يشكل جسر الذيد ذاكرة وجدانية حيةً للفيف من البشر، ليس في واحة الذيد فحسب، بل لكل من عرج وعبر الصحراء من الساحل إلى الساحل. كانت الذيد ومازالت نقطة جذب للبشر منذ ما يزيد على ألف عام من حضارة واحة النخيل التي عرفتها بانبلاج فلج شريعة الذيد، تلك المعجزة التي خلقت هذه الواحة الغناء وسط الصحراء، وهاجرت إليها القبائل من كل فج عظيم.
بالعودة لجسر الذيد، فبداية الحكاية وقصة الجسر مع تدشين شارع الذيد الشارقة في 7 مارس/آذار 1970، تطور الشارع من مسار واحد إلى مسارين مزدوجين في الاتجاهين عام 1977، وهنا بدأت قصة بناء جسر الذيد. مع انقطاع الطريق المؤدي إلى الشارقة تكراراً ومراراً مع عبور «البطحا» بسبب الأمطار الغزيرة، ما يتسبب في عزل الذيد عن المناطق الأخرى وبالتالي التأثيرفي مصالح الناس وأعمالهم اليومية، لذلك اتجهت الحكومة للبدء في بناء جسر الذيد هذا البناء العظيم الذي تم تدشينه في أوائل الثمانينات، ومن ثم إضافة الإضاءة إلى الشارع والسياج لحمايته عام 1984.
الجسر أول ما يستقبل الزائر لواحة النخيل وآخر ما يودعه، هو بوابة الذيد التي حملت ذكريات الماضي الجميل للعابرين والمستخدمين لنحو 5 عقود وهو يحرس المكان وهو العنوان الذي لا يتزحزح مع كل عبور للوديان.
في عام 1988 مع الفيضانات التي اجتاحت المنطقة، تسورت مسارت الجسر المفتوحة لألتقط صوراً لهدير مياه وادي الذيد المندفعة بين أعمدته، كان منظراً مهيباً بقي عالقاً في ذهني ووثقته الصور التي زينت كتابي «واحة الذيد 101 صورة».
الذكريات عن ذلك البناء بقيت خالدة، عكستها عدسات المصورين عبر الزمن ومشاهدات السيارات بمختلف فئاتها وهي تمخر عباب الصحراء يحملها جسر الذيد من مكان إلى آخر، لكي تسلك الطرق من بعد ذلك في كل الاتجاهات.
من ذكريات جسر الذيد وحنين الماضي الجميل أننا حين كنا صغاراً نضرب موعداً كل صباح جمعة عند مطعم الجسر، نتناول خبز «البراتا» و«الكيما» مع إشراقات صباحات الذيد، ونحن نراقب الجسر والعابرين له ومقصدهم الساحل الشرقي. وكنا نتحلق حول نافذة المطعم إذا ما مر رتل من الدراجات النارية ذات الأصوات المرتفعة، نتعجب من أصواتها ومختلف أشكالها الغريبة بالنسبة لنا في تلك المرحلة. وبعد الانتهاء من تلك الوجبة الأسبوعية نعود أدراجنا ونسلك الشارع عكس الاتجاه نزولاً إلى حافة الوادي تحت الجسر تفادياً لأعين الشرطة.
كان في آخر الجسر منطقة عرفت بالنقطة وقد شهدت الكثير من الأحداث، سميت بذلك الاسم نسبة لنقطة «التكاسي» أو سيارات الأجرة التي كانت تتوقف هنالك لكي تقل المسافرين إلى الشارقة ودبي وعجمان وأبوظبي. كان إلى جوارها أيضاً ملعب لكرة الطائرة نرتاده خاصة في رمضان بعد صلاة التراويح في مباريات قوية على أضواء إنارة الجسر، وهنالك أيضاً مغسلة فرحان وكراج تصليح السيارات الأقدم بالذيد والمسجد الكويتي الذي يمثل منارة وبصمة إيمانية منذ 1972.
هو سيل متدفق من الذاكرة حول جسر الذيد، ذلك البناء العظيم الذي له من الخصوصية بحجم هيكله الإسمنتي في قلوبنا، كانت السيارات تتوقف في أسفله لكي تتقي شمس الصيف، حيث كان يضرب «المداومون» إلى الشارقة موعداً تحت الجسر للقاء عند السادسة صباحاً، وحتى في المساء كان الجسر نقطة لقاء للشباب الذاهبين إلى الشارقة في تجمع لا يعكر صفوه إلا الدواب السائبة التي تحوم في المكان.
الحمدلله، بالأمس القريب بدأ واحد من المشاريع الكبيرة التي تتنظرها المنطقة الوسطى بشغف والتي تصب في صالح الأمن الغذائي، ما أثلج صدورنا نحن أهالي المنطقة، حول الجسر الجديد لبحيرة الذيد. ذلك المشروع الضخم سيكون أيقونة المشاريع بالمنطقة، حيث هدم «جسر الذيد» القديم لاستبداله بجديد بمواصفات قياسية ويتضمن 4 حارات في كل اتجاه، بجانب ممشى للأفراد ليتناسب مع مشروع «بحيرة الذيد» التي ستكون من أكبر البحيرات في المنطقة، وهي مشروع كبير قيد الإنشاء.
تهدف البحيرة إلى أن تكون مبرداً طبيعياً للمنطقة، حيث ستساعد في تلطيف درجة الحرارة المرتفعة في فصل الصيف، بالإضافة إلى كونها خزاناً استراتيجياً للمياه، فهي ستحتوي على 420 مليون غالون، كما أن طول البحيرة يبلغ كيلومترين و300 متر، وعرضها 200 متر بعمق 3 أمتار ويقطعها جسر الذيد، فشكراً سلطان الخير، صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.