مارلين سلوم «نستثمر في أبنائنا»، هذا ما يرد إلى ذهنك حين تعلم أن السينما المصرية تستقطب أحد أبنائها الذين نجحوا في «هوليوود»، وأصبحوا من النجوم الشباب العالميين والمحبوبين جداً، وتتحمس لمشاهدته في الصالات العربية، قبل الأجنبية، وكأن شيئاً في داخلك يدفعك للتباهي أمام «الأجانب»، وحالك كمن يقول لهم «لقد استعدنا ابننا وها هو يتألق في أحضان وطنه ويقدم فيلماً بلغته الأم والجمهور العربي أول من سيصفق له».مينا مسعود نجم «ديزني»، الكندي المصري بطل أول فيلم مصري له «في عز الضهر»، والذي توقعنا أن نقفز معه وبه إلى مستوى الأفلام العالمية القوية والقادرة على تحقيق النجاح بكل المقاييس، لكن النتيجة جاءت أقل من الحلم والأمنيات والطموح، ربما نكون نحن من رفعنا سقف هذا الحلم متمسكين بذيل نجومية وشهرة مينا مسعود، متجاهلين إمكانيات السينما المصرية في الواقع، أو ربما نملك الكثير لكن ما تم تقديمه من قصة وإخراج وإنتاج، عجز عن الارتفاع إلى نفس مستوى الإبهار العالمي؟ باختصار ليس فيلماّ مصرياّ ولا هو فيلم عالمي، ولكنه تائه بين سماء طموح أبطاله، ومحدودية الإمكانيات.«في عز الضهر» فيلم كان من الممكن أن يكون «حدثاً» في مصر والعالم العربي، صحيح أن مينا مسعود ليس أول ممثل من أصول مصرية أو عربية عموماً يصل إلى الشهرة العالمية ويتمنى تقديم عمل سينمائي في بلده الأصلي، لكن كل التجارب السابقة تؤكد أن النجم العالمي لا يمكنه وحده رفع مستوى أي فيلم يقوم ببطولته ليصبح عالمياً، واسم النجم وحده لا يكفي لجذب الجمهور من مختلف أنحاء العالم، فالأفلام التي قدمها النجم الكبير عمر الشريف في بلده مصر بعد نيله النصيب الأكبر من الشهرة والنجومية في السينما العالمية، لم تحمل مواصفات العالمية ولم تصل إلى الصالات الأجنبية لتصبح علامة مميزة يتحدث عنها الجمهور الغربي، كذلك لم يكف وجود اسم نجمة بحجم داليدا في فيلم «وداعاً بونابارت» للمخرج الكبير يوسف شاهين كي يضمن نجاح هذا العمل في أوروبا أو أمريكا أو حتى في العالم العربي. أصول عربية يسعدنا طبعاً أن يتباهى كل نجم عالمي يحمل أصولاً عربية بجذوره وبلده ولغته الأم، ويسعدنا أكثر أن يقدم محاولات وأن يعمل مع نجوم من بلده، خصوصاً أن مينا مسعود نجم شاب ومحبوب ولديه الكثير من المعجبين الشباب، ولا شك أنه يستطيع جذبهم لمشاهدة أعماله وربما زيارة بلده مصر. إنما الأهم بالنسبة للصناعة السينمائية أن يجد مينا مسعود وأمثاله من النجوم العالميين- العرب أرضاً صلبة يقفون عليها، وأن يتم تقديمهم بما يليق بنجوميتهم من حيث جودة الصناعة السينمائية واكتمال عناصرها قدر الإمكان.. وهنا يقع مخرج الفيلم في اختبار أكبر، فكل الجمهور وكل النقاد يترقبون ويحكمون بشكل تلقائي عليه «هل أجاد استغلال قدرات هذا النجم العالمي وتوظيفها كما فعل المخرجون الذين عمل معهم في أفلام كبيرة مثل «علاء الدين» (2019)؟»، و«هل مينا مسعود الذي نراه في «في عز الضهر» المصري الأصول هو نفسه مينا الأجنبي في أفلام غربية؟».المخرج مرقس عادل قدم فيلماً جيداً من حيث الإخراج والتقنيات ومن حيث إجادته التركيز على مينا مسعود وتصدره المشاهد كبطل أول وأقوى، وقدم أكشن لا بأس به بالنسبة للسينما العربية لا العالمية، لكن نجاح «في عز الضهر» بقي منقوصاً رغم تصويره في عدة دول مثل إيطاليا والمغرب ومصر، ورغم مشاركة مجموعة كبيرة من النجوم المصريين فيه، وذلك بسبب عدم قدرة مؤلف الفيلم كريم سرور على تقديم حبكة قوية كما أراد لها أن تجمع بين الأكشن والدراما، فالبطل حمزة الحسيني لص محترف يتعاون مع فريق محترف أيضاً، وهو مطلوب من الأجهزة الأمنية وتتناول أخباره الصحف ووسائل الإعلام الغربية، واثق من نفسه جداً ومن قدراته، فجأة تعرض عليه برناديت (شيرين رضا) العودة إلى بلده الأصلي مصر من أجل إتمام عملية لن يتمكن منها سوى حمزة، هنا يجد نفسه حائراً بين مشاعره التي يغلب عليها الحنين وذكريات الطفولة يوم كان صبياً في التسعينات يلعب في الأحياء الشعبية في القاهرة ويتعرض للتنمر من قبل الأطفال الآخرين، وبين عمله والصفقة التي تعرضها عليه برناديت والتي تفرض الكثير من الحذر وتدخل فيها منظمات وأجهزة تجسس. صراع لا يبقى محصوراً ضمن مشاعر الطفولة والنشأة الأولى، بل تتطور إلى «الواجب الوطني» والانتماء والولاء للجذور.. صراع يجعل حمزة ممزقاً بين العمل والضمير. النجومية والشهرة لا غبار على القصة في خطوطها العريضة، فهي تشبه الكثير من القصص التي نشاهدها في السينما منذ الأزل، وهي مناسبة لبطل مثل مينا مسعود وظروف حياته، حيث يعود إلى جذوره في مصر بعد أن عرف النجومية والشهرة الواسعة في بلاد الاغتراب، تماماً مثل حمزة (مع فارق طبيعة المهنة).. إنما ما يحول دون ارتقاء القصة إلى مستوى النجاح الذي يجعلك مشدوداً ومتعاطفاً مع كل موقف وكل كلمة وكل حدث في الفيلم، هو قصر نفس كريم سرور في الكتابة، وهذا ما تلمسه في عدم انسيابية الأفكار وتسلسلها بشكل مترابط وموصول منذ اللقطة الأولى وحتى آخر مشهد؛ يتسلل إليك إحساس بأنك أمام فقرات مكتوبة على مراحل، تتقطع بفواصل من مشاهد الأكشن ومشاهد تنتقل بنا من بلد إلى آخر ومن موقع تصوير إلى آخر، شيء ما يفلت من بين يدي الكاتب يُبعدك عن الانجذاب بشكل يقطع الأنفاس طوال الوقت.حمزة الكاشف أو الحسيني بطل أكشن وفي نفس الوقت يستعيد مشاهد من طفولته تحيي فيه الجانب الإنساني، محاط بشخصيات فيها قدر كبير من الشر تشده نحو القاع كلما حاول التشبث بجذوره والنهوض بمشاعره الإنسانية الوطنية. البعد الإنساني مهم وضروري لمنح أفلام الأكشن رابطاً يقوي القصة ويجعل الجمهور يتعاطف معها ويتمسك بخيوطها ليمشي مع أبطالها ويبرر لهم ما يفعلونه، ويتغافل مثلاً عن أن حمزة لص رأيناه في أول مشهد من الفيلم يقوم بسرقة ملف مهم من أحد المصارف في بلغاريا بطريقة ذكية وبالتعاون مع فريق يتابع معه خطوة بخطوة كل التفاصيل، ساندرا (إيمان العاصي) التي تتحدث باللهجة اللبنانية، وديفو (محمود حجازي) الذي يتحدث المغربية.نجح مينا مسعود في التجربة المصرية، بل يستحق الإشادة لإتقانه اللهجة المصرية، وكأنه لم يغادر بلده ولم يعش ويتعلم ويمثل في أفلام أجنبية يوماً؛ وكل الممثلين أدوا المطلوب منهم وفق المساحة المتاحة لهم، ولولا تقطع حبال الحبكة لحقق الفيلم نجاحاً أكبر ولتفاعلنا بالإيجاب مع ما يلمح إليه في نهايته بوجود جزء ثان له. لهجات متنوعة أراد صناع «في عز الضهر» جعل الفيلم عالمياً من خلال استخدام لغات ولهجات متنوعة، كذلك من خلال تقديم عدد كبير من النجوم المصريين حتى ولو كضيوف شرف عابرين، محمود البزاوي وبيومي فؤاد وصبري عبد المنعم وإيهاب فهمي وياسر علي ماهر ونضال الشافعي وعلاء قوقة ومحمد علي رزق ومحمد عز، ناهيك طبعاً عن جميلة عوض التي تجسد دور ريم حبيبة حمزة، وشيرين رضا وإيمان العاصي ومحمود حجازي، تشكيلة جيدة لكنها لا تشكل أكثر من عنصر دعم للفيلم، لا يمكنه أن يسد فراغ ترابط الحبكة وغياب العمق في كتابة كل شخصية والتعمق في أسباب وجودها ومبررات دوافعها وتاريخها. التصوير الخارجي في بداية الفيلم خصوصاً خلال مطاردة الشرطة لحمزة والذي استمر لوقت لا بأس به ورافق سيارة البطل في الشوارع ومن الجو، بشرنا بفيلم أكشن مهم، لكنه لم يحافظ على نفس الوتيرة، بل بدت المشاهد في القاهرة أقل إتقاناً وإمتاعاً؛ علماً أن المخرج برع في التعبير عن مشاعر البطل وكأنه سجين نفسه وماضيه ويعيش في دوامة البحث عن أصوله من خلال كادر الكاميرا الذي ركز فيه على حمزة وملامحه ومشاعره. يحسب للمؤلف أنه لم يجعل بطله نموذجاً مثالياً بل لصاً ذكياً، وعاد بنا وبه إلى الوراء ليربط بين الماضي والحاضر فيكتشف المشاهد ما عاشه حمزة وأوصله إلى ما هو عليه اليوم؛ كما ركز على الصراع النفسي بين حمزة وذاته من جهة، وحمزة و«صديقه» ديفو من جهة ثانية، بالإضافة طبعاً إلى الصراع الذي ذكرناه سابقاً بين عمله والمهمة المكلف بها من جهة وولائه لوطنه وجذوره من جهة أخرى. [email protected]