كتبت: سارة المزروعي المرأة الإماراتية العمود الفقري في المجتمع والأسرة، تلقت دعماً قيادياً متميزاً أقر بقدراتها الاستثنائية ومهَّد لها فرصاً واسعة في شتى المجالات، لم تقتصر مساهماتها على الأدوار التقليدية فحسب، بل تجاوزتها لتصبح ركيزة أساسية في ترسيخ قيم المجتمع وتنميته، ما ساهم في تعزيز الوحدة والتماسك الأسري والاجتماعي.تجسّد الريم بنت سلطان المزروعي، مثالاً حياً للمرأة الإماراتية والعربية التي تُتقن مختلف المهارات التراثية وتدمجها في حياتها اليومية، محافظة بذلك على أصالتها ومستثمرة هذه المهارات في توفير احتياجات أسرتها ومجتمعها، ورغم عدم التحاقها رسمياً بالتعليم المدرسي، فإن قدراتها الفطرية في التعلم والمعرفة ساهمت في إدارة شؤونها بكفاءة عالية، حيث تعتبر المرأة الإماراتية ركيزة أساسية لبناء المجتمع، والمصدر الرئيسي للحفاظ على التقاليد والقيم، وتنظيم شؤون الأسرة بمهارة ودقة، هذا الدور التاريخي المتميز انعكس في قدرتها على التكيّف مع تحديات الحياة، وفي استثمار خبراتها التراثية لتوفير بيئة مستقرة وآمنة لأفراد المجتمع، ما جعلها رمزاً للثبات والإبداع في آنٍ واحد.تتميز المزروعي بقدرتها الفائقة في إدارة شؤون تربية الماشية ورعايتها الصحية، حيث تُظهر دقة في متابعة مواعيد الولادة واحتياجات كل حيوان من الغذاء والماء والعلاج، وتعمل باستمرار على تنظيف المواشي وتقديم العلاج المناسب باستخدام الأعشاب والنباتات الشعبية، كما تراقب الأعراض المبكرة لأي مرض وتعمل على معالجته فور ظهوره. وتساهم جهودها الحثيثة في الحفاظ على صحة الماشية من خلال البحث الدؤوب عن أماكن الرعي وقص الحشائش، التي تُعد الغذاء الطبيعي لها، كما تُظهر المرأة براعة في تحديد أفضل الأراضي لتوفير الأعلاف الغنية بالعناصر الغذائية، ما يعكس مكانتها الأساسية في دعم هذا القطاع الحيوي.تروي الريم تجربتها في حلب المواشي واستخدام حليبها لإعداد منتجات غذائية متنوعة، وتقول: «نحلب البقر ونسوّي منه الجبن والروب واللبن والجامي والسمن، كل شي نعتمد فيه على نفسنا باستخدام أساليب تقليدية توارثناها عبر الأجيال».ولا ينتهي دورها عند هذا الحد، إذ تتقن أيضاً فنون استغلال الخوص (سعف النخيل) في صناعة المخرافة والسرود والحصير وغيرها من الأدوات المنزلية التقليدية التي لا تزال تُستخدم في البيوت الإماراتية للحفاظ على الأطعمة والأغراض الصغيرة، ما يجسد روح الاعتماد على الذات والحرفية العريقة التي تميز الإماراتية في الحفاظ على تراثها وتطوير مهاراتها التقليدية. تراث شفهي وقصصي تحمل المزروعي في جعبتها ثروة من القصص الشعبية، المعروفة محلياً باسم «الخراريف» أو «الحزاوي»، التي توارثتها عن أجدادها وترويها لأبنائها وأحفادها. ومن بين أبرز هذه الحزاوي حزواة «شليف شليف» التي تعكس بساطة الحياة القديمة وروح الألفة بين أفراد الأسرة، إلى جانب قصة «جعيدان»، وقصة شجرة «أم ريل» التي تدور حول سبع بنات يعشن مع والدهن، ما يجسد قيم التعاون والترابط الأسري، كما تضم مجموعة متنوعة من القصص المليئة بالعبر والحكم، والتي تتخللها طرائف مسلية كانت جدتهم ترويها لهم وما زالت تُذكَر وتُحكى حتى اليوم. قيم ومهارات متوارثة تشير الريم إلى أن الأهالي قديماً، وحتى في بعض المناطق اليوم، كانوا يستخدمون السدر بديلاً للشامبو، يتم تحضيره بتجفيف أوراقه وطحنها حتى تظهر منه رغوة عند إضافة الماء، لتتحول إلى عجينة تُستعمل في غسل الشعر وإزالة الشوائب، وتؤكد أن للسدر خصائص طبيعية مفيدة لفروة الرأس، حيث تجسد هذه الطريقة ارتباط المرأة الإماراتية ببيئتها وتقاليدها واستفادة الأسر من خيرات النخيل والأشجار البرية في صناعة مستلزمات الحياة اليومية بطريقة آمنة وصديقة للبيئة.وتستذكر الريم كيف كانت النساء يستعنّ بالورد والياس لتزيين الشعر، إلى جانب استخدام ورق الهمبا وجذع السدر الذي يُقشر ويُنخل ليُستخدم كمسحوق معطّر ومنظّف، وفيما يتعلق بالتقاليد الاجتماعية، تشير إلى أنه عند بلوغ الفتاة سناً معينة، كانت تتبرقع وتغطي وجهها، وعند سؤالها عن سبب ذلك كانت تجيب بعبارة «مرمده عيوني»، معبرة بذلك عن قيم الحشمة والحياء التي لا تزال محل تقدير واحترام.لا يقتصر مخزون الريم على المعارف الشفهية أو وصفات الجمال فحسب، بل يشمل أيضاً الملابس والأزياء التقليدية والمجوهرات، إلى جانب أدوات العناية القديمة مثل الكُحل (الإثمد) والنيلة، فقد كانت الأزياء في السابق تعتمد على اللون الأبيض وبعض الخامات مثل «بوطيرة» و«بو قليم»، أما من كان يرغب في إضافة لون آخر فكان يستخدم ورق البيذام (اللوز) لتلوين القماش باللون الأصفر، أما اليوم فقد تنوعت الخامات والألوان الزاهية مع الحفاظ على الطابع التراثي، وتضيف قائلة: «تعودنا دايماً أن نخيط ملابسنا بأنفسنا، فكل واحدة كانت تخيط لباسها وعباءتها وملابس عيالها، واللي عندها «الكرخانة» (آلة الخياطة) كانت تساعد اللي ما عندها، وتخيط لها أو تعطيها الكرخانة تخيط لعمرها، ما عندنا خيايط نفس اليوم». مرجع طبي في مجال الطب الشعبي، تُعدّ الريم مرجعاً موثوقاً لعلاج الأمراض الشائعة، فهي تستخدم اليعدة التي تُغلى مع الماء لتخفيف آلام المعدة وخفض درجة حرارة الجسم، وغالباً ما يُضاف إليها الليمون اليابس أو اللبان لتحسين المذاق المر. كما تؤكد أهمية الحرمل في مكافحة الفطريات والميكروبات وفق ما يتناقله الأهالي، وتستحضر طرقاً تقليدية لعلاج ألم الأسنان من خلال ضرب وطحن المسمار والناريل لتنعيمه وفركه على الأسنان.في ضوء كل هذه المهارات المتنوعة والمعارف المتوارثة، تُثبت الريم بنت سلطان المزروعي أن الجلوس في المنزل لا يعني الراحة، بل يظهر أن المرأة الإماراتية والعربية قادرة على الإبداع في مختلف المجالات، فهي تجسّد قيم الأصالة والاستدامة والابتكار، ما يجعل تراثها وثقافتها نبراساً ينير درب الأجيال القادمة.