كتبت أسماء نصار السبت، 27 ديسمبر 2025 04:00 ص كثيرون منا يتناولون ملعقة العسل الصافية دون معرفة أن هذه القطرة الذهبية مرت برحلة شاقة من التحولات الفيزيائية والكيميائية داخل "مختبرات" حية. إن تحويل رحيق الأزهار إلى عسل ليس مجرد عملية تخزين، بل هو سلسلة من الخطوات الدقيقة التي تتشارك فيها مئات النحلات. 1- المعدة الثانية تبدأ الرحلة عندما تمتص النحلة العاملة سائل "الرحيق" من قلب الزهور، هنا تظهر المعجزة الأولى، حيث تمتلك النحلة معدتين واحدة لهضم طعامها الخاص، والأخرى تسمى "معدة العسل". في هذه المعدة، يتم تخزين الرحيق دون هضمه، بل تبدأ إنزيمات خاصة (مثل إنزيم الإنفرتيز) بالامتزاج معه لتفكيك السكريات المعقدة إلى سكريات بسيطة (جلوكوز وفركتوز). 2- تداول الرحيق: بمجرد عودة النحلة إلى الخلية، لا تضع الرحيق في العيون السداسية مباشرة، بل تقوم بعملية "تفريغ" في أفواه النحلات العاملات داخل الخلية. تمر هذه القطرة بين أفواه النحل لعدة دقائق، وفي كل مرة تنتقل فيها، تضاف إليها المزيد من الإنزيمات التي تزيد من نضج العسل وتقتحم البكتيريا والجراثيم. 3- مرحلة "التبخير": الرحيق في أصله سائل يحتوي على نسبة عالية من الماء (حوالي 80%)، وإذا خزن بهذا الشكل فإنه سيتخمر ويفسد. هنا يأتي دور "التبخير"، حيث يضع النحل قطرات العسل غير الناضج في العيون السداسية، ثم يقوم جيش من النحل برفرفة أجنحته بسرعة هائلة فوق تلك العيون. هذه الحركة تولد تياراً هوائياً مستمراً يعمل على سحب الرطوبة من العسل حتى تنخفض نسبة الماء إلى أقل من 18%، مما يجعله مادة كثيفة لا تفسد أبداً. 4- الختم بالشمع: بمجرد أن يتأكد النحل من وصول العسل إلى القوام المثالي والتركيز المطلوب، تقوم العاملات بإفراز "شمع النحل" النقي لتغطية العيون السداسية وإغلاقها بإحكام، و هذا الختم الشمعي هو بمثابة "تاريخ الصلاحية المفتوح"، حيث يحفظ العسل بعيداً عن الرطوبة والهواء ليبقى صالحاً للأكل لآلاف السنين. تحتاج النحلة الواحدة لزيارة آلاف الزهور لجمع كمية بسيطة من الرحيق، وما نراه في النهاية كمنتج بسيط هو نتاج جهد جماعي جبار يدمج بين علم الكيمياء (الإنزيمات) وعلم الفيزياء (التبخير والتهوية).