د.عبدالرحيم بن أحمد الفرحان* في زاوية من الأرض لم تُخلق لتسير خلف الركب، بل لتمسك بزمام الطليعة، تقف دبي، مدينة الضوء والإرادة، تمارس دورها كمهندسة للغد، لا ترضى أن تكون سطراً في كتاب التاريخ، بل تصر أن تكون كاتبته. لا تزال هذه المدينة، في عام 2025، تُبرهن أن الحلم العربي إذا ما صادف إرادة سياسية حاذقة وقيادة تؤمن أن السماء ليست حدوداً، فإنه يتحوّل إلى واقع يثير دهشة العالم. الحلم بلغة الأرقام ما عاد الذكاء الاصطناعي رفاهية في دبي، بل هو الدم الذي ينساب في شرايين مؤسساتها، ففي مؤشر IMD للمدن الذكية، حلّقت الإمارة إلى المركز الرابع عالمياً، متجاوزة عواصم تصدّرت المشهد لعقود. لم يكن ذلك صدفة عابرة، بل انعكاساً لتجربة متكاملة جعلت من المعاملات الرقمية مرآة لكفاءة الأداء، حيث بلغت نسب الرضا الشعبي عن خدمات الحكومة الإلكترونية مستويات تخترق سقف التوقعات: 85.4% في إنجاز المعاملات، 84.5% في الخدمات الطبية الرقمية، و86.5% في البنية التحتية للإنترنت. ولم تكتفِ دبي بتحديث أدواتها، بل أعادت تعريف العلاقة بين الإنسان والحكومة، فمن خلال استراتيجيتها اللاورقية التي اكتملت بنسبة 100%، حررت الإمارة الإدارات من أسر الورق، موفرة أكثر من 1.3 مليار درهم، و336 مليون ورقة، و14 مليون ساعة عمل. لقد تحوّلت الدوائر الحكومية إلى منظومات ذكية، تكتب قراراتها على شاشات الزمن لا في أدراج الغبار. الأرقام بلغة الرؤية في عوالم الاقتصاد، الأرقام ليست فقط جداول، بل مؤشرات على عمق البصيرة. وقد خطت دبي نحو سنواتها القادمة بميزانية تاريخية بإيرادات بلغت 302 مليار درهم، خُصص منها ما يقرب من نصفها للبنية التحتية، وثلثها للصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية. إنها أرقام لا تبوح فقط بالحجم، بل تنطق بمضمون الدولة التي تصنع الإنسان قبل أن تبني الجدران. وفي ربعها الأول من هذا العام، استقبلت دبي 53 شركة عالمية، وكأنها ميناءٌ مفتوح على آفاق الاستثمار، تزداد فيه الأشرعة يوماً بعد يوم. هذه الزيادة بنسبة 39% عن العام السابق لم تأتِ من فراغ، بل من جاذبية لا تُقاوم... جذبتها رؤية تتقاطع فيها فرص الأعمال مع جودة الحياة. الطب من خلف الشاشات لم تعد زيارة الطبيب في دبي مرتبطة بباب يُطرَق أو مقعد يُنتظر، فقد دخلت الرعاية الصحية عصر التفاعل الذكي، حيث سجلت خدمات التطبيب عن بُعد نمواً بلغ 17.7%، وتجاوز عدد المستفيدين ربع مليون مريض. الأدوية باتت تصل إلى المنازل، والزيارات الطبية لم تعد حكراً على الأسرّة البيضاء، بل خرجت إلى حيث يسكن الإنسان، حاملة معه الطمأنينة بوجه رقمي. الاستدامة في مشهد متكرّر كطلوع الشمس، احتفظت دبي بلقب «المدينة الأنظف في العالم» للعام الخامس تواليًا. هذا اللقب لم يكن ترفًا جمالياً، بل حصيلة هندسة بيئية صارمة، ومشاريع نظافة تُدار بعقل إلكتروني. وكأن المدينة كل صباح تمشط طرقها كأنثى تتزين للمستقبل، وتحرس نقاءها كما تُحرس الكنوز في أعماق الأرض. الطائرات على جناح الرؤية في سماء دبي، لا تطير الطائرات وحدها، بل تطير معها الطموحات. وفي «دبي الجنوب»، تضرب الإمارة موعداً مع المستقبل اللوجستي، حيث استُقطبت 415 شركة في عام واحد، وافتُتحت منشآت عالمية تروي قصة تحول المدينة إلى عقدة جوية كبرى تربط الشرق بالغرب. إنها ليست منطقة حرة، بل منطقة حُرّرت من القيود التقليدية لتنمو كخلية نحل تطنّ بالفرص. إن ما تصنعه دبي اليوم ليس فقط سلسلة من الإنجازات، بل فلسفة متكاملة تقول إن المدن لا تُقاس بعدد أبراجها، بل بعدد الأفكار التي تحوّلها إلى أسلوب حياة. في عام 2025، لم تعد دبي تتساءل عمّا يمكن أن يأتي به المستقب، بل أصبحت هي التي تأتي إليه، تمسكه من يده، وتُلقّنه الدرس تلو الآخر في كيف تُبنى الحواضر التي تحيا لا لتعيش فقط، بل لتُلهِم. في دبي، المستقبل ليس أمنية، بل «مشروع قيد التنفيذ». * مستشار سياسات الاقتصاد الاستثماري