في عرض استثنائي خلال أسبوع الموضة في باريس، قدّم نيكولا دي فيليس مجموعة Courrèges لربيع وصيف 2026 تحت عنوان لافت: "مُعمّى بالشمس"، اختار دي فيليس أن يواجه مباشرةً أحد أكثر التحديات المعاصرة إلحاحًا، تغيّر المناخ وارتفاع درجات الحرارة، من خلال لغة الأزياء، لم يكن العرض مجرد استعراض للأناقة المستقبلية، بل تأمل بصري في العلاقة بين الجسد والبيئة والضوء. تحت قبة من الأضواء الدائرية القوية التي ازدادت توهجًا تدريجيًا، تجولت العارضات في مشهدٍ بدا وكأنه مختبر من عالمٍ آخر، الأجواء كانت خانقة عمدًا، تعبّر عن موجة حرّ حقيقية، تجعل المشاهد يشعر بلهيب الشمس فوق جلده، وكأن الأزياء نفسها وُلدت لتكون درعًا واقيًا وجسدًا فنيًا في آن واحد. الافتتاحية: بين الحماية والكشف بدأ العرض بمجموعة من أغطية الوجه والأقنعة الشمسية التي بدت للوهلة الأولى وكأنها رمزية أو حتى دينية، لكنها كانت في الواقع تجسيدًا للوظيفة الجمالية. غطت هذه القطع الوجه والرقبة بخامات مرنة شفافة، مصممة لتحجب الأشعة فوق البنفسجية، ومتصلة بالقبعات المدببة الشهيرة التي استحضر بها دي فيليس إرث كوريج في الستينات، حين كانت الدار تُعرف بلقب "دار المستقب". لكن ما جعل هذه البداية قوية ليس الطابع المفاهيمي فقط، بل التحول العملي إلى لغة أنيقة، الأقمشة لم تكن مجرد وقاية، بل امتدادًا للجسد، شفافة بالقدر الكافي لتكشف عن الملامح، وسميكة بالقدر الذي يوحي بالحماية، في زمنٍ صار فيه الظلّ رفاهية، أعاد كوريج تعريف معنى الأناقة الواقية. القصّات: هندسة تتنفس الضوء كعادته، برع نيكولا دي فيليس في نحت الأقمشة على الجسد بأسلوب هندسي دقيق: تنوّعت القطع بين قمصان ملتفة قطريًا حول الجذع، وبدلات ضيقة تُبرز الخصر بخطوط حادة، وقطع هجينة تمزج بين الرياضية والعصرية. برزت تفاصيل ذكية مثل السترات ذات الأكمام القابلة للفتح، التي تسمح بدخول الهواء، والفساتين ذات الفتحات الجانبية التي تخلق حركة خفيفة مع كل خطوة. وفي حين بدت بعض القطع أشبه بتجهيزات من فيلم خيال علمي، إلا أن الحرفية العالية جعلت كل تصميم يبدو قابلًا للارتداء اليومي. استطاع دي فيليس أن يوازن بين الجمال الوظيفي والرغبة في التميّز، مقدّمًا أزياء تتحدث بلغة العصر دون أن تتخلى عن جاذبيتها الأنثوية. شاهدي أيضاً: مجموعة Courrèges خريف وشتاء 2025-2026 الخامات: من الانعكاس إلى الذوبان كانت الأقمشة بطلة العرض بلا منازع: استخدم دي فيليس مزيجًا من الجلود اللامعة، والنايلون المقاوم للحرارة، والأقمشة المعدنية الخفيفة التي تعكس الضوء مثل المرايا. في بعض الإطلالات، بدت الخامات وكأنها تذوب تحت أشعة الشمس، فتتحول من شكلٍ صلب إلى سائل، في استعارة شاعرية لذوبان الحدود بين الجسد والعالم الخارجي. أما الطبقات الشفافة المصنوعة من التول والموسلين الصناعي، فخلقت تأثيرًا بصريًا متغيرًا، وكأن الضوء يعيد تشكيلها في كل حركة. كانت هذه التقنية امتدادًا لأسلوب كوريج التاريخي في اللعب بالانعكاسات والزجاج والمعادن، لكن بنبرة أكثر تجريبية وتأملية. ألوان المجموعة: ضوء يحرق وحياة تتوهّج من الناحية اللونية، حملت المجموعة طيفًا شمسيًا متدرجًا من البيج الرملي إلى البرتقالي المشمس، ومن الأبيض الساطع إلى الذهبي المعدني. ألوانٌ بدت وكأنها مُستخرجة من طبقات الغلاف الجوي أو من حرارة الإسفلت في ظهيرةٍ صيفية. في المقابل، جاءت لمسات من الأزرق الكهربائي والفضي البارد لتخلق توازنًا بصريًا بين الحرارة والبرودة، الضوء والظل. هذا الحوار اللوني لم يكن مجرد اختيار جمالي، بل ترجمة بصرية لفكرة المناخ المتغير، حيث يلتقي الوهج بالخطر، والدفء بالحماية. الإكسسوارات: دروع عصرية وواقيات مستقبلية لم تكن الإكسسوارات في عرض Courrèges مجرد إضافات تجميلية، بل امتدادًا للفكرة المفاهيمية للمجموعة. ظهرت الخوذات الصغيرة والأقنعة الشفافة المصنوعة من الزجاج المقوّى، في تلميح إلى دروع السيارات أو نوافذ الطائرات. الحقائب جاءت بأشكال أنبوبية مستديرة، مصنوعة من مواد مقاومة للحرارة، بينما اكتملت الإطلالات بأحذية بكعوب شفافة وأحزمة معدنية عاكسة. كانت هذه العناصر تعمل على إعادة صياغة علاقة الجسد بالبيئة، مانحةً مرتديها شعورًا بالقوة في مواجهة الضوء والعناصر الطبيعية. شاهدي أيضاً: مجموعة Courrèges ربيع 2025 في أسبوع الموضة في باريس الرمزية: من عصر الفضاء إلى عصر المناخ على الرغم من أن إرث Courrèges لطالما ارتبط بـ رؤية مستقبلية متفائلة، إلا أن دي فيليس قدّم هذه المرة مستقبلًا أكثر واقعية، لم يعد المستقبل حلمًا تكنولوجيًا أبيض نقيًا كما في ستينيات القرن الماضي، بل عالمًا يتأقلم مع تحديات المناخ والتغير البيئي. من هنا، حملت القطع المعدنية معنىً مزدوجًا، فهي ليست فقط مرآة للحداثة، بل أيضًا انعكاس للقلق البيئي، في هذا العرض، تحوّل “الفضاء” من رمزٍ للانطلاق إلى استعارة عن الظلّ الذي نحتمي به من شمسٍ لا تُرحم. التحول الجمالي: من الكمال إلى الذوبان على مدار العرض، بدا أن نيكولا دي فيليس يتخلى تدريجيًا عن فكرة الشكل المثالي لصالح أزياء متحولة ومتبدلة. القصّات لم تعد تلتزم بخطوط مستقيمة، بل انزلقت وتكسّرت مع الضوء، كما لو كانت في حالة انصهار مستمر. هذا التلاعب بالبنية يعكس فلسفة المصمم التي ترى أن الأزياء ليست تجميدًا للجمال، بل تجربة متحركة. الملابس في هذه المجموعة لا "تُلبس” فحسب، بل "تعيش" وتتنفس وتتحول، فهي امتداد للهواء، وتفاعل مع الشمس، ودرع ضد القسوة. بين الحسية والعملية أبرز ما ميز عرض Courrèges لربيع وصيف 2026 هو قدرته على الموازنة بين الإغراء والوظيفة. فالقصّات الكاشفة لم تفقد رشاقتها رغم طابعها العملي، والأقمشة الواقية لم تُضحّ بأنوثتها رغم صلابتها. كانت كل قطعة دعوة إلى إعادة النظر في مفهوم الجاذبية، ليس كزخرفة سطحية، بل كقوة داخلية تنبض تحت ضوء الشمس. شاهدي أيضاً: مجموعة Courrèges ريزورت 2026 قراءة فلسفية: الموضة كمرآة للعصر من خلال هذه المجموعة، يقدّم نيكولا دي فيليس تأملًا عميقًا في دور الموضة في زمن الأزمات البيئية. فبدلاً من أن تكون الأزياء ترفًا بصريًا، أصبحت وسيلة للتعبير عن التكيف والبقاء. هذه الفكرة تُعيد تعريف العلاقة بين الجمال والاستدامة، وتجعل من كل فستان أو سترة رمزًا لمستقبل أكثر وعيًا ومسؤولية. شمس لا تغيب اختُتم العرض بلقطة بصرية مدهشة: أطفئت الأضواء فجأة، وبقيت بقعة ضوء واحدة تتبع آخر عارضة وهي تسير ببطء، ترتدي فستانًا فضيًا معدنيًا يعكس الضوء وكأنه مرآة متحركة. في تلك اللحظة، شعر الجمهور أن الشمس لم تختفِ، بل تحولت إلى ضوء داخلي ينبعث من داخل الأزياء نفسها. كانت تلك الخاتمة تلخيصًا لشاعرية المجموعة حتى في زمن الحرارة المفرطة، يمكن للجمال أن يكون وسيلة للبقاء، وللأناقة أن تتحول إلى طاقةٍ تحمي وتلهم. الموضة كأداة للبقاء قدّم نيكولا دي فيليس في مجموعة Courrèges ربيع وصيف 2026 درسًا بليغًا في التوازن بين الخيال والمواجهة. من خلال تصاميمه، لم يهرب من الواقع، بل واجهه بجمالٍ هندسي، وأعاد صياغة إرث الدار بطريقة تليق بعصرٍ يختبر فيه العالم معنى البقاء تحت شمسٍ لا تعرف الرحمة. كانت المجموعة احتفاءً بالجسد الإنساني ككيان قادر على التكيّف، وبالأزياء كدرعٍ فني يحمي من الضوء كما يحتفل به، وبينما اختتم العرض، بقي الانطباع الأخير واضحًا، في عالمٍ يزداد سخونة، لا تزال الموضة قادرة على أن تضيء الطريق، لا أن تنصهر فيه. شاهدي أيضاً: مجموعة Courrèges ريزورت 2023 شاهدي أيضاً: مجموعة Courrèges لما قبل خريف 2025 شاهدي أيضاً: مجموعة Courrèges لربيع وصيف 2023 شاهدي أيضاً: مجموعة Courrèges خريف وشتاء 2023-2024