الشارقة: سارة المزروعي
تشهد الحِرف اليدوية وعلى رأسها صناعة الفخار، عودة لافتة بين أوساط الأجيال الشابة، لكن هذه المرة من خلال منصات غير تقليدية، مثل المقاهي والمتاجر التي تحوّلت إلى فضاءات فنية مفتوحة، تتيح للزوار تشكيل الطين بأيديهم وابتكار قطع فنية تعبّر عن ذوقهم وهويتهم، لم تعد هذه التجربة تقتصر على التشكيل فحسب، بل تمر بمراحل متكاملة تبدأ باختيار الطين ومعالجته وتشكيله يدوياً، ثم تجفيفه وترميمه وتلوينه، في رحلة فنية تدمج بين المهارة والإحساس.
وأكَّدت إسراء محمد شجر، مساعد مدير مركز كولاج للمواهب ضمن نادي سيدات الشارقة، أن المركز يلعب دوراً محورياً في إحياء الفنون الحرفية بأسلوب حديث، يجمع بين الأصالة والتجديد ويغذي ارتباط المشاركين بهويتهم الثقافية.
ويقدّم مركز «كولاج للمواهب» تجربة فنية متكاملة تستهدف مختلف الفئات العمرية وتعزز روح الابتكار والتعبير الذاتي من خلال ورش تفاعلية تغطي طيفاً واسعاً من الفنون والمهارات اليدوية، تنطلق هذه المبادرات من حرص المركز على ترسيخ الفنون التراثية بأسلوب معاصر، حيث تُنظم ورش عمل متخصصة في الفخار والفنون اليدوية، بدءاً من عمر خمس سنوات وتشمل التشكيل اليدوي، استخدام عجلة الفخار، الصقل، والتلوين باستخدام أفران خاصة.
ولا تقف التجربة عند حدود الفخار فقط، بل تمتد التجربة لتشمل مجالات إبداعية متنوعة، مثل الرسم وصناعة الإكسسوارات العصرية والزراعة، ما يمنح المشاركين فرصة لصقل مهاراتهم وتوسيع آفاقهم الفنية.
ويتميّز المركز بالتنوع الموسمي، حيث تتغيّر مواضيع الورش بتغيّر المناسبات والفعاليات، لتبقى التجربة متجددة ومرتبطة بالسياق المجتمعي المحلي.بيئة آمنة
توفّر هذه الورش بيئة آمنة ومحفّزة على التعلّم، حيث يتحوّل الفن إلى وسيلة تعليمية ممتعة تمزج بين اللعب والتجربة والاكتشاف، ففي برنامج «بيكاسو الصغير»، مثلاً، يُشجَّع الأطفال على التعبير عن خيالهم وأفكارهم من خلال مشاريع فنية نابضة بالألوان، أما ورش الخياطة والكروشيه، فتمكّن المشاركات من تحويل الخامات إلى قطع فنية تعبّر عن ذوقهن الخاص.
ولا يقتصر دور كولاج على تقديم دروس فنية، بل يعيد صياغة مفهوم الترفيه التعليمي من خلال برامج تنمّي المهارات وتفتح آفاقاً جديدة لاكتشاف القدرات الفردية وتعزيز الثقة بالنفس في أجواء ملهمة، تُمكّن كل مشارك من صياغة قصته الفنية الخاصة.
وفي إطار حرصهم على الحفاظ على جوهر الحرف اليدوية، تؤكد إدارة المركز التزامها بالمنهج التقليدي كأساس رئيس في العملية التعليمية، حيث تُمنح التقنيات التقليدية أولوية في المراحل الأولى بهدف ترسيخ المفاهيم والمهارات الأصيلة وإرساء أساس فني متين، هذا النهج التدرّجي يُمكّن المشاركين من فهم عميق للحرفة ويفتح المجال لاحقاً لإدماج الأساليب الحديثة واللمسات العصرية التي تُثري التجربة الإبداعية دون التفريط بروح الفن وأصالته، ما يعزز قدرتهم على التعبير الحر وصقل هويتهم الفنية.
جمهور متنوع
تلقى الفنون الحرفية إقبالاً واسعاً من شرائح متنوعة، أبرزها العائلات، طلاب المدارس، المبدعون الشباب والمشاركون في الفعاليات الحكومية والخاصة، ما يعكس تنامي الاهتمام بالفنون الحرفية وقد تفوقت ورش الفخار على غيرها من الأنشطة في نسبة التفاعل، لما توفره من تجربة حسية غنية ترتبط بعمق بالهوية الإماراتية وتبرز الورشة، بفضل بساطتها وسهولة تعلمها، إلى جانب المساحة الإبداعية التي تمنحها للمشاركين لتشكيل قطع فنية تعبّر عن ذوقهم وهويتهم الشخصية.
وتقول إسراء محمد: نحن لا نقدِّم فقط مهارة، بل نفتح نافذة على تاريخ غني وإرث لا يزال حياً ونُعيد وصل الحاضر بالماضي بأسلوب تفاعلي نابض بالحياة.
ما يُميز هذه الورش أنها لا تكتفي بإحياء التراث، بل تُقدّم للمشاركين تجربة وجدانية تعيد وصل الحاضر بالماضي، حيث يتحوّل الفخار من مجرد مهارة يدوية إلى نافذة مفتوحة على إرث حضاري حي، تتجلى من خلاله قيم الانتماء والتقدير للجذور الثقافية. وبينما يرتكز الهدف الأساسي على الجانبين الإبداعي والتعليمي، لا يمكن إغفال الأثر النفسي العميق الذي يرافق هذه التجربة إذ يتولى هذا الفن دوراً تأملياً وعلاجياً غير مباشر، حيث يُسهم الانشغال بتشكيل الطين، وفقاً لتجارب المشاركين، في خلق حالة ذهنية هادئة تساعد على التخفيف من التوتر وتعزيز التوازن النفسي.
منصة احترافية
اللافت أن العديد من المنتسبات تحوّلن بمرور الوقت إلى فنانات محترفات، يصنعن قطعاً فخارية متكاملة تُعرض في معارض محلية، بل وشاركن في تقديم ورش تدريبية، ما يعكس التأثير العميق للبرنامج في تمكين المرأة ودعم ريادة الأعمال الإبداعية.
توضح إسراء محمد، تمثّل ورش الفخار والفنون اليدوية نواة فعلية لحراك ثقافي وفني عميق يمتد أثره إلى مختلف شرائح المجتمع، ففن الفخار لا يُعد مجرد حرفة تقليدية، بل يُنظر إليه كلغة ثقافية تنبض بأصالة المكان وتعكس قيم الإنسان المتجذّرة في البيئة المحلية.
ومع تزايد الإقبال على هذه الورش من فئات عمرية متنوعة، يلوح في الأفق مستقبل واعد لهذه الحرف، خاصة عند دمجها بذكاء ضمن الفضاءات العصرية مثل المقاهي، المتاجر، والمراكز المجتمعية، ما يتيح لها البقاء حيّة ومتجددة ضمن أنماط الحياة الحديثة. ولضمان استدامة هذا التفاعل، يجري تطوير المحتوى الفني والتعليمي للورش بما يتماشى مع تطلعات الجيل الجديد، مع الحفاظ على الجوهر التراثي للحرفة، لتظل حاضرة بقيمها وروحها في كل زمان ومكان.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.