الشارقة: عثمان حسن بالعودة إلى الوراء ومنذ نحو عشرين عاماً، كانت الحركة المسرحية في الإمارات قد بدأت تزهو بإبداعات لعدد من المبدعين المسرحيين، الذين شكَّلت أعمالهم الفنية علامات مضيئة في مسيرة الحركة المسرحية المحلية.. نحن في العام 2006 وأمام عمل مسرحي لافت بعنوان «الظمأ» للممثل والمخرج المسرحي فيصل الدرمكي، ومن إنتاج فرقة مسرح كلباء، حيث وصف هذا العمل في حينه بالعرض الجاد، المكتمل العناصر الفنية والذي أتحف بطاقات فنية تمتع بحيوية الشباب، حيث شارك هذا العرض في ذات العام في مهرجان أيام الشارقة المسرحية وقد نال هذا العرض استحسان الجمهور حين عرضه وحصل على عدة جوائز على مستوى الإخراج والتمثيل. كان عرض «الظمأ» هو أول تجربة حقيقية لفيصل الدرمكي كمخرج مسرحي، حيث قدمه إلى جمهور عريض محلياً وعربياً، وشكَّل في حينه انعطافة حقيقية في مسيرته كمخرج مسرحي واللافت أن الدرمكي بعد عمله «الظمأ» قد بات مقتنعاً بأن الإخراج المسرحي، هو سبيله لتحقيق المزيد من النجاحات وهو الذي ترجمه من خلال أعمال كثيرة عرضت في مهرجانات محلية وعربية وقد حققت الكثير من النجاحات. نظر النقاد العرب إلى مسرحية «الظمأ» بوصفها واحدة من الأعمال المؤسسة التي توافرت فيها جملة من عناصر النجاح على صعيد المضمون والشكل وهي واحدة من العروض التي نقلت الساحة المحلية إلى بداية فيها الكثير من التجريب الفني الذي يليق بالمسرح وينقل المشاهد إلى مستوى جديد من الفرجة التي تمزج بين الإبهار والدهشة من جهة وبين التفكير العميق بجدوى «أبو الفنون» كنافذة نطل من خلالها على القضايا الجادة الاجتماعية والمصيرية، لقد حقق عرض «الظمأ» خلال مشاركته في 2006 في أيام الشارقة المسرحية نقطة مضيئة في مسيرة المسرح الإماراتي، نحو بوابة الفن الجاد والنبيل والراقي. اشتغال مسرحي نظر النقاد إلى عرض «الظمأ» بوصفه يتمتع باشتغال مسرحي حقيقي، بدءاً من نصه القوي والمتماسك، الذي انتقل بجمهور المسرح عبر فرجة مسرحية درامية ومتدرجة صعوداً وبطريقة مدروسة على نحو احترافي. فقد مزج العمل بين الصورة والنص الأدبي بطريقة مدروسة وتناغمت فيه كل أشكال العرض المسرحي الناجح من حيث قوة الممثلين على الخشبة وتكامل عناصر اللعبة الفنية بما فيها من سينوغرافية لافتة وناجحة، فقد استطاع المخرج فيصل الدرمكي أن ينقل نص العرض إلى صورة بصرية تفوقت على نفسها ونجح في استثارة اهتمام المتلقين بما حمله العمل من تأويلات وإيحاءات رمزية كانت ناجحة وموفقة إلى حد بعيد. ومن ذات السياق، فقد أمسك الدرمكي بثنائية الإيقاع والحركة على الخشبة، فلكل حركة صوتها ووقعها المدروس على نحو محكم، ولا زوائد بين انتقالة مشهدية وأخرى، سوى في مدى اقترابها أو ابتعادها عن فضاء النص وما يحمل من جرعة إيحائية ودلالية مدروسة. نشأ نص العمل من فكرة مستلهمة من التراث، تتحدث عن صراع شخصيتين على الماء، أو بعبارة أخرى (رحلة البحث عن الماء) من خلال البطلين: جمعة علي، وأحمد ناصر، في محاولة منهما لإنقاذ قريتهما من شح وندرة المياه، فيعيشان رحلة أليمة مملوءة بالصعاب، وحين يعثران على الماء، تبدأ رحلة أخرى من الصراع، فيدب الخلاف بينهما، حول مسألة نقل الماء إلى القرية، أحدهما يؤيد ذلك، فيما الآخر يعارض، محاولاً الاستيلاء على الماء، يفجر هذا الصراع المستجد، جانباً من النوازع البشرية الشريرة، انطلاقاً من فكرة «البقاء للأقوى». في ظل هذه الفكرة البسيطة والعميقة التي طرحها نص العمل، ينتقل عرض «ظمأ» لمعالجة كثير من الإسقاطات الاجتماعية والسياسية، فيغوص متنقلاً عبر الأزمنة، ويبوح بما في داخل الشخصيات من نوازع شتى سواء كانت إيجابية أو سلبية وهو بالضرورة، يحمل خصوصية أخرى ذات صلة ببطلي العرض اللذين قدما فرجة مسرحية مقنعة، وصولاً إلى مجاميع العمل وطواقم الديكور والإضاءة وغيرها من العناصر السينوغرافية. نجاح عرضت مسرحية «الظمأ» في مهرجان دمشق المسرحي ال13 في نوفمبر من العام 2006 وقد استقبل النقاد السوريون هذا العمل بحفاوة تليق به، فكرة وإخراجاً ومن حيث الأداء المبهر لمجاميع العمل ومما كتب عن هذا العرض في حينه، أنه «رغم بساطة الفكرة، فقد قدم إسقاطات كثيرة اجتماعية وسياسية· واستطاع المخرج فيصل الدرمكي أن يمسك وببراعة بوحدة الشكل والمضمون، ويقدم اقتراحات بصرية ملفتة، حين استخدم الجسد الإنساني للإيحاء بالخلفيات المكانية والزمانية، كما نجح في ضبط إيقاعه الصوري وإيقاعه السمعي والحركي، وهذه العناصر الأساسية نادراً ما تتوفر في عروض تدّعي الخبرة القديمة». كما وصف النقاد الدرمكي من خلال عمله هذا بالمخرج الرسام بامتياز على خشبة المسرح والذي أعطى المتفرج فرصة للتلقي السليم والتأويل. فقد وصف الناقد المسرحي السوري أنور محمد عرض «الظمأ» بأنه «عمل قدم مشاهد غنية بالصراع وقدم أفكاراً تتحرك، حركها المخرج فيصل الدرمكي على الخشبة في مشاهد غنية بالصراع، غنية بمضمون انفعالي كان يرفع حرارتنا ونحن نتفرج على الحقيقة الدرامية لأسطورة البحث عن الماء في صحراء». وحين عرضت «الظمأ» ضمن فعاليات مهرجان دبي لمسرح الشباب في العام 2016، أي بعد 10 سنوات على تقديمه واظب هذا العمل على تحقيق النجاح، كعرض مشغول بحرفية ومفعم بالدلالات والرموز وأجواء السينوغرافيا المدهشة والجاذبة وذلك من خلال تجربة إخراجية ثانية للشاب عبد الله الحريبي.