تابع قناة عكاظ على الواتساب
يقول تولستوي: «إن قيود الحب لا تختلف كثيراً عن قيود السجن، دون الحب العيش أسهل إلا أنه بلا معنى، لا بد أن يكون الحب متبادلاً، إن الحب من طرف واحد تعاسة، لقد أحببت جمالك منذ زمن، لكني بدأت للتو بحب الخالد والأزلي فيك قلبك، وروحك».
هذه الكلمات لا تُقرأ قراءة عابرة، بل تُستقبل كما تُستقبل الاعترافات الكبرى؛ بانتباه، وبقدر من الشجاعة؛ لأنها لا تُجامل العاطفة ولا تزيّنها، بل تكشف ثمنها الحقيقي.
تولستوي لا يتحدث عن الحب بوصفه نشوة رومانسية أو وعداً دائماً بالسعادة، بل يضعه منذ السطر الأول في مواجهة الحرية.
القيد هنا ليس استعارة عابرة، بل توصيف دقيق لحالة الإنسان الذي يهب ذاته.
الحب، في جوهره، تنازل طوعي عن جزء من السيادة الداخلية.
المحب لا يعود حراً كما كان، لأنه صار معنياً بغيره، مسؤولاً عن أثره، محكوماً بضعفه تجاه من أحب.
وهذا ما يجعل الحب شبيهاً بالسجن، لا لأن فيه قهراً، بل لأن فيه التزاماً لا فكاك منه.
ومع ذلك، لا يُدين تولستوي هذا القيد، بل يعترف بضرورته.
العيش دون حب أسهل، لكنه عيش بلا وزن، بلا حرارة، بلا ضرورة داخلية.
السهولة هنا ليست فضيلة، بل علامة فراغ.
الإنسان يستطيع أن يتحرك، أن ينجح، وأن يستمر، لكن بلا حب يتحوّل الوجود إلى سلسلة من الوظائف لا إلى تجربة ذات معنى.
كأن تولستوي يقول إن المعنى لا يُمنح مجاناً، بل يُنتزع من صعوبة الارتباط.
ثم ينتقل إلى شرط العدالة العاطفية وهوالتبادل.
الحب من طرف واحد تعاسة، لا لأنه أقل إخلاصاً، بل لأنه اختلال.
الحب الذي لا يجد صداه يتحوّل إلى استنزاف، إلى انتظار طويل بلا جواب، إلى حوار داخلي لا يسمعه أحد.
هنا يبدو تولستوي صارماً، وكأنه يرفض تمجيد التضحية العمياء. فالحب، كي يكون حياة، يحتاج أن يُرى، أن يُعترف به، أن يعود ولو بقدر ما.
التحوّل الأعمق يظهر في الجملة الأخيرة. الانتقال من حب الجمال إلى الحب الخالد والأزلي ليس مجرد نضج عاطفي، بل ارتقاء في الرؤية.
الجمال يُحب لأنه ظاهر، لأنه يلمع، لأنه يُثير الإعجاب.
أما القلب والروح فيُحبان لأنهما باقِيان، لأنهما يتجاوزان الزمن، ولأنهما يحملان الحقيقة العارية للإنسان.
تولستوي يلمّح إلى أن الحب الحقيقي يبدأ متأخراً، بعد أن تسقط الزينة، وبعد أن يتعب البصر من المظاهر.
هذه الرؤية لا تفصل الحب عن الألم، ولا تعزله عن الخسارة، لكنها تمنحه كرامته الفلسفية.
الحب ليس وعداً بالسعادة، بل طريقاً إلى المعنى. ليس احتفالاً دائماً، بل اختباراً أخلاقياً للقدرة على الالتزام، على الصبر، على الاعتراف بالآخر كقيمة لا كامتلاك.
ومن هنا تبدو قيود الحب مختلفة عن كل القيود الأخرى.
السجن يُفرض من الخارج، أما الحب فيُختار من الداخل. السجن يُلغي الذات، أما الحب فيعيد تشكيلها.
السجن يهدف إلى الإخضاع، أما الحب فيقود إلى الانكشاف.
ولهذا، رغم التشابه الظاهري، يبقى الفرق شاسعاً قيد الحب يمنح الإنسان سبباً ليحتمل، بينما قيد السجن يسلبه السبب.
تولستوي، بخبرته الإنسانية العميقة، لا يدعونا إلى الهروب من الحب خوفاً من ألمه، ولا إلى الارتماء فيه دون وعي، بل إلى فهمه كما هو تجربة كاملة، بثقلها وجمالها، بقيودها ومعناها.
تجربة لا تليق بالسطحيين، ولا تصبر عليها الأرواح الكسولة، لكنها وحدها القادرة على أن تجعل الحياة أكثر من مجرد عبور.
يا سعده اللى عرف مرة حنان الحب وقساوته، ويا قلبه اللي طول عمره ما داق الحب وحلاوته تشوفه يضحك وفى قلبه الأنين والنوح عايش بلا روح وحيد والحب هو الروح.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
