في مساء الثالث من أكتوبر، تحوّلت قاعة العرض في باريس إلى مسرحٍ للهدوء المرهف. فبعد النجاح اللافت الذي حققته سارة بيرتون في مجموعتها الأولى لدار جيفنشي Givenchy، عادت المصممة البريطانية لتقدّم عرضها الثاني ضمن أسبوع الموضة لربيع وصيف 2026 بثقةٍ هادئة، تُماثل الهمس أكثر من الصراخ، لكنها كانت أقوى وقعًا من أي ضوضاء، لقد أرادت بيرتون أن تطرح سؤالًا جريئًا، هل يمكن أن تكون الأنوثة قويّة دون أن تستعير لغتها من الرجولة؟ وجاءت الإجابة في عرضٍ نسجت فيه الخياطة والفكرة بخيوطٍ من الدقة، الحسية، والوعي الفني. رؤية جديدة للأنوثة: بين القوة والاحتواء منذ اللحظة الأولى، بدا واضحًا أن بيرتون لم تسعَ إلى إعادة تدوير إرث جيفنشي، بل إلى إعادة تفسيره بما يتماشى مع واقع المرأة الحديثة: تقول لغة العرض إن الأنوثة ليست ضعفًا، بل طريقة مختلفة للتعبير عن السيطرة، كان في كل قطعة نوع من التوازن بين الهيمنة والهدوء، وكأن المصممة أرادت أن تخلق حوارًا داخليًا بين "المتانة" و"الانسيابية". افتتحت العارضات العرض بإطلالاتٍ أحادية اللون بالأسود والعاجي، تميّزت بخطوطٍ ناعمة وبُنى دقيقة، حملت توقيع بيرتون في اهتمامها بالقصّة فوق الزخرفة، الفساتين الطويلة ذات الأكمام المائلة للكتف، والمعاطف الخفيفة المصنوعة من القماش الشبكي، أعادت للبساطة معناها الفخم. الأقمشة تتحدث: لعبة الضوء والظل كان التلاعب بين الصرامة والنعومة السمة الأبرز في الخامات: اختارت بيرتون أقمشةً تعبّر عن الحركة: الساتان، الشيفون، الدانتيل، والأورجانزا، وخلطتها بمواد أكثر صلابة مثل الجلد الشبكي والمخمل غير اللامع. الأعمدة الشبكية التي بدت كأنها تتهادى فوق الأجسام لم تكن مجرد تصميم، بل بيانًا بصريًا عن الانفتاح والسيطرة في الوقت ذاته. أما الكشاكش الكبيرة التي زُيّنت بها الأكتاف والأطراف، فقد أضافت درامية أنيقة دون أن تُفقد القطعة توازنها. جاءت فساتين الساتان المنزلقة كتحية خفية لملابس النوم النسائية القديمة، لكن بروحٍ أكثر نضجًا. كانت الظهر المكشوفة المطرّزة بتصميمات مستوحاة من لوحات "واتو" الفرنسية القديمة تذكيرًا بأن الإغراء يمكن أن يكون فنيًا، وأن الحسية لا تحتاج إلى إفراطٍ لتُعبّر عن نفسها. شاهدي أيضاً: مجموعة Givenchy خريف وشتاء 2025-2026 التفاصيل: من التطرية إلى الصنعة الدقيقة في عالم جيفنشي مع بيرتون، التفاصيل لا تُصرّح بل تُلمّح: التطريزات الوردية الباهتة جاءت كأنها وشم ناعم على سطح القماش، تُخفّف من حدة الخياطة الهندسية التي تشتهر بها الدار، كما كان العمل اليدوي حاضرًا في كل خياطة دقيقة، وفي كل ثنية تلتفّ حول الجسد كأنها تحتضنه. أحد أبرز الإطلالات التي أثارت الإعجاب كان تصميم "بيرفكتو" الجلدي الأسود، وهو إعادة تخيّلٍ لسترة الدراجة الكلاسيكية، لكنها هذه المرة ناعمة كالحرير ومبطّنة بالدانتيل الأبيض، هذا المزج بين الصلابة والحميمية عبّر بدقة عن فلسفة بيرتون في تصميم الأزياء، أن الجمال يكمن في التناقض المتناغم. الإغراء المنضبط: لغة الصمت الجريئة ما جعل العرض مختلفًا حقًا هو أن بيرتون لم تُغرقه بالضجيج: لا إكسسوارات مبالغ فيها، لا حقائب ضخمة، ولا أحذية لافتة تصرخ بالأناقة. بل تركت الأقمشة والأشكال تُعبّر عن ذاتها. كان كل شيء محسوبًا بدقة، كأن الصمت أصبح هو الإكسسوار الأهم. كانت الملابس تُهمس بالثقة، وتُظهر أن الحسية يمكن أن تكون ناعمة ومؤدبة دون أن تفقد جاذبيتها. لقد كان العرض أشبه بدراسةٍ أنثروبولوجية في جمال الانضباط، حيث استطاعت بيرتون أن تحوّل الرغبة إلى فكرة، وأن تُعيد صياغة الإغراء كفنٍ متوازنٍ بين الكشف والإخفاء، لم يكن هذا عرضًا للإغراء بقدر ما كان تأملًا في معناه. الخياطة كحوار بين الماضي والمستقبل كعادتها، تميل بيرتون إلى القصّات المعمارية الدقيقة التي تُذكّر بأسلوبها أيام كانت في ألكسندر ماكوين، لكنها هذه المرة دمجت الدقّة البريطانية بالنعومة الفرنسية. بدت بعض التصاميم وكأنها تحمل إرث الدار الأصلي الذي أسسه هوبرت دي جيفنشي، الخطوط المتقنة، الأكتاف المنحوتة، والأقمشة التي تلتفّ حول الجسد كالموجة، لكن برؤيةٍ حديثة تواكب روح الألفية الثالثة. المجموعة لم تكن “تجريبية” بقدر ما كانت ناضجة، فقد نجحت بيرتون في أن تُقدّم هوية جديدة للدار دون أن تُقصي تاريخها، بل استعارت منه ما يخدم رؤيتها، لتُعيد تعريف مفهوم الخياطة الراقية كمساحةٍ للتعبير، لا كإطارٍ مغلق. شاهدي أيضاً: مجموعة Givenchy ريزورت 2025 الألوان: لغة المشاعر جاءت لوحة الألوان متناغمة مع روح المجموعة. بدأ العرض بدرجات الأسود والرمادي الداكن، لتتوالى بعدها الألوان الترابية الهادئة مثل البيج، الورد الباهت، الخزامى، والذهبي الباهت، هذه الألوان لم تكن مجرد اختيارٍ جمالي، بل ترجمة لمزاجٍ عاطفي متأمل. وفي الختام، أضاءت المنصة فساتين من الأبيض الثلجي والفضي اللامع، وكأنها تذكير بأن النقاء يمكن أن يكون أقوى أشكال الجرأة. الإكسسوارات: غياب مقصود اللافت في العرض كان الحد الأدنى من الإكسسوارات: فقد اكتفت بيرتون بلمساتٍ صغيرة من اللؤلؤ والعقيق في الأذنين أو على أطراف الفساتين، أما الأحذية فجاءت بسيطة بألوان محايدة. بينما اقتصرت الحقائب على تصميمات صغيرة الحجم من الجلد الناعم، في انسجامٍ تام مع فلسفة العرض القائمة على الصقل والصفاء. الرموز والمرجعيات: بين ماكوين وجيفنشي من الواضح أن بيرتون حملت معها بعض الرموز الجمالية التي ميّزت أعمالها السابقة في ألكسندر ماكوين: الاهتمام بالبنية، التلاعب بالمقاسات، والازدواجية بين القوة والهشاشة، لكنها في جيفنشي، جعلت هذه اللغة أكثر هدوءًا وأناقةً، كما لو أنها وجدت نغمةً جديدة تعزف بها نفس المعنى. كان العرض في جوهره تأملًا في الهوية الأنثوية، كيف يمكن أن تكون المرأة قوية دون أن تفقد أنوثتها، وكيف يمكن للملابس أن تكون صريحة دون أن تكون فاضحة. لقد نجحت بيرتون في تحويل المفهوم إلى شكلٍ مرئي: فستانٌ يُعانق الجسد ولا يفرضه، نظرةٌ تتحدث أكثر مما تُظهر. سارة بيرتون تثبت سيادتها على لغة جيفنشي مع مجموعة ربيع وصيف 2026، رسّخت سارة بيرتون مكانتها في جيفنشي ليس كمصممة ضيفة، بل كصوتٍ متفرّد يُعيد رسم هوية الدار: لقد أثبتت أن القوة والإثارة ليستا متناقضتين، بل يمكن دمجهما في تصميمٍ واحد يُخاطب الحواس والعقل في آنٍ واحد. كانت هذه المجموعة تذكيرًا بأن الجمال الحقيقي لا يحتاج إلى صراخٍ أو بهرجة؛ يكفي أن يكون صادقًا ومُتوازنًا. إنها مجموعة تُلخّص جوهر الموضة الباريسية الجديدة: هادئة، راقية، ومليئة بالقوة غير المعلنة، جيفنشي، تحت قيادة بيرتون، لا تحاول منافسة الماضي، بل تتعلم منه، وتبني عليه لتتطلّع بثقة نحو المستقبل. شاهدي أيضاً: مجموعة Givenchy ما قبل خريف 2023 شاهدي أيضاً: مجموعة Givenchy ريزورت 2024 شاهدي أيضاً: مجموعة Givenchy لربيع وصيف 2022