الارشيف / منوعات / انا اصدق العلم

العزلة الإيجابية: لماذا قضاء بعض الوقت بمفردنا مفيد للصحة؟

يصدر الخبراء على مدار السنوات القليلة الماضية تحذيرات تتعلق بالوقت الذي يقضيه الناس بمفردهم، إذ تُظهر الإحصائيات أننا نختار الوحدة وقضاء الوقت منعزلين في المنزل عوضًا عن الاختلاط بالآخرين أكثر من أي وقت مضى.

تفضل أعداد متزايدة من الناس تناول الطعام والسفر منفردين، وقد ازداد عدد الأفراد الذين يعيشون بمفردهم بمقدار الضعف تقريبًا في السنوات الخمسين الماضية.

تصادف هذا التوجه مع إعلان رئيس الأطباء في الولايات المتحدة لجائحة الوحدة ما أدى مؤخرًا إلى ادعاءات بأن الولايات المتحدة تعيش في «قرن معادٍ للمجتمع».

لا شك أن الوحدة والعزلة مشكلات اجتماعية تتطلب انتباهًا جديًا، خاصةً أن حالات الوحدة المزمنة ترتبط بنتائج سلبية مثل الاكتئاب والموت المبكر.

لكن لهذه القصة جانبًا آخر يستحق إلقاء نظرة أقرب، إذ يمثل الميل للوحدة للبعض رغبةً لما يسميه الباحثون «العزلة الإيجابية»، التي تمثل حالة ترتبط بالعافية لا بالوحدة.

تقول فيرجينيا توماس، الأستاذة المساعدة في علم النفس في جامعة ميدلبيري: «بصفتي عالمة نفسية، فقد أمضيت العقد المنصرم أبحث عن أسباب تفضيل الناس للوحدة، ولما كنت قد أمضيت وقتًا لا بأس به كذلك، فإنني أتفهم تمامًا المتعة التي توفرها العزلة».

تُضاف النتائج الحالية إلى نتائج سابقة وثقت لائحة طويلة من الفوائد التي نحصل عليها عندما نختار قضاء الوقت بمفردنا، بدءًا من الفرصة لشحن طاقتنا وتجربة النمو الشخصي وصولًا إلى التواصل مع مشاعرنا وإبداعنا.

لذا فإن رغبة الأفراد في العيش وحدهم حالما تسمح ظروفهم المادية بذلك أمر منطقي، وعندما يُسألون عن سبب تفضيلهم تناول الطعام بمفردهم يجيبون ببساطة: «أرغب في قضاء مزيد من الوقت لنفسي».

لذلك ليس مفاجئًا أن استطلاعًا أجري عام 2024 وجد أن 56% من الأمريكيين يعتبرون أن قضاء الوقت وحيدين أمر أساسي لصحتهم العقلية، أو أن شركة كوستكو تبيع اليوم أكواخًا للعزلة تجد فيها الهدوء والسكينة مقابل 2000 دولار.

من الواضح أنه توجد رغبةً ورواجًا للوحدة في الثقافة الأمريكية حاليًا، لكن هذا الجانب يضيع بين التحذيرات من العزلة الاجتماعية، يرجع ذلك إلى القلق الجماعي من الوحدة.

سمة العزلة:

ينشأ جزء كبير من هذا القلق من النظرة السلبية تجاه الوحدة في ثقافتنا، إذ يُنظر للوحدة في هذا النمط من التفكير أنها أمر غير طبيعي وغير صحي، أمر يثير الشفقة أو الخوف عوضًا عن كونها أمرًا يقدرونه ويشجعونه.

وجدت دراسة نُشرت في فبراير 2025 أن عناوين الأخبار في أمريكا تذكر الوحدة ضمن سياق سلبي أكثر عشر مرات ما تذكرها بسياق إيجابي. يغير هذا النوع من التحيز معتقدات الناس، وتظهر دراسات أن البالغين والأطفال لديهم أحكام واضحة عن متى يكون بقاء أقرانهم وحيدين أمرًا مقبولًا ومتى لا يكون كذلك.

هذا منطقي نظرًا إلى أن الثقافة الأمريكية تنظر إلى الانفتاح أنه الحل الأمثل. تشمل علامات الانفتاح كون الشخص اجتماعيًا وواثقًا، إضافةً إلى التعبير عن المشاعر الإيجابية أكثر والبحث عن الإثارة، أكثر من الشخصيات الانطوائية التي تتجنب المخاطرة.

مع أن المجتمع ليس بكامله من المنفتحين، فقد أُرغم معظمنا على تنمية هذه السمة، إذ يحصل أولئك الذين ينمونها على مكاسب اجتماعية ومهنية. في هذا الوسط الثقافي، يُعد تفضيل الوحدة أمرًا سلبيًا.

لكن الرغبة في العزلة ليست علامة مرضية، وليست للانطوائيين فقط، ولا تعني العزلة الاجتماعية والعيش وحيدين. في الواقع، لا تدعم البيانات المخاوف الحالية من جائحة الوحدة، وهو أمر اعترف به الصحفيون والأكاديميون مؤخرًا.

بتعبير آخر، مع أن الأمريكيين يقضون الوقت بمفردهم أكثر مما فعلت الأجيال السابقة، فليس من الواضح إن كنا حقًا أكثر وحدة. رغم مخاوفنا على الأفراد الأكبر سنًا في مجتمعاتنا، تظهر الأبحاث أن البالغين الأكبر عمرًا أسعد في عزلتهم، مقارنةً بما يوحي به مصطلح الوحدة.

وسائل التواصل الاجتماعي تزعج عزلتنا:

لا تظهر فوائد العزلة تلقائيًا حالما نأخذ استراحة من المجتمع، بل تظهر عندما نكون حقًا وحيدين، عندما نتعمد اقتطاع الوقت وتخصيص المكان للتواصل مع أنفسنا، لا عندما نكون وحيدين أمام شاشات أجهزتنا الإلكترونية.

وجد البحث أن احتمال الحصول على الآثار الإيجابية للعزلة يقل عندما يكون معظم الوقت الذي نمضيه وحدنا أمام الشاشات، خاصةً عندما نمضيه في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي بلا هدف.

يكون القلق الجماعي في محله في تلك الحالة، خاصةً عند الحديث عن الشباب الذين يبتعدون عن التواصل المباشر لصالح الحياة الافتراضية على نحو متزايد، وقد يشعرون ببؤس شديد لذلك.

لا يمكن أن نكون بمفردنا حقًا ونحن نستخدم وسائل التواصل الاجتماعي، فهي -مثلما يقول اسمها- اجتماعية، فالوقت الذي نقضيه عليها ليس الوقت الشخصي المفيد الذي نطمح إليه.

توجه العزلة الحقيقية الانتباه للداخل، إنها وقت للتمهل والتفكر، وقت نمضيه كما نحب لا كما يحب أي شخص آخر. وقت لنكون متاحين عاطفيًا لأنفسنا لا للآخرين.

عندما نمضي عزلتنا على هذا النحو نحصل على فوائد العزلة حقًا، إذ نشعر بالراحة والتجدد ونحصل على الصفاء والتوازن العاطفي، ونشعر بأننا أكثر حرية وأكتر ارتباطًا مع أنفسنا.

لكن إن كنا مدمنين على الانشغال فقد يكون من الصعب أن نتمهل، وإن كنا مدمنين على النظر إلى الشاشات فقد يكون النظر إلى دواخلنا مخيفًا، وإن لم تكن لدينا المهارة لفهم الوحدة بوصفها حاجة صحية للإنسان فإننا نضيع وقتنا في الشعور بالذنب أو الغرابة أو الأنانية.

أهمية إعادة تأطير العزلة:

يُعد اختيار الناس قضاء الوقت بمفردهم تحديًا للعرف الثقافي، وقد يكون من الصعب تغيير النظرة السلبية للعزلة، ولكن عددًا متزايدًا من الأبحاث يشير إلى إمكانية تغيير طريقة التفكير الشائعة حول العزلة.

وُجِد مثلًا أن النظر إلى العزلة بوصفها تجربة نافعة عوضًا عن كونها تجربة موحشة ساعد على التخفيف من المشاعر السلبية المتعلقة بالوحدة، حتى لدى المشاركين الذين كانوا شديدي الوحدة. من ينظرون إلى الوقت الذي يمضونه بمفردهم كونه مملوءًا لا فارغًا يحتمل أن يشعروا بأن هذا الوقت ذو قيمة وأن يستعملوه لأهداف تتعلق بالنمو والتطور، مثل التفكر والتأمل.

يؤدي تعديل لغوي بسيط مثل استبدال كلمة العزلة بمصطلح الوقت الخاص إلى إضفاء نظرة أكثر إيجابية على الوقت الذي يمضيه الناس بمفردهم سواء من ناحيتهم أو من ناحية الأقارب والأصدقاء أيضًا.

صحيح أن عدم وجود مجتمع من العلاقات المقربة لنعود إليه بعد كوننا وحيدين قد يؤدي إلى العزلة الاجتماعية، لكن التفاعل الاجتماعي الزائد مكلف أيضًا، وهذا الحمل الزائد يؤثر سلبيًا في جودة علاقاتنا. إن التوجه السائد مؤخرًا نحو العزلة قد يعكس جزئيًا رغبة بالمزيد من التوازن في حياة مزدحمة جدًا، واجتماعية جدًا إن صح التعبير.

اقرأ أيضًا:

الشعور بالوحدة قد يزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية

التقليل من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يخفف مشاعر القلق والاكتئاب والوحدة

ترجمة: إيهاب عيسى

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: ميرڤت الضاهر

المصدر

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة انا اصدق العلم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من انا اصدق العلم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.