تغيّرت حياة أسرته بين ليلة وضحاها، بعدما تحوّلت واقعة التعدى على ابنه من قبل الجار إلى فاجعة إنسانية حملت بين طياتها الألم، الفقد، والذهول.. كان هادي، الطفل ذو الـ 10 أعوام، يلهو بقطع «البلي» أمام منزله في المرج بالقاهرة، حين استدرجه شاب يبلغ من العمر 16 عامًا، إلى مدخل أحد البيوت، هناك، ووفق شهادة والده، انهال عليه بالضرب مستخدمًا أداة حادة «كتر»، محدثًا جروحًا قطعية في وجهه ورقبته وكتفه وجبهته، استلزمت 100 غُرزة، وعلى إثرها لم تتحمل الأم ما جرى للصغير، فماتت حزنًا وقهرًا، فيما يردد الأهالى أن المتهم «مهتز نفسيًا» وتركت أسرته مسكنهم عقب الواقعة. يقول «حسام»، البالغ من العمر 47 عامًا، بصوت يختلط فيه الغضب بالأسى، خلال حديثه لـ«المصرى اليوم»: «كنت في شقتي وسمعت صريخ ابني، نزلت مسرعًا، فوجدته غارقًا في دمائه أمام البيت، حملته على الفور إلى المستشفى، وهناك أخبروني أنه يحتاج إلى 100 غرزة لإغلاق جروحه، لم أكن أتصور أن جارًا يمكن أن يفعل هذا بطفل لا ذنب له». تدخل أحد الجيران في اللحظة الحرجة، لينتشل الطفل من بين يدي المعتدي، ويحول دون أن تتحول الجروح إلى ما هو أبشع، إذ يضيف «حسام»: «الراجل اللي أنقذ ابني قالي لو أنا مش موجود كان زمانه قتله، حتى إنه شد شعر ابني من رأسه كأنه بيقتلع نجيلة من الأرض»، مشيرًا إلى أن الضربة النفسية التي تلقاها ابنه تفوق بكثير الألم الجسدي. لكن الحادثة لم تتوقف عند حدود الاعتداء، بعد ساعات قليلة من رؤية ابنها مشوهًا، لفظت والدة «هادي» أنفاسها الأخيرة نتيجة سكتة قلبية، بحسب ما يؤكده «حسام»: «زوجتي لما شافت هادي على حالته، ما استحملتش المنظر، كانت بتعيط بحرقة وبتقول هنجيب حقك، فجأة وقعت، والمستشفى قالوا إنها سكتة قلبية من الصدمة والقهر». رحيل الأم فجأة ترك «حسام»، الذي يعمل في مجال العناية بالخيول العربية وتقصيص شعرها وتركيب «حدوة» لها، مسؤولًا عن 4 أطفال، «هادي» أحدهم، وهو الطفل قبل الأخير في ترتيب إخوته، يقول: «حياتنا بسيطة، عايشين على قد حالنا.. دلوقتي بقيت أب وأم لأولادي.. الصدمة دي كسرتنا، لكن الحمد لله على كل نصيب». https://www.youtube.com/embed/Zwa1fE2zDkg?feature=oembed أم تموت بحسرتها بعد إصابة ابنها داخل شقة صغيرة متواضعة في المرج، يجلس «هادي» صامتًا، وعيناه شاردتان، بينما تكسو وجهه الغرز والضمادات، بصوت خافت، يروي ما حدث: «كنت بلعب بالبلي، وجاري مصطفى – طفل زيا – كان بيرمي طوبة في الشارع، فجأة جه جارنا الكبير، شدني من إيدي ودخلني مدخل بيت، وقفل الباب بمفتاح، وضربني بالكتر على وشي، كنت بصرخ وماما قبل ما تموت كانت بتقولي هنجيب حقك». أمام هذا المشهد، تحركت الشرطة سريعًا، وتمكنت من ضبط المتهم وأحالته إلى النيابة العامة، بعد أن كان «حسام» قد حرر محضرًا بالواقعة، وبحسب رواية الأب، فإن القبض على المتهم تم أثناء عودته إلى منزله بصحبة «هادي» قادمًا من المستشفى. الجريمة، التي وقعت بلا سبب واضح، وفق شهادة الأب، أدت لانتشار الرعب بين الأهالى، إذ لم يتوقع أحد أن صبيًا لم يبلغ بعد سن الرشد يمكن أن يقدم على مثل هذا الفعل بحق طفل جار. يحدق «هادي» في صورة أمه على شاشة الهاتف- تصوير: محمد القماش مأساة أسرة بعد إصابة الطفل وموت الأم قهرًا وأفاد عدد من جيران المتهم أن سلوكه في الفترة الأخيرة اتسم بالاضطراب والعزلة، وأنه كان يميل إلى العنف في تعاملاته مع المحيطين به، رغم صغر سنه. وأكد أحد الشهود أن المتهم تصرّف بشكل غير متزن أثناء الاعتداء، ما دفع البعض للاعتقاد بأنه يعاني من مشاكل نفسية أو سلوكية تستدعي التقييم الطبي، ولم تصدر أي تقارير رسمية بعد بشأن حالته الصحية أو النفسية، فيما تواصل النيابة العامة التحقيق في دوافعه الحقيقية وراء الهجوم. الحادثة تركت أثرًا نفسيًا عميقًا على الطفل، الذي ما زال يعيش حالة ذهول، غير قادر على استيعاب ما جرى له في غضون دقائق، يقول والده: «هادي مش مصدق اللي حصل له.. بيبص في المراية كتير وبيسألني: أنا هفضل كده؟»، مضيفًا أن الصدمة تضاعفت بعد فقدان الأم، التي كانت أقرب الناس إليه. في غرفة المعيشة، تتناثر صور العائلة، بعضها يظهر الأم الراحلة وهي تحمل «هادي» في سنواته الأولى، وبعضها الآخر يجمع الإخوة الـ 4 في مناسبات بسيطة، يحدق «حسام» في الصور قبل أن يتنهد: «مراتي كانت عمود البيت.. بعد موتها البيت فاضي، والأولاد تايهين.. أنا بحاول أكون قوي علشانهم، لكن كل يوم أصحى على غيابها». الجيران، الذين توجهوا إلى منزل المجنى عليه فور سماعهم الصراخ، يصفون المشهد بأنه «مرعب»، ويؤكدون أن تدخل أحدهم في الوقت المناسب أنقذ حياة الطفل، أحد الشهود قال: «سمعت صريخ وباب بيت بيتقفل. كسرت الباب، لقيت الولد بينزف.. مسكت الجاني وفضلت ماسكه لحد ما الناس تجمعت». رغم الألم، يتمسك والد الطفل الضحية بالأمل في القصاص القانونى، ويؤكد أن «حق هادي لازم يرجع»، يقول: «مش هسيب الموضوع يعدي.. أنا مؤمن إن ربنا كبير، والقانون هياخد مجراه»، مضيفًا أنه يحرص على اصطحاب ابنه إلى جلسات متابعة طبية ونفسية، في محاولة لمداواة ما يمكن مداواته. «هادي» يقلب شاشة هاتفه ليلتقط آخر ما تبقى له من أمه- تصوير: محمد القماش بالنسبة لـ «هادي»، الأيام المقبلة ستكون اختبارًا لقدرة طفل على استعادة حياته الطبيعية بعد أن تغيرت ملامحه بفعل جروح غائرة، وبينما يلف الغرز رأسه ووجهه، يحاول العودة تدريجيًا إلى لعبه المفضل في الشارع، وإن كان يلتفت حوله كثيرًا هذه المرة، وفق والد المجنى عليه. يجلس الأب وأطفاله حول مائدة صغيرة، يحاولون تناول العشاء، لكن المقعد الفارغ للأم يظل حاضرًا في الأذهان، يقول حسام، وهو يطالع وجوه أبنائه: «عايز أربيهم زي ما هي كانت عايزة.. هادي محتاجنا أكتر من أي وقت».