التجاري»، ما رفع قيمتها بشكل ملحوظ وزاد من تنافس المطور.ويلجأ المطورون إلى الشراكات مع ملاك الأراضي (JV)، ورفع الكثافة، وإعادة التطوير، ومشاريع Mixed-Use إضافة إلى تمويلات عبر SPV.وأوضح أبو خزام، أن ارتفاع أسعار الأراضي، يتجلى برفع أسعار الوحدات بنحو 5% للشقق، و8% للفلل، مما يجعل الأراضي اليوم العامل الأهم في تشكيل مستقبل التطوير العقاري في دبي. ضغوط تصاعدية على المكاتبوقال مادهاف دار، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي للعمليات، شركة «زازيِن» العقارية: مع تقدم العام، ازدادت حدة المنافسة على الأراضي الجاهزة للتطوير، لا سيما في المناطق المركزية والمجتمعات القائمة، حيث سعى المطورون إلى تأمين مواقعهم مبكراً قبل المزيد من الارتفاعات السعرية. وتشير البيانات إلى أن أسعار الأراضي في بعض المناطق الرئيسية قد تضاعفت تقريباً مقارنة بمستويات ما قبل عام 2023، نتيجة الطلب المرتفع ومحدودية الخيارات المتاحة.ويتابع مادهاف: يعود ذلك إلى تحول هيكلي في سلوك المطورين، حيث تركز الجهات الكبرى والمطورة للمجتمعات المتكاملة على مشاريع واسعة النطاق، بينما تتنافس الشركات المتوسطة والناشئة على عدد محدود من القطع المتبقية في المواقع المركزية، مما أدى إلى تصاعد المنافسة وارتفاع تكاليف الاستحواذ.وفي ظل محدودية الأراضي الجاهزة للتطوير، بات على المطورين إعادة التفكير في آليات الاستحواذ والتخطيط، من خلال تجميع الأراضي والدخول في شراكات ومشاريع مشتركة تتيح تحويل قطع صغيرة أو غير مستغلة إلى مشاريع ذات جدوى أعلى، خصوصاً في المشاريع متعددة الاستخدامات.وأوضح مادهاف: في الوقت ذاته، ينعكس شح الأراضي بشكل مباشر على أسعار الوحدات النهائية، إذ تشكل الأرض عنصراً أساسياً في هيكل الكُلفة لأي مشروع، وقد واصلت أسعار الشقق والفلل الارتفاع نتيجة ارتفاع كُلف الأراضي، حيث يتم امتصاص هذه الكُلف عبر تصميمات أكثر كفاءة أو تطوير عمودي، لكنها تنعكس في نهاية المطاف على سعر المتر المربع.وتظهر هذه الديناميكيات بوضوح في القطاع التجاري أيضاً، حيث تشهد المشاريع المكتبية في المناطق المركزية ضغوطاً تصاعدية على الأسعار نتيجة محدودية الأراضي والطلب القوي من الشركات، بينما ترتفع أسعار الوحدات التجارية ضمن المشاريع متعددة الاستخدامات مع احتساب قيمة الموقع وحجم الحركة التجارية المتوقعة. تأمين الأراضي مبكراًوقال محمد شعيب حفيظ، رئيس قسم المبيعات التجارية في شركة «بنكي إنترناشيونال» للعقارات: بمجمل هذه المؤشرات، يتضح أن الطلب على المشاريع الجديدة لا يزال قوياً.وتابع: لم يؤدِّ النقص في الأراضي الجاهزة للتطوير إلى تباطؤ النشاط، بل أعاد تشكيل طريقة تخطيط المشاريع والاستحواذ عليها وتسعيرها، ومن أبرز التوجهات التي ظهرت في هذا السياق زيادة الاعتماد على الشراكات والمشاريع المشتركة، حيث يتعاون المطورون مع ملاك الأراضي لتقليل تكاليف الاستحواذ المبدئية، مع الحفاظ على الوصول إلى مواقع استراتيجية.كما نشهد تركيزاً متزايداً على إعادة التطوير داخل المناطق القائمة، حيث يمكن تحسين المواقع غير المستغلة بالشكل الأمثل أو تطويرها بكفاءة أعلى. وبالتوازي مع ذلك، أصبحت المشاريع متعددة الاستخدامات أكثر انتشاراً، لما توفره من قدرة على تعظيم قيمة الأرض المحدودة من خلال توزيع المخاطر والعوائد بين المكونات السكنية والتجارية والمكتبية.وتنعكس هذه الديناميكيات بشكل متفاوت على أسعار الوحدات النهائية حسب فئة الأصل. فالفلل تُعد الأكثر تأثراً، نظراً لأن الأرض تشكل نسبة أكبر من إجمالي كلفة التطوير، ما يعني أن ارتفاع أسعار الأراضي يترجم بشكل مباشر إلى أسعار وحدات أعلى أو مساحات قطع أصغر، أما الشقق السكنية، فهي أقل تأثراً نسبياً، إذ تسمح الكثافة الأعلى بتوزيع كُلفة الأرض على عدد أكبر من الوحدات، وهو أحد الأسباب التي تجعل الشقق تواصل الهيمنة على حجم المعاملات خلال عام 2025.ويؤكد حفيظ، في ما يتعلق بالمكاتب والمساحات التجارية، فإن ارتفاع كُلف الأراضي يفرض تركيزاً أكبر على العوائد الإيجارية والاستدامة طويلة الأجل.ويؤكد رياض جوهر، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة «بلاك أوك» العقارية: تصدرت «تداولات الأراضي» المشهد العقاري كأحد أهم الروافد السعرية، حيث سجلت زيادة كبيرة في القيمة وعدد الصفقات.وشهدت أسعار الأراضي قفزات نوعية بنسب تراوحت بين 15% و25% على أساس سنوي خلال 2025، مدفوعة بطلب هيكلي مستمر ومحدودية المعروض الجديد، ووفقاً لتحليلات «جيه إل إل»، حققت قيمة تداولات الأراضي نمواً صاروخياً تجاوز 400% خلال الفترة ما بين 2019 و2024، ما يعكس الثقة العميقة في الجدوى الاستثمارية طويلة الأمد. وشهد السوق صفقات «مليارية» تعكس جاذبية المناطق الحيوية، أبرزها بيع قطعة أرض في «نخلة جميرا» بقيمة 1.86 مليار درهم.وعن أبرز الحلول المقترحة، يقول جوهر: في ظل تراجع المساحات المتاحة في المناطق المركزية، يتجه المطورون العقاريون إلى تبني استراتيجيات مرنة لضمان استدامة النمو تتمثل في، تعظيم كفاءة استخدام الأراضي وكثافة التطوير من خلال رفع نسبة استغلال المساحة المبنية لكل قطعة أرض، وإعادة تطوير المواقع الحضرية القديمة أو غير المستغلة بالكامل، مثل رأس الخور. والتوسع في الممرات الناشئة خارج المناطق المركزية التقليدية. والتخطيط الرئيسي المرحلي والتخزين الاستراتيجي للأراضي. والمشاريع المشتركة والشراكات العقارية لإدارة تكاليف الاستحواذ. واستصلاح أراضٍ جديدة من خلال تطوير الجزر واستصلاح الأراضي البحرية.وبات تضخم أسعار الأراضي عاملاً هيكلياً في تسعير المنتج النهائي، حيث سجلت بيانات «فاليوسترات» ارتفاعاً في أسعار الوحدات السكنية بنسبة 19% للشقق و29% للفلل خلال.ويظهر نموذج «جبل علي هيلز» بوضوح حجم العوائد المحققة، إذ قفز سعر المتر المربع من مستويات 120-150 درهماً عند الإطلاق، ليتجاوز 400 درهم في السوق الثانوية خلال عام 2025. منير الذرعاوي: الطلب لم يعد «مضاربياً»يقول منير الذرعاوي، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «أورلا» للوساطة العقارية: يشهد القطاع العقاري في دبي خلال عام 2025 تحولاً جذرياً في فلسفة الاستثمار، حيث لم تعد الأراضي مجرد «مادة خام» للتطوير، بل تحولت إلى أحد أكثر الأصول ندرة وتأثيراً في رسم ملامح السوق. وتابع: هذا الواقع يفرضه مشهد يتسم بطلب قوي ومتسارع مدفوع بتوسع عمراني غير مسبوق، يقابله شح حقيقي في المعروض من الأراضي القابلة للتطوير ضمن المناطق الحيوية. ونلمس بوضوح تبدلاً في سلوك الشراء، فالطلب الحالي لم يعد «مضاربياً» يسعى لربح سريع، بل تحول إلى طلب استراتيجي طويل الأمد، المطورون اليوم يسابقون الزمن لتأمين «مخزون أراضٍ» يضمن لهم الاستمرارية والقدرة التنافسية لسنوات مقبلة. إلى جانب الزخم المحلي، رسخت دبي مكانتها كوجهة مغرية للمطورين الإقليميين والدوليين، وقد رصدنا مؤخراً دخولاً مكثفاً لشركات تطوير عالمية، استقطبتها البيئة التنظيمية الشفافة، وسرعة تنفيذ المشاريع، وعمق الطلب من المستخدم النهائي، هذا التدفق للمستثمرين الجدد، الذين يبحثون عن موطئ قدم في السوق، رفع وتيرة الاستحواذ وزاد من الضغط على المعروض المحدود أصلاً.ويشير الذرعاوي إلى أن شح الأراضي، يعود إلى كون معظم المساحات في المناطق الجاهزة قد تم تخصيصها أو تطويرها، بينما ينمو الطلب بوتيرة تفوق طرح مخططات جديدة، هذا التحدي دفع المطورين لتبني استراتيجيات مبتكرة، مثل الشراكات، وإعادة تطوير الأراضي القائمة، والتركيز على مشاريع عالية الكثافة.وأوضح: إن ارتفاع تكلفة الأرض ك«مدخل أساسي» ينعكس بصورة مباشرة على أسعار المنتج العقاري النهائي، سواء في الوحدات السكنية أو التجارية. الأرض في دبي اليوم هي المحرك الرئيسي الذي يحدد اتجاهات السوق وسقف الأسعار للمرحلة المقبلة، مما يجعل من امتلاكها في المواقع الاستراتيجية امتيازاً تنافسياً لا يضاهى. روي ليو: الطلب قوي والمعروض محدودقال روي ليو، المؤسس ورئيس مجلس إدارة «ليوس» للتطوير العقاري: يشهد سوق الأراضي في دبي خلال عام 2025 فجوة واضحة بين الطلب القوي والمعروض المحدود من الأراضي الجاهزة للتطوير، ومع استمرار النشاط في المشاريع السكنية ومتعددة الاستخدامات والمشاريع القائمة على أسلوب الحياة، لا يزال الطلب على الأراضي ذات المواقع الجيدة مرتفعاً، ما يعكس ثقة متواصلة في مسار نمو دبي على المدى الطويل. من وجهة نظرنا، فإن نقص الأراضي لا يشكّل عائقاً بقدر ما يدفع المطورين إلى اتخاذ قرارات أكثر وعياً في ما يتعلق بالتخطيط والتطوير، فمع ارتفاع المنافسة على الأراضي ذات الجودة العالية، أصبح التركيز أكبر على كيفية استخدام الأرض بكفاءة، واختيار الكثافات المناسبة، وضمان استدامة المشروع على المدى الطويل، ومن الطبيعي أن تنعكس ارتفاعات أسعار الأراضي على أسعار الوحدات النهائية.وبالنظر إلى المرحلة المقبلة، من المتوقع أن يستمر الطلب على الأراضي المتميزة في دبي في ظل استمرار النشاط التطويري ومحدودية المعروض، ففي سوق تشهد فيه الأراضي تنافساً متزايداً، سيكون النجاح مرتبطاً بمدى حسن استغلالها وتحويل هذا التحدي إلى مشاريع عالية الجودة تضيف قيمة حقيقية للمقيمين والمستثمرين على حد سواء.