إعداد: أحمد البشير شهدت أسواق النفط العالمية خلال عام 2025 مفارقة لافتة يصعب تجاهلها: عام حافل بالأزمات الجيوسياسية والتوترات غير المسبوقة، لكنه في الوقت نفسه عام اتسم بهدوء نسبي في أسعار النفط وتقلباتها مقارنة بما كان متوقعاً تاريخياً. فقد تلاشى ما يُعرف ب«العلاوة الجيوسياسية» للنفط، وهي الزيادة السعرية التي كانت تطرأ عادةً عند اندلاع النزاعات الكبرى، ما دفع كثيراً من المحللين إلى التساؤل عمّا إذا كان هذا التحول مؤقتاً أم أنه يمثل بداية «الوضع الطبيعي الجديد» في عصر وفرة الطاقة. من الناحية السياسية، يمكن وصف 2025 بأنه أحد أكثر الأعوام اضطراباً في العقدين الأخيرين. فقد عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير، مطلقاً موجة من القرارات السياسية والتجارية والعقوبات التي أعادت رسم ملامح العلاقات الدولية. وفي الشرق الأوسط، بلغت التوترات ذروتها مع التوترات السياسية. ورغم كل ذلك، تعاملت أسواق النفط مع هذه الأحداث ببرود. وصحيح أن مؤشر تقلبات النفط قفز مؤقتاً إلى أعلى مستوياته منذ بداية الحرب «الروسية – الأوكرانية» في عام 2022، إلا أن الأسعار نفسها لم تشهد القفزات الحادة التي اعتادها المستثمرون في مثل هذه السيناريوهات. فقد ارتفع خام برنت من نحو 69 دولاراً للبرميل في 12 يونيو إلى ذروة بلغت 78.85 دولار بعد أسبوع، قبل أن يتراجع سريعاً إلى مستوياته السابقة مع التوصل إلى وقف إطلاق نار بوساطة أمريكية بعد 12 يوماً فقط. مقارنة تاريخية لفهم ما جرى في عام 2025، لا بد من العودة إلى عام 2022، عندما أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى قفزة تاريخية في أسعار النفط، إذ ارتفع خام برنت من نحو 70 دولاراً في ديسمبر 2021 إلى ما يقرب من 130 دولاراً في مارس 2022. واستمرت الأسعار عند مستويات مرتفعة قرابة عام كامل، مدفوعة بمخاوف من فقدان ملايين البراميل من الإمدادات الروسية نتيجة العقوبات الغربية. لكن تلك المخاوف لم تتحقق بالكامل. فقد وجدت روسيا طرقاً بديلة لتصريف نفطها، لا سيما إلى آسيا، وهو درس يبدو أن الأسواق استوعبته جيداً. لذلك، عندما واجهت الأسواق في عام 2025 أحداثاً مشابهة من حيث الخطورة النظرية، كاحتمال إغلاق مضيق هرمز أو تعطيل صادرات روسيا، كانت ردود الفعل أكثر تحفظاً، وكأن المستثمرين باتوا أقل ميلاً إلى الذعر الاستباقي. ارتفاع محدود خلال عام 2025، تحركت أسعار النفط ضمن نطاق ضيق نسبياً، تراوح بين 60 و81 دولاراً للبرميل وفقاً لأسعار الإغلاق اليومية. ويُعد هذا النطاق أضيق من نطاق عام 2024، وأضيق بكثير من فترات سابقة شهدت أزمات جيوسياسية أقل حدة. واللافت أن أعلى مستويات الأسعار في 2025 سُجلت في يناير، أي قبل أن يبدأ تحالف «أوبك+» في زيادة الإنتاج، وليس خلال ذروة الأحداث العسكرية في منتصف العام. وحتى العقوبات الأمريكية المشددة التي فرضتها إدارة ترامب على عملاقي النفط الروسي «روسنفت» و«لوك أويل»، واللذين يشكلان معاً نحو 5% من الإنتاج العالمي، لم تُحدث سوى ارتفاع محدود وقصير الأجل في الأسعار خلال أكتوبر. وبالمثل، لم تؤدِ الضربات الأوكرانية لمنشآت التكرير الروسية في إبريل إلى تحركات كبيرة في أسعار الخام، رغم أنها رفعت هوامش التكرير بسبب المخاوف من نقص الديزل. عصر وفرة الطاقة السبب الرئيسي وراء هذا الهدوء، وفق غالبية المحللين، هو ببساطة وفرة المعروض العالمي من النفط والغاز. فالولايات المتحدة واصلت خلال العقد الماضي توسيع إنتاجها، لتصبح أكبر منتج ومصدر للنفط والغاز الطبيعي المسال في العالم. وفي سبتمبر من عام 2025، بلغ إنتاجها مستوى قياسياً عند 13.84 مليون برميل يومياً، مدفوعاً بنمو إنتاج حوض برميان وخليج المكسيك، إضافة إلى التطور المستمر في تقنيات الحفر والاستخراج. وفي المقابل، غيّر تحالف «أوبك+» استراتيجيته خلال عام 2025، منتقلاً من سياسة خفض الإنتاج التي اتبعها لسنوات إلى زيادة الإمدادات تدريجياً، في محاولة للحفاظ على حصته السوقية. كما شهدت دول غير أعضاء في «أوبك» نمواً ملحوظاً في الإنتاج، خاصة في الأمريكيتين، مع ارتفاع إنتاج الأرجنتين وكندا والبرازيل وغيانا. وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن هذا الزخم في الإمدادات قد يقود إلى فائض ضخم يقترب من 4 ملايين برميل يومياً في عام 2026، وهو فائض مرشح للاستمرار في السنوات التالية إذا ظلت الأسعار عند مستويات تشجع المنتجين على مواصلة الضخ. ارتفاع بسيط بحسب تقرير سوق النفط الصادر عن وكالة الطاقة الدولية، من المتوقع أن يرتفع الطلب العالمي بنحو 830 ألف برميل يومياً في عام 2025، إلى 860 ألف برميل يومياً في 2026. ويقود هذا النمو الطلب على وقود الطائرات والديزل، في ظل تعافي السفر الجوي وتحسن النشاط الصناعي في بعض الاقتصادات. لكن في الوقت ذاته، يتراجع استخدام النفط في توليد الكهرباء، خاصة في الشرق الأوسط، لصالح الغاز الطبيعي والطاقة الشمسية. كما أن أوروبا لا تزال تعاني ضعف الطلب، في حين باتت الصين رغم تحسن جاذبيتها الاستثمارية، أقل اعتماداً على النفط في بعض القطاعات مقارنة بالسنوات الماضية. وأحد أبرز ملامح عام 2025 كان الارتفاع الكبير في المخزونات العالمية، فقد بلغت المخزونات المرصودة أعلى مستوياتها في أربع سنوات خلال أكتوبر، عند نحو 8.03 مليار برميل. وارتفع متوسط بناء المخزونات إلى 1.2 مليون برميل يومياً خلال الشهور العشرة الأولى من العام، مدفوعاً بزيادة النفط نتيجة طول مسارات الشحن من الأمريكيتين إلى آسيا، وتباطؤ تصريف بعض البراميل الخاضعة للعقوبات.