مارلين سلوم
نهاية عام تعني دائماً العودة إلى الوراء ومراجعة الذات وإعادة حسابات وقرارات.. وفي السينما تلتفت الأنظار دائماً إلى شباك التذاكر لمعرفة من فاز في السباق ومن تقدم صفوف النجوم ومن جمع أرباحاً جعلته حديث الناس ومن تصدر على السوشيال ميديا وحقق «ترند» لبضعة أيام، ومن تراجع إلى ذيل القائمة والإيرادات وأحبط الجمهور.. وبين هذا وذاك لا بد من قراءة مؤشر مهم، وهو مسار السينما، وهل تمكن المضمون من الارتقاء بنفسه ليرتقي بذائقة الجمهور أم إن الإسفاف والاستخفاف بالعقول ما زال ينشط ليرجّح كفّة المكسب المادي على حساب القيمة والجودة، ومن استطاع أن ينجح بتحقيق المعادلة بين القصة الهادفة وجودة الصناعة، ومن اتبع طريق البذخ في الإنتاج لإغراء الشباب وهم الفئة الأعلى حضوراً في الصالات بأفلام الأكشن والمطاردات بذات القصص الوهمية؟ وهل سينما 2024 تمهد الطريق لنكون على موعد مع نهضة قوية للسينما في 2025؟
نهضة السينما بالنسبة للبعض تكون بأن يتقدم المضمون والجودة في الصناعة من كافة جوانبها على اللعب على غرائز الجمهور ونقاط ضعفه لتحقيق مكاسب مادية فقط، لكن البعض الآخر يراها عكسية وينجح في التقدم إلى رأس قائمة الإيرادات كما حصل مع فيلم «أولاد رزق 3» الذي عاد في 2024 بجزئه الثالث «القاضية» ليحقق أرقاماً خيالية في شباك التذاكر ويعيش طويلاً في الصالات لنحو 27 أسبوعاً داخل مصر، بمجمل إيرادات بلغ حوالي 260 مليون جنيه، ويتم بذلك تصنيفه ضمن الأفلام التي حققت أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية، وقد تم تصويره بين السعودية ومصر، ولم يأت النجاح بفضل القصة التي كتبها صلاح الجهيني، فهي لا تختلف كثيراً عن الأجزاء السابقة، ولا عن أفلام الأكشن العربية والعالمية التي نشاهدها في أي وقت، بل بفضل الإخراج الذي رفع سقفه المخرج طارق العريان بما أتيح له من مبالغ ضخمة وسخاء في الإنتاج، وبفضل روح الكوميديا التي تخللت مشاهد الأكشن والمطاردات الأشبه بسباق السيارات، والأهم أنه جمع نخبة من النجوم المحببين لدى الجمهور، أحمد عز وآسر ياسين وعمرو يوسف وكريم قاسم ومحمد ممدوح ومحمد لطفي وسيد رجب وأسماء جلال ونسرين أمين، وضيف الشرف كريم عبدالعزيز الذي كان مفاجأة ختام الفيلم.
إطلالات متعددة
ربما يكون الفنان هشام ماجد مفاجأة 2024 بإطلالاته المتعددة والمتنوعة، وتحقيقه النجاح في كل عمل قدمه، سواء في التلفزيون أم في السينما التي قدم فيها عملين «إكس مراتي» مع محمد ممدوح وأمينة خليل، وتربع على المركز الثاني في قائمة الأعلى إيرادات، والأهم أنه قدم كوميديا غير تافهة وبدا وكأن هشام وجد طريقه لتقديم كوميديا راقية وبأسلوب هادئ بلا صراخ ولا استفزاز ولا افتعال من أجل إجبار الجمهور على الضحك، وهو ما جعله ينجح أيضاً في فيلمه «فاصل من اللحظات اللذيذة» مع هنا الزاهد وبيومي فؤاد ومحمد ثروت..
وكأن العام 2024 هو عام تألق محمد ممدوح الذي نافس نفسه بمشاركته بثمانية أعمال تراوح ظهوره فيها ما بين الأكشن (مثل «شقو» و«أولاد رزق») والدراما الجادة («رحلة 404» و«السرب») والكوميديا («إكس مراتي»..) والتاريخي (أهل الكهف).. سبقه إلى قمة عدد المشاركات والظهور في السينما بيومي فؤاد الذي قدم 12 أو 13 فيلماً ما بين أدوار بطولة وضيف شرف.
فيلم «ظاهرة»
من الأعمال التي شكلت «ظاهرة» في خلال العام، فيلم «الحريفة» الذي حقق نجاحاً كبيراً أدى إلى سرعة كتابة وإخراج وتقديم جزئه الثاني «الحريفة 2: الريمونتادا» في نفس العام وبعد 11 شهراً من ظهور الأول، ومن أهم أسباب هذا التميز أن الفيلم استطاع محاكاة الشباب بأحلامهم وطموحاتهم ومشاكلهم، أبطاله شباب أحبهم الجمهور، على رأسهم نور خالد النبوي، يليه «كزبرة» الذي يتميز بفطرته في الأداء وروحه الكوميدية، وأحمد غزي وعبد الرحمن محمد وسليم هاني.. ما جعل الحريفة ظاهرة هو تعطش الشباب إلى أفلام شبابية تخاطبهم بشكل مباشر، وأبطال يشبهونهم، وقد تمكن أبطال «الحريفة» من خلق هذا التواصل، فأصبحوا نموذجاً يقلده الشباب في لبسهم وتصرفاتهم وعشقهم للعب كرة القدم وقد حجز لأبطاله مكاناً مميزاً على خريطة النجومية.
خريطة المستقبل
مفاجآت شهدناها في 2024 ترسم خريطة المستقبل، نحو 42 فيلماً مصرياً أنعشت الحركة السينمائية لكنها لم تستطع كلها تحقيق النجاح المبهر، فهناك من الأفلام ما سجل فشلاً ذريعاً رغم تصدر نجوم الشاشة أفيشاته والبطولة فيه، مثل «ليه تعيشها لوحدك» بطولة شريف منير، خالد الصاوي، سلمى أبو ضيف ومحمد رضوان.. «الملكة» بطولة هالة صدقي، رانيا يوسف، باسم سمرة، شيرين رضا، دينا وكريم عفيفي. «درويلة» بطولة عمرو عبدالجليل ومحمود عبد المغني وأيتن عامر.. «تاني تاني» بطولة أحمد آدم وبيومي فؤاد وغادة عبدالرازق.. «وقت إضافي» بطولة خالد الصاوي، عمرو عبدالجليل، نسرين أمين، باسم سمرة، وعماد رشاد.. «ليلة العيد» بطولة يسرا ويسرا اللوزي وريهام عبدالغفور وعبير صبري ونجلاء بدر وهنادي مهنا
ويسرا وخالد الصاوي وشريف منير وغيرهم.. أسماء نجوم عجزت عن الارتقاء بالأفلام لتجذب الجمهور، إذ يبدو أن الاعتماد الأكبر والمراهنة على حب الجمهور للكوميديا ولكن تلك الكوميديا لم تكن كلها ذات قيمة ولا قادرة على كسب ود عشاق هذا اللون من الأعمال الفنية.
السينما العربية قدمت أيضاً أفلاماً، لكنها مازالت في الغالب تدور في فلك الإنتاج من أجل المشاركة في المهرجانات السينمائية العربية والدولية.. عينها على الخارج وعلى نقل صوت مجتمعاتها وشعوبها وصور جوانب من الحياة في بلدانها إلى العالم من جهة، ومن جهة أخرى تطغى رغبة صناع تلك الأفلام في تحقيق النجاح وشق طريقهم نحو «الخارج»، كي يضمنوا نجاحاً أكبر ويتمسكوا بالأمل في إمكانية تحقيق أحلامهم السينمائية وجذب المنتجين لمساعدتهم في استكمال مشوارهم بإمكانيات أكبر وأعلى.
احتفاء بالسينما الفلسطينية
يُشهد لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي احتفاءه بالسينما الفلسطينية بدورته ال 45 الأخيرة من أجل دعم الشعب الفلسطيني، ولم يكتف باختيار فيلم رشيد مشهرواي «أحلام عابرة» ليكون فيلم الافتتاح، بل خصص برنامجاً بعنوان «أضواء على السينما الفلسطينية»، وتوّج المهرجان بمجموعة من الأفلام القصيرة التي تم تصويرها في غزة والتي أطلق عليها اسم «أفلام من المسافة صفر».
لبنان الذي عاش مآسي الحرب مثله مثل غزة في 2024، نال نصيبه من الفوز في المهرجانات عبر مجموعة أفلام، منها الفيلم المصري اللبناني «أرزة» الذي يحكي قصة بطلته أرزة من قلب المأساة والحياة الاجتماعية في لبنان، وقد تمكن الفيلم من حصد 3 جوائز، منها جائزتان في مسابقة آفاق السينما العربية من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الأولى جائزة أفضل ممثلة لبطلته دياموند بو عبود والثانية جائزة السيناريو ضمن جائزة يوسف شريف رزق الله، ونال جائزته الثالثة من أيام قرطاج السينمائية، حيث فاز بجائزة أفضل موسيقى تصويرية للفنان هاني عادل.
من جهة أخرى، تم اختيار «أرزة» إخراج ميرا شعيب، تأليف كل من فيصل شعيب ولؤي خريش ليمثل لبنان في مسابقة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي «تكريماً لروح وصمود الشعب اللبناني». كذلك فاز الفيلم اللبناني «مشقلب» بجائزة «سينما من أجل الإنسانية» في الدورة السابعة من مهرجان الجونة السينمائي، وهو من إخراج لوسيان بورجيلي، بان فقيه، وسام شرف وأريج محمود.
وعد الإقبال
سينما 2024 تعدنا بالكثير والمزيد من الإقبال عليها، سواء من المنتجين أو من الجمهور، ما فتح شهية النجوم بمختلف أعمارهم وخبراتهم، سواء من «الكبار» أم من الشباب، إلى الإقبال على المشاركة بأعمال سينمائية.. على أمل أن يكون الآتي أفضل وأن تقودنا هذه النهضة إلى نهضة فكرية سينمائية لا يتحكم فيها رأسمال ولا يقودها الساعون إلى الكسب المادي السريع على حساب الفن الراقي.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.