د. لويس حبيقة * من يتجاهل اليوم سيطرة الشركات الخمس الكبرى على قطاع الأعمال العالمي كما على حياة الإنسان اليومية؟ مجموعة الـ«GAFAM» كبيرة وذات نفوذ واسع وينافس بعضُها بعضاً، وتنافسُ غيرَها، بقوة، والرقابة عليها من قبل السلطات الرسمية الوطنية والعالمية ما زالت ضعيفة. هذه الشركات هي «جوجل»، «أبل»، «فيسبوك أو ميتا»، «أمازون» و«مايكروسوفت». حجمها كبير وقدرتها على التحرك أكبر واستيعابها لأفضل العمالة العالمية مؤكد. نفوذ هذه الشركات سيزداد خلال ولاية ترامب الحالية، وقد رأينا حضورها المتميز منذ حفلات التنصيب وما بعده. هنالك اليوم مجموعة إضافية من الشركات الجديدة تلعب دوراً كبيراً في المجتمعات، وتسهل حياة الإنسان كما تقيد حياته تبعاً لقواعدها وشروطها. من هذه الشركات «نتفليكس»، «أوبر»، «تسلا» و«إيربنب».يغير التطور التكنولوجي حياتنا تدريجياً ويومياً، لكن الخطورة تكمن في تأثيره على نوعية الحياة ودور الإنسان في المجتمع والدولة. العلوم مهمة شرط أن تبقى في خدمة الإنسان، لا لتضر به وبتفكيره وثقافته ومجتمعه. فالعلوم يمكن أن تذهب بعيداً في تغيير طبيعة الإنسان، أي في حياته ونفسيته وعقله وجسمه، وبالتالي تغيره كلياً. يمكن للعلوم أن تطور قدرات الإنسان إلى حدود مرتفعة إيجابية وسلبية. هل هذا ممكن أم هو وهم؟ حيث تغير التكنولوجيا فقط الاتجاهات، لا القدرات التي تبقى كما هي.تأثير التطور التكنولوجي لا يكون على الإنسان فقط، بل يمكن أن يؤثر على الأنظمة السياسية العامة. قال الاقتصادي الكبير «فريديريك فون هايك»: إن النظام السياسي المركزي- ويقصد تحديداً الشيوعي والاشتراكي- لا يمكن أن يستمرا ويزدهرا؛ إذ من المستحيل أن تدير الحكومة الدولة ومصالحها، كما حاجات المواطنين، بدءاً من العاصمة إلى المناطق والأطراف. لا يمكن للحكومة في رأيه الحصول على المعلومات الكافية المتشعبة والمنتشرة جغرافيّاً وقطاعياً لحسن إدارة البلد وإعطاء أفضل النتائج لمصلحة المواطن.لذا من الأفضل لكل مجتمع في رأيه أن يعتمد النظام الاقتصادي الحر المبني على حرية الأسواق، أي نظام العرض والطلب. هذا مهم ومنطقي، لكن ما دور التكنولوجيا الجديدة في الموضوع؟ نظريات «فون هايك» كانت منطقية وواقعية قبل التطور التكنولوجي وخاصة قبل الذكاء الاصطناعي. من هنا نسأل، لو توافرت في ثمانينيات القرن الماضي وقبلها تقنيات الذكاء الاصطناعي وقدراته على جمع المعلومات وفرزها ودراستها وتوزيعها مثلاً، فهل كانت الأنظمة الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي السابق وأوروبا الشرقية وغيرها لتستمر؟ هل يعود سقوط الأنظمة الشيوعية إلى عدم توافر التكنولوجيا والعلوم المناسبة أم أنها كانت ستسقط في كل الظروف؟ لو بقي «فون هايك» على قيد الحياة، هل كان سيغير نظرياته أو يعدلها؟تبقى هنالك مشكلة أساسية هي مركزية القرار التي يمكن أن تقف في وجه الوصول إلى النتائج الفضلى. إنَّ توزع القرارات الاقتصادية على المناطق يبقى أفضل مع تطبيق إجراءات وقواعد وقوانين تحافظ على المنافسة وتمنع الاحتكارات. اللامركزية هي الطريقة الفضلى لإدارة الدولة حتى الصغيرة، في ظروفنا الحالية. * كاتب لبناني