في بعض الأحيان، نحتاج إلى أحداث قاهرة لتحفيز تحولات أعمق، ويبدو أن «العاصفة المثالية» تحدث الآن في المشهد المالي. تُظهر أبحاث بنك UBS أن النساء يتحكمن حالياً بـ32% من الثروة العالمية، وهي نسبة مستمرة في الارتفاع مع دخولنا عام 2025. هذا التحول لا يُعد مجرد تطور ديموغرافي، بل ُيعيد تصّور كيفية تقديم المشورة وإدارة الاستثمارات. صعود «اقتصاد هي» SHEconomy التأثير الاقتصادي المتزايد للنساء، إلى جانب نمو الاستثمارات البديلة، يمثل إحدى أهم الفرص في عالم المال اليوم، فمن المتوقع خلال خمس سنوات أن تتحكم النساء بـ38% من الأصول القابلة للاستثمار، أي ما يعادل 30 تريليون دولار من القوة المالية. النساء أصبحن المستفيدات الرئيسيات من الميراث، كما أن قوتهن الشرائية ونفوذهن في إدارة شؤون الأسرة المالية في تزايد مستمر. تُظهر أبحاث UBS أن النساء يُدرن هذه الثروة بأسلوب مختلف، يركز على المرونة والغاية والتفكير طويل الأمد، ويرتبط ذلك جزئياً بطول متوسط أعمارهن. ورغم هذا النمو، لا تزال هناك حواجز كبيرة: فجوات في التمويل، وصول محدود إلى الفرص الاستثمارية، وصور نمطية قديمة عن المخاطر والقيادة، خاصة في قطاع الاستثمارات البديلة الذي يهيمن عليه الرجال. وهذه التحديات تكون أشد وطأة على النساء الملونات أو من خارج الشبكات المالية التقليدية. وإذا أراد القطاع اغتنام هذه الفرصة حقاً، فعليه إزالة هذه العقبات وتبنّي ممارسات أكثر شمولاً. مؤشرات التقدم والقوة لحسن الحظ، بدأت التغييرات تحدث بالفعل، فعلى الرغم من هذه التحديات، تبرز اتجاهات واعدة. النهج الاستثماري طويل الأمد والقائم على القيم الذي تتبعه النساء، والذي يركز على الاستدامة وجودة الحوكمة والتخطيط حسب مراحل الحياة، يتماشى جيداً مع العديد من استراتيجيات الاستثمار البديلة. كما أن الاستثمار بمنظور النوع الاجتماعي يلقى رواجاً متزايداً. وتحدد أبحاث UBS ثلاث طرق متكاملة لهذا النوع من الاستثمار: • الاستثمار لصالح النساء: عبر منتجات وخدمات تلبي احتياجاتهن • الاستثمار في النساء: بدعم الشركات التي تقودنها • الاستثمار عبر النساء: من خلال تشجيعهن على قيادة المحافظ والمشاريع الاستثمارية. الواقع أن النساء يقدن حالياً موجة تأسيس شركات خاصة وصناديق رأس مال مغامر ومنصات إقراض بديل تركز على سد الفجوات الجندرية. وقد أثبتت الدراسات أن فرق الاستثمار التي تتمتع بقيادة نسائية قوية تُظهر تقييماً أكثر حكمة للمخاطر، وتقل فيها تقلبات المحافظ، وتُحقق عوائد مساوية أو أفضل. كما تلعب النساء دوراً بارزاً في دمج عوامل البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG)، حيث إن 64% منهن يأخذن هذه العوامل بعين الاعتبار دائماً في قراراتهن الاستثمارية. هذا التوجه يقود رؤوس الأموال نحو الاستثمار التأثيري، والأسهم الخاصة المستدامة، والبنية التحتية الخضراء. وتُظهر أبحاث GIIN أن 84% من المستثمرين بمنظور النوع الاجتماعي يستهدفون أيضاً حلول المناخ، إدراكاً لارتباط التحديات ببعضها. فجوة المستشارين ورغم كل ذلك، هناك فجوة كبيرة في كيفية خدمة المستثمرات، فرغم تحكم النساء بما يقارب ثلث الثروة العالمية، فإن نسبة المستشارات الماليات لا تتجاوز 15-20%، وعدد أقل منهن متخصص في الاستثمارات البديلة. وتُفضل النساء غالباً أساليب تواصل تختلف عن تلك التي يقدمها المستشارون الذكور؛ إذ يركزن على الأهداف الحياتية والأمان بدلاً من الأداء مقارنة بالمؤشرات،وهن أكثر استعداًدا للنظر في البدائل إذا عُرضت عليهن من قبل مستشارين يفهمون تجاربهن. تعقيد هذه الاستثمارات يتطلب مستشارين قادرين على تبسيط الاستراتيجيات المعقدة وجعلها مفهومة ومتصلة بحياة العميل، وهي مهارة تتميز بها النساء بفضل أسلوب تواصلهن المتعاطف ونهجهن الشمولي في التخطيط المالي. تضيف المستشارات أيضاً منظوراً مهماً في التخطيط للثروات بين الأجيال، خاصة مع تسارع “التحول الكبير في الثروة”، ما يفتح أبواباً لعلاقات أعمق مع العملاء تتجاوز حدود الإدارة التقليدية للأصول. خطوات عملية لكل من ترغب في دخول أو التوسع في مجال الاستثمارات البديلة ضمن خدمات إدارة الثروات، هناك بعض الخطوات المجدية: • تطوير المعرفة في استراتيجيات الاستثمار ومهارات التقييم (وتُعد جمعية CAIA حليفاً ممتازاً في هذا المجال) • البحث عن رعاة مهنيين (وليس فقط مرشدين) • الانضمام إلى شبكات استثمارية نسائية • إنشاء نوادي استثمار لتبادل الخبرات كذلك، فإن تطوير أطروحات استثمار تجمع بين الأهداف المالية والأثر المجتمعي مع التركيز على قطاعات مرتبطة بخبرتك الشخصية ُيسهم في مواءمة الاستثمارات مع القيم. مع اقترابنا من عام 2030، فإن المؤسسات المالية التي تنجح في إشراك النساء كمستثمرات وقائدات ومبتكرات ستقود مستقبلاً متحولاً لإدارة الثروات، قائماً على تنوّع وجهات النظر لمعالجة التحديات العالمية المعقدة. إن ما يُعرف بـ «التحول الكبير في الثروة» لا ُيغير فقط من يملك رأس المال، بل يغيّر كيف ُيستخدم هذا المال في تشكيل مستقبلنا المشترك.