مرصد مينا
أعلن باحثون من معهد “فرانسيس كريك” وجامعة “ليفربول جون مورز” مؤخراً عن نجاحهم في إجراء أول تسلسل جينومي كامل لإنسان مصري قديم، عاش قبل نحو 4500 عام في موقع أثري يُعرف بـ”النويرات” بالقرب من بني حسن في صعيد مصر.
يعتبر هذا الاكتشاف الأول من نوعه والأقدم في تاريخ الجينوم المصري القديم، حيث يفتح آفاقاً جديدة لفهم أصول المصريين القدماء، والعلاقات الجينية بينهم وبين شعوب شمال إفريقيا والمناطق المجاورة، وخاصة بلاد الرافدين.
وأظهرت نتائج التحليل الجيني أن حوالي 77.6% من الحمض النووي تعود أصوله إلى سكان شمال إفريقيا في العصر النيوليتي، وبشكل خاص من منطقة المغرب الأوسط.
بينما تشير نسبة 22.4% المتبقية إلى ارتباط جيني مع سكان بلاد الرافدين القدماء، وهي المنطقة التي تشمل العراق الحديث وأجزاء من سوريا وإيران، والتي تعد مهداً لأقدم الحضارات في التاريخ.
تُعد هذه النتائج دليلاً مباشراً على وجود اتصال بشري حقيقي بين مصر وبلاد الرافدين في فترات مبكرة، يتجاوز التبادل المادي المعروف سابقاً، مثل استئناس النباتات، والكتابة، وأدوات الفخار، ليشمل تمازجًا سكانيًا فعليًا بين الشعوب.
نشرت الدراسة في دورية “نيتشر” العلمية، وأكدت أن الرجل الذي جرى تحليل جينومه عاش بين عامي 2855 و2570 قبل الميلاد، وهو زمن مفصلي في تاريخ مصر القديمة، حيث تزامن مع توحيد البلاد على يد الملك مينا وبداية بناء الدولة القديمة.
على الرغم من عدم تحنيط جثته، إلا أن دفنه داخل جرة فخارية كبيرة داخل قبر صخري ساعد على حفظ الحمض النووي لعظامه بشكل استثنائي، ما سمح للباحثين باستخلاص المادة الوراثية وتحليلها بدقة عالية.
تشير التحاليل الأثرية إلى أن الرجل كان بالغاً عند وفاته، حيث يُرجح أن عمره كان بين 44 و64 عاماً، وهو عمر متقدم نسبيًا لتلك الحقبة الزمنية.
كما أظهرت عظامه تآكلاً شديداً في المفاصل والأسنان، مما يشير إلى حياة شاقة وعمل بدني مرهق. ويعتقد الباحثون أنه كان يعمل كخزاف أو حرفي، استناداً إلى أنماط التلف في ركبتيه ويديه التي تتناسب مع أوضاع الجلوس الطويلة أمام عجلة الفخار.
رغم طبيعة عمله المتواضعة، أثار نمط دفنه الفاخر تساؤلات حول مكانته الاجتماعية، إذ كان من النادر أن يُدفن الحرفيون في جرار فخارية داخل مقابر منحوتة.
ويعتقد بعض العلماء أن مهارته أو مكانته ضمن مجتمعه ربما منحته احتراماً استثنائياً، ما انعكس في طريقة دفنه.
لم تكن النتائج الوراثية وحدها المثيرة للاهتمام، بل أيضاً الأساليب العلمية التي استخدمها الفريق، حيث نجحوا في استخراج الحمض النووي من سبعة أسنان بالرغم من التحديات المناخية التي تؤثر سلبًا على المواد الوراثية في بيئات حارة مثل مصر.
تم توظيف تقنيات حديثة في التعقيم والاستخلاص والتحليل، وربطت النتائج مع بيانات جينومية لأكثر من 4000 شخص من الحاضر والماضي، مما أتاح مقارنة دقيقة وتحديد مصادر الأنساب بدقة.
كشف تحليل الجينوم أن التركيبة الجينية للرجل تتطابق جزئياً مع سكان شمال إفريقيا النيوليتيين، وخصوصاً من المغرب الأوسط، الذين عرف عنهم امتلاكهم تركيبة جينية مختلطة بين السكان المحليين وسكان الشرق الأدنى.
أما الجزء الآخر من الجينوم فكان مطابقاً بدرجة كبيرة لعينات جينية من بلاد ما بين النهرين تعود لفترة بين 9000 و8000 قبل الميلاد.
هذه النتائج تناقض الفرضية القديمة التي كانت ترى أن مصر القديمة حضارة جينية مغلقة، إذ توضح الدراسة أن المصريين القدماء كانوا على الأقل في تلك الفترة جزءاً من شبكة بشرية واسعة تشمل شمال إفريقيا وغرب آسيا.
وأوضح الباحثون أن الاستنتاجات مبنية على جينوم فردي واحد فقط، ما يحد من إمكانية تعميم النتائج على كامل السكان، لكنهم يأملون في إجراء تحليلات مشابهة على مزيد من الرفات من فترات وأماكن مختلفة داخل مصر، لرسم خريطة جينية أكثر دقة للتاريخ السكاني المصري.
تعيد هذه الدراسة طرح أسئلة جوهرية حول طبيعة الهوية المصرية القديمة، وتسليط الضوء على الدور الحاسم للهجرات المبكرة والتفاعلات الإقليمية في تشكيل الحضارة الفرعونية، ليس فقط من خلال الأدوات والكتابة، بل أيضًا عبر الجينات.
قالت الباحثة الرئيسية في الدراسة، أديلين موريز جاكوبس: “نأمل أن تساعد هذه الاكتشافات في تتبع توقيت وكيفية بداية الحركات السكانية نحو مصر، وإنشاء قاعدة بيانات وراثية أوسع لفهم أصول سكان وادي النيل”.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة مرصد الشرق الأوسط و شمال أفريقيا ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من مرصد الشرق الأوسط و شمال أفريقيا ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.