في خطوة مفاجئة حملت رسائل عسكرية وسياسية شديدة اللهجة، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الاثنين، أن غواصتين نوويتين أمريكيتين تم نشرهما بالفعل في موقع استراتيجي قريب من الأراضي الروسية، مشددًا على أن الغواصتين "في المكان المناسب"، دون أن يكشف عن موقعهما الدقيق. وجاء تصريح ترامب خلال حديثه للصحفيين قبيل مغادرته من بيدمنستر بولاية نيو جيرسي متجهًا إلى العاصمة واشنطن، مؤكدًا أن نشر الغواصات النووية جاء ردًا على التصريحات التصعيدية الأخيرة من الجانب الروسي، وتحديدًا ما أدلى به ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي. وأوضح ترامب أن قرار تحريك القطع النووية تحت سطح البحر إلى موقعها الحالي يهدف إلى إرسال رسالة مباشرة للكرملين، بعد سلسلة من التحذيرات الروسية التي وصفها بـ"غير المسؤولة"، خاصة تلك التي صدرت من ميدفيديف، والتي ألمحت إلى احتمالية التصعيد النووي حال لم يتم التوصل إلى تسوية مرضية بشأن النزاع في أوكرانيا. وسبق للرئيس الأمريكي أن أشار في مقابلة مع قناة “نيوزماكس” إلى اعتزامه تحريك غواصات نووية إلى موقع أقرب من روسيا، وهو ما أكد اليوم أنه قد تم تنفيذه، في رسالة واضحة إلى موسكو بأن الولايات المتحدة مستعدة لردع أي تهديد محتمل. من جانبه، صعّد ميدفيديف من حدة نبرته عبر منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، محذرًا من أن تصريحات ترامب تمثل "تهديدًا خطيرًا للسلام العالمي"، معتبرًا أن إطلاق الإنذارات أو التحذيرات النووية تجاه روسيا يُقرب العالم من حافة الحرب الشاملة. كما استعاد ميدفيديف الحديث عن منظومة الردع النووي السوفيتية المعروفة باسم “بريميت” أو "اليد الميتة"، وهي نظام دفاعي تم تطويره في حقبة الحرب الباردة، يقوم على إطلاق الصواريخ النووية تلقائيًا في حال تعرضت القيادة السياسية والعسكرية الروسية للإبادة، مما يضمن ردًا نوويًا شاملاً حتى دون تدخل بشري. ويُفسر مراقبون هذا التوتر المتصاعد بأنه عودة ضمنية إلى منطق "الردع النووي المتبادل" الذي كان يهيمن على العلاقات بين واشنطن وموسكو خلال الحرب الباردة، حيث يلعب نشر الغواصات النووية دورًا محوريًا في تعزيز القدرات الردعية الأمريكية ويُعتقد أن الغواصتين اللتين تحدث عنهما ترامب تنتميان إلى أسطول "أوهايو" الأمريكي، والذي يُعد من أكثر الأسلحة النووية تطورًا في العالم، إذ تحمل كل غواصة عشرات الرؤوس النووية من طراز Trident، ما يجعلها عنصرًا أساسياً في توازن القوى الاستراتيجي بين القوتين النوويتين. وتثير هذه التصريحات المتبادلة قلقًا دوليًا واسعًا، خاصة في ظل استمرار التوترات العسكرية في أوكرانيا، وغياب أي أفق دبلوماسي واضح بين الولايات المتحدة وروسيا. ويرى محللون أن استخدام لغة الردع النووي بشكل مباشر من كلا الطرفين يعكس مدى هشاشة الوضع الراهن، واحتمالية انزلاق الأمور نحو مواجهة غير محسوبة العواقب. مع استمرار تبادل التصريحات الحادة بين ترامب ومسؤولي الكرملين، يبدو أن العالم يدخل مرحلة جديدة من الشد والجذب النووي بين واشنطن وموسكو، وبينما يُصرّ ترامب على أن بلاده تتحمل مسؤولياتها في حماية الأمن العالمي، تُصرّ روسيا على الرد بالمثل في حال تم تجاوز "الخطوط الحمراء". وفي ظل هذا المشهد المشحون، تبقى لغة السلاح النووي هي الأشد وقعًا، ما يفرض على المجتمع الدولي اليقظة والحذر من عواقب التصعيد غير المنضبط.