هذه المراجعة مليئة بالحرق للمجلد 2 من الموسم 5 من Stranger Things، والذي يتألف من 3 حلقات من أصل 8 لهذا الموسم. مع صدور الحلقة الأخيرة في فجر 1 يناير 2026 على نتفليكس. اقرؤوا مراجعة المجلد 1 هنا. لو أردتُ وصف المجلد الأول من الموسم الخامس والأخير من Stranger Things، لقلت إنه عودة قوية وانطلاقة واثقة نحو الخاتمة. أما المجلد الثاني، فهو بلا شك مجلد الكشوفات الكبرى والجسر الواصل مع المعركة الأخيرة المنتظرة. إنه أقل اندفاعاً من حيث الخطر المباشر، لكنه أكثر ثقلاً على مستوى المعلومات، والشرح، ومحاولة إغلاق الدوائر السردية التي بناها المسلسل على مدى سنوات. وهذه المقاربة تحمل في طياتها نقاط قوة واضحة، لكنها لا تخلو من بعض العثرات. من الطبيعي جداً أن يسعى أي مسلسل في موسمه الأخير إلى تفسير كل ما سبق، خاصة عندما يكون عالمه مبنياً على أساطير معقدة مثل المكان المقلوب والعوالم الموازية. لكن Stranger Things في مجلده الثاني يختار أن يضع المشاهد أمام كمٍّ كبير من المعلومات في وقت قصير نسبياً، وهو ما يجعل التجربة أحياناً مربكة، حتى لمن تابع المواسم السابقة باهتمام. شخصياً، وجدت نفسي مضطرة لإيقاف مشهد الشرح وإعادته لاستيعاب التفاصيل المرتبطة بالمادة السوداء، وطبيعة المكان المقلوب، والعلاقة بين فيكنا وكل ما سبق. ولولا إلمامي المسبق بخلفية القصة بسبب شرح المسرحية المشتقة عن المسلسل، لكانت بعض الكشوفات أقل وضوحاً بالنسبة إلي. المزيد من هوكينز يبدأ المجلد الثاني مع الحلقة الخامسة “Chapter Five: Shock Jock”، التي يخرجها فرانك دارابونت، الاسم السينمائي الثقيل المعروف بأعمال مثل The Shawshank Redemption وThe Mist. الحلقة تكمل مباشرة من حيث توقفنا، مع اكتشاف ويل لطبيعة قواه وقدرته على التحكم بالديموغورغن. لكن الأهم هنا هو إدراك أن قواه تختلف جذرياً عن قوى إليفن، إذ ترتبط بوجوده بالقرب من العقل الجمعي لكي تتفعل، وهي ليست قدرات مستقلة مثل إيل. هذه الحلقة تُعد الأهدأ بين حلقات المجلد الثاني، وتعمل كمرحلة تمهيدية للكشوفات الكبرى، واضعة الأساس لما سيأتي لاحقاً. تأتي الحلقة السادسة “Chapter Six: Escape from Camazotz” من إخراج شون ليفي (اشتهر بإخراج أفلام مثل Deadpool & Wolverine و Free Guy)، الذي يثبت مجدداً قدرته على التعامل مع مواد معقدة دون أن يفقد الجانب الإنساني. ينجح ليفي في تبسيط مفاهيم علمية وسردية شديدة التعقيد قدر الإمكان، رغم أن كثافتها قد تُربك المشاهد غير المتمرس بتفاصيل الخيال العلمي. ورغم بعض الضياع في البداية، إلا أن أسلوب الشرح هنا يبقى أكثر سهولة من أعمال خيال علمي مشابهة تميل إلى التعقيد. أما الحلقة السابعة “Chapter Seven: The Bridge”، فهي من إخراج شون ليفي هذه المرة بالشراكة مع الأخوين دافر، في تعاون يعكس فهمهم العميق لشخصياتهم. هنا تتجمع كل الخيوط في محطة WSQK، حيث تحاول الشخصيات وضع خطة أخيرة لمنع فيكنا من تنفيذ خطوته النهائية ودمج العوالم. الحلقة تبرع في إعطاء كل شخصية لحظتها الخاصة، وهي سمة لطالما تميز بها الأخوان دافر، حتى في أكثر اللحظات ازدحاماً. لكن رغم أهمية هذه الكشوفات، إلا أن أحد أبرز سلبيات المجلد الثاني يتمثل في توقيت بعض المشاهد العاطفية والمصارحات. هناك لحظات قوية من حيث الكتابة والتمثيل، لكنها تأتي في أوقات تتسارع فيها الأحداث. مشهد جوناثان ونانسي على سبيل المثال يحمل ثقلاً عاطفياً صادقاً، لكنه يحدث بينما الشخصيتان عالقتان في وضع قد يودي بحياتهما، ما يخفف من تأثير انفصالهما. كان يمكن لمثل هذه المصارحات أن تكون أكثر تأثيراً لو حدثت في وقت سابق، تاركة هذا المشهد يركز بالكامل على الخطر الداهم. الأمر ذاته ينطبق على بعض المشاهد الأخرى، مثل مشهد هروب ماكس وهولي، حيث يطول الحوار بينهما في لحظة يُفترض أن يسودها الذعر والاستعجال. المشهد جميل من حيث الأداء، لكنني على ثقة أنني لست الوحيدة التي شعرت أنه يمتد أكثر من اللازم لدرجة جعلتني أصرخ على الشاشة. ورغم ذلك، لا يمكن إنكار أن المجلد الثاني مليء بالكشوفات الهامة. حيث اكتشفنا إعادة تفعيل "برنامج الأرقام"، وتم الكشف عن نوايا د. كاي، فهي تريد استنساخ تجربة إليفن. فدم إليفن بات مطلوباً، لا لأنها حالة استثنائية فحسب، بل لأنها الوحيدة التي ورثت قوى شبيهة بقوى هنري نفسه، وذلك بعد الكشف أنه تم حقن الأمهات، وأمها من بينهم، بدمائه لصنع المزيد منه. أما الكشف الأكثر أهمية وتأثيراً، فيتعلق أخيراً بطبيعة "المكان المقلوب"، الذي لطالما اعتُبر عالماً موازياً لعالمنا. المجلد الثاني ينسف هذا الافتراض بشكل شبه كامل، مقدماً تفسيراً أكثر تعقيداً. فالمكان المقلوب ليس عالماً قائماً بذاته، بل مساحة وسيطة، أو ما يمكن تسميته "جسراً" بين بُعدين مختلفين. لمن لم يفهم تماماً، سأشرح لكم. هناك بُعدين حقيقيين: عالمنا من جهة، وبُعد آخر يُعرف باسم "الهاوية"، وهو الأصل الفعلي لكل الكائنات والتهديدات التي واجهها أبطال السلسلة. وعندما قامت إليفن بمحاولة الوصول ذهنياً إلى هنري باستخدام قواها تحت إشراف د. برينر، لم يكن الاتصال مجرد رؤية عابرة، بل احتكاكاً حقيقياً بين البُعدين. هذا الاحتكاك أدى إلى تشكّل ثقب طاقي أو جسر دودي بين العالمين، ومن هنا وُلد المكان المقلوب الذي هو فعلياً منطقة في الوسط غير مستقرة تعمل كجسر بينهما، تحمل ملامح من عالمنا لكنها خاضعة لقوانين الهاوية. هذا التفسير يوضح أيضاً أن هنري، عندما دُفع عبر الشق في الموسم الرابع، لم يُلقَ في المكان المقلوب كما كنا نظن، بل أُرسل مباشرة إلى بُعد الهاوية نفسه، حيث تشكّل هناك وتحول إلى فيكنا. أما المكان المقلوب فكان نتيجة لاحقة، أثر جانبي لذلك الاتصال الأولي، وليس نقطة البداية. هذا الشرح يغيّر فهمنا للعالم الموازي، لكنه أيضاً يفسر سبب شعور كثير من المشاهدين بالارتباك. ورغم كل هذه الإجابات، يظل السؤال الأهم بلا جواب قاطع: ما هي دوافع فيكنا الحقيقية؟ تذكرنا ماكس بأن فيكنا كان إنساناً في الأصل، وأن جزءاً من تلك الإنسانية لا يزال مدفوناً داخله، مهما بدا مشوهاً أو مطموساً. فهل سيكون هذا الجزء هو نقطة ضعفه الحقيقية؟ وهل يمكن استعادته أو استغلاله لإيقافه؟ على صعيد الشخصيات، يحاول المسلسل إعطاء ويل مكانة محورية جداً في الحلقات الأخيرة، وفي حين أن ذلك جاء كمفاجأة مرحب بها في وقت متأخر عندما كنا نظن بأن إليفن وحدها هي القادرة عى هزيمة فيكنا، إلا أن ويل من المؤكد سيلعب دوراً محورياً هنا. لكن للأسف وبالرغم من أن نواه شناب يقدم أداءً رائعاً جداً يستحق الإشادة، إلا أن هناك مشهد مخصص له بأكمله لم يكن مهماً إطلاقاً للحبكة، خاصة في لحظة يكون فيها العالم على حافة الانهيار. الموقف كله لم يكن ضرورياً بالكامل وسط زخم الأحداث. وبالمقابل، تتراجع إليفن خطوة إلى الخلف بهذه الحلقات، مانحة المساحة لشخصيات مثل ماكس، هولي، ستيف، داستن، وويل تحت الضوء، رغم أنها بالتأكيد ستعود إلى دائرة الضوء في الحلقة الأخيرة. من الإضافات المفاجئة والناجحة في هذا المجلد شخصية هولي (نيل فيشر)، التي تدخل الأحداث في مرحلة متأخرة نسبياً، ومع ذلك تنجح في ترك أثر واضح. الأداء الذي تقدمه الممثلة الشابة يمنح الشخصية حضوراً صادقاً، حيث تحافظ على توازن دقيق بين البراءة والخوف دون أن تبدو عبئاً على الإيقاع العام. ليس من السهل إدخال شخصية جديدة بهذا الوزن في وقت تكون فيه كل دقيقة ثمينة، لكن هولي تنجح في أن تكون جزءاً طبيعياً من التوتر العاطفي، وتكسب تعاطف المشاهد دون أن تشعرنا بأنها تسرق المساحة من شخصيات رافقتنا لسنوات. من النقاط الإيجابية أيضاً عودة أيت، وإن كانت في الساعات الأخيرة من المسلسل. كتبت في مراجعاتي السابقة للمسلسل أني شعرت بأن قصة أيت غير مكتملة، وتوقعت عودتها في وقت أبكر من الآن، لكن أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً، ويبدو أن الأخوين دافر يشاركاني الرأي. لدى أيت تأثير أكبر مما قد يتوقعه المرء للوهلة الأولى، حيث أن تاريخها المشترك مع إليفن يمنح العلاقة بينهما ثقلاً مختلفاً عن أي علاقة أخرى في المسلسل، فهما ليستا صديقتين أو حليفتين فقط، بل ناجيتان من التجربة ذاتها. هذا الرباط يترك أثره على قرارات إليفن، خصوصاً عندما تطرح أيت فكرة أن منع تكرار ما حدث في مختبر برينر هو واجبهما الأخلاقي، حتى لو تعارض ذلك مع حلم إليفن بنهاية سعيدة وبسيطة. في المقابل، تبقى شخصية د. كاي، التي تؤديها ليندا هاملتون، واحدة من أضعف العناصر في هذا المجلد. لا شك أن هاملتون تمتلك حضوراً قوياً وقدرة فطرية على تجسيد الشخصيات الأنثوية القوية، لكنها هنا لا تُمنح مادة درامية كافية ترتقي بمستواها. مقارنةً بشخصية د. برينر، تبدو د. كاي سطحية وتفتقر إلى الخلفية والدوافع المقنعة التي تبرر إصرارها على إعادة تفعيل برنامج الأرقام. غياب السياق النفسي أو الأخلاقي يجعلها أقرب إلى أداة سردية منها إلى شخصية متكاملة، وهو أمر مخيب للآمال، خاصة بالنظر إلى تاريخ المسلسل في تقديم شخصيات معقدة. ومع اقتراب النهاية، يبدو من غير المرجح أن تحصل هذه الشخصية على العمق الذي كانت تستحقه. الأحداث الآن في ذروتها، الساعة تدق، ولو كانت نظرية لوكاس صحيحة، فإن فيكنا على وشك القيام بخطوته الأخيرة. لقد تمكن من جمع الأطفال الـ 12 الذين يحتاجهم، وعلى الأصدقاء إيقافه قبل أن يتمكن من تحقيق ذلك. يبقى السؤال: من سينجو من الأصدقاء ومن سيموت؟ وهل سينجحون في إيقافه؟ لحسن الحظ ليس علينا الانتظار أكثر من أيام قليلة حتى معرفة الإجابات. بعد شهر من الانتظار الصعب، تعمل حلقات المجلد الثاني كجسر بين المجلد الأول والخاتمة، مع الكثير من الكشوفات الهامة والإجابات على الأسئلة التي رافقتنا على مدار المسلسل لسنوات طويلة. وفي حين أن هناك بعض المشاهد الدرامية التي تطول أكثر من اللازم في سعي لوضع خواتيم للقصص المعلقة، إلا أن الحماس لا ينضب بل يزداد شدة مع بقاء أيام قليلة على خاتمة ملحمة الخيال العلمي والظاهرة الثقافية هذه.