أجمع مشاركون في ندوة تكريم الراحل محمد بن عيسى، الدبلوماسي والوزير السابق والرئيس المؤسس لمنتدى أصيلة في المغرب، ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي الـ46، في دورته الخريفية، على قيمة الأثر الذي خلفه الراحل، ومكانته المعتبرة كرجل دولة مقتدر، ودبلوماسي محنك، أبان عن كفاءة عالية في مختلف المناصب الرفيعة التي تولاها، بكل تفانٍ وإخلاص، إلى جانب ما كان يتحلى به من خصال إنسانية رفيعة، ومن سعة الأفق والفكر وشغف بالثقافة.
وتميزت الندوة بعقد ست جلسات، فضلاً عن جلسة ختامية، قدم خلالها، على مدى ثلاثة أيام، ما يناهز أربعين شهادة، أبرزت جوانب متنوعة من شخصية بن عيسى، الدبلوماسي، والوزير، ورجل الدولة، والصديق، والمثقف والإنسان؛ قدمتها نخبة من الشخصيات الفكرية والسياسية من المغرب، ومناطق مختلفة من العالم العربي وإفريقيا، بقدر ما أكدت وفاءها لإرث الراحل بن عيسى، اجتمعت على احترام وتقدير تجربة رجل توحدت حوله مشاعر الفقد.
وأكدت شهادات المشاركين الذي عايشوا وجاوروا الراحل وقاسموه كثيرا من انشغالاته واهتماماته، على ضرورة صون إرث بن عيسى، الذي كان «مواطناً مغربياً وعربياً بأفق إنساني، اتسم بروح الانفتاح والتفتح»، بحسب ما جاء في الكلمة الترحيبية التي ألقاها حاتم البطيوي، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة.
وشدد البطيوي على أن بن عيسى غرس «نبتة طيبة سرعان ما أينعت وتحولت إلى شجرة فيحاء امتدّت أغصانها وظلالها شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً، وصار لها محبون في كلّ الأقطار، لأنّها انطلقت من روح خيّرة، ومن أجل أهداف نبيلة، تعلي من شأن الفكر والإبداع، وتضع شرف القيم الإنسانية السامية فوق كلّ اعتبار».
العضيد والرفيق
عبّر الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود، السفير السابق للسعودية لدى الولايات المتحدة، والأمين العام السابق لمجلس الأمن الوطني السعودي، عن تقديره لابن عيسى، الذي ربطته به «أواصر المحبة والأخوة والصداقة»، منذ فترة عملهما المشترك في واشنطن.
وقال الأمير بندر بن سلطان إن ابن عيسى كان «خير العضيد ونعم الرفيق، في الدفاع عن قضايا الأمتين العربية والإسلامية».
وأشار الأمير بندر بن سلطان، إلى امتنانه لمشاركته في عدد من دورات موسم أصيلة الثقافي الدولي، إلى جانب صديقه الراحل بن عيسى، مشيراً إلى أن علاقته به استمرت حتى بعد أن انتقل إلى «رباط العز والخير»، في إشارة إلى تعيينه وزيرا لخارجية المغرب في 1999.
وقال ماكي صال، الرئيس السنغالي السابق، إن موسم أصيلة الثقافي، أصبح، بفضل العمل الثمين الذي قام به محمد بن عيسى، إضافة إلى كونه «واجهة مضيئة للعبقرية المغربية»، يمثل «جسرا للوصل بين الشعوب والثقافات والحضارات على مر السنين».
ووصف ماكي صال الراحل، في كلمة مصورة، بـ«رجل الدولة، الدبلوماسي المخضرم، وخادم الثقافة بلا كلل».
الراعي والرائد
أشاد عمرو موسى، وزير الخارجية المصري الأسبق، والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، الجمعة، في أصيلة، بما قدمه الراحل محمد بن عيسى، الوزير والدبلوماسي المغربي السابق، من «خدمات جليلة لبلدته وبلده ووطنه وأمته».
وقال عمرو موسى، إن الفقيد كان «تجسيداً للمواطن المغربي، المرتبط وجدانيا بأمة عربية، ذات ثقافة ثرية، رغم تمتعه برابطة قوية بالثقافة الغربية». وأضاف، في معرض رسالة إلى الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، أن ابن عيسى «كان مزيجاً إيجابياً بين الثقافتين، ورابطا إيجابيا بين الذهنيتين»، مشيراً إلى أن هذا التنوع الثقافي أنتج «عقلاً متفتحاً، وذهناً وقاداً، ولساناً لبقاً».
المعلم الملهم
قال محمد نبيل الحمر، مستشار ملك مملكة البحرين لشؤون الإعلام، إنه عرف ابن عيسى «إنساناً مثقفاً، متواصلاً مع مجتمعه العربي، محباً للجميع». وأضاف: «رحل عنا جسدياً، لكن إرثه الثقافي والمعرفي، سيظل خالدا في ذاكرة كل من عرفه، أو تأثر بأفكاره ورؤاه».
وشدد نبيل الحمر على أن الراحل «كانت لديه رؤية واضحة حول أهمية الثقافة، كوسيلة للتواصل والتفاهم بين الشعوب»، كما «ساهم في بناء جسور من الفهم والتعاون بين الحضارات»، و«سعى جاهداً لتقديم الثقافة العربية للعالم، مؤكداً على امتزاجها مع الثقافات الأخرى».
رائحة الورد
اختار عبد اللطيف وهبي، وزير العدل المغربي، أن يوجه رسالة إلى «روح الصديق محمد بن عيسى»، تعبيراً منه على فداحة الفقد وحجم الفراغ الذي خلف رحيله. وقال: «صديقي ابن عيسى: ها أنت تتحدى فينا الطبيعة، لأول مرة دون عادتك تخلف الموعد، ترحل وتترك أصيلة وراءك، لا من يغازلها ولا حتى من يعاتبها، وحدها تصارع البحر الذي يتمدد، وذلك القطار الغبي الذي يمر بسرعة غير عابئ، حين كنت تعاتبني على بخل زيارتي لك في أصيلة».
أناقة الدبلوماسية
قالت أنا بلاسيو، وزيرة الشؤون الخارجية الإسبانية سابقاً، إن محمد بن عيسى «كان يجسد، بأناقة وانضباط، أفضل تقاليد الدبلوماسية العلوية، حيث تُجعل المجاملة والبروتوكول، أداة سياسية، لا مجرد زينة شكلية».
ورأت بلاسيو أن شخصية بن عيسى، تذكرنا «في أزمنة التبدل والبراغماتية الباردة، وغياب اللياقة الذي يطل علينا»، بأن «الدبلوماسية ليست مجرد مفاوضات عابرة، بل بناء صبور للثقة».
وأشاد جمال سند السويدي، نائب رئيس مجلس أمناء مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، بالراحل بوصفه «رائد الدبلوماسية والثقافة في المغرب والعالم»، قائلاً، في مستهل كلمته: «في كل أمة رجال يشكلون حلقة وصل بين حاضرها ومستقبلها؛ يغرسون بذوراً تبقى حية بعد الرحيل، ويمدّون جذور الانتماء في تربة المستقبل». وأضاف أننا «حين نفتقد من كرسوا حياتهم لخدمة الثقافة والفكر والوطن، لا يكون الرثاء مجرد تأبين، بل شهادة للتاريخ، ورسالة امتنان لما أنجزوه».
وتحدث السويدي عن علاقته بالراحل الذي وصفه بـالإنسان النبيل، والرمز الكبير للثقافة في العالم العربي والعالمي.
شخصية فريدة
قال محمد الحجوي، الأمين العام للحكومة المغربية، إن محمد بن عيسى «شخص لا يعوض»، مؤكداً أن خصاله كثيرة، وشخصيته فريدة، وانشغالاته متعددة. وأضاف أنه يعد أحد أعمدة الدولة، تولّى مهام حساسة في مراحل دقيقة من تاريخ المغرب، وترك بصمة قوية في خدمة الوطن وتعزيز حضوره.
روح
بينما توسع مصطفى نعمان، نائب وزير الخارجية وشؤون المغتربين اليمني، في إبراز إسهامات ومناقب محمد بن عيسى، تساءل فيكتور بورجيس، وزير خارجية الرأس الأخضر الأسبق، كيف يمكننا أن ننسى نظراته وغيابه، وهو من جعل أصيلة ملتقى للحوار بين شخصيات من مختلف قارات العالم.
وأكد بورجيس أن أصيلة شكّلت بالنسبة له مدرسة حقيقية، مشيراً إلى أن الكثير مما بات يعرفه عن إفريقيا والعالم العربي الإسلامي، يعود الفضل فيه إلى هذه المدينة، داعياً إلى صون إرث بن عيسى، والحفاظ من خلاله على روح أصيلة كفضاء للحوار والتلاقي.
وقال طارق غيلان، رئيس بلدية أصيلة، إن ابن عيسى علّمنا أن الثقافة ليست رفاهية، بل رافعة للتنمية وبوابة لإشعاع البلد عالمياً، كما أشار إلى الخصال الإنسانية التي ميزت بن عيسى، ومن ذلك صدقه الوطني، خدمته لمدينه، غيرته على بلده، واعتزازه بهويته المتعددة. كما تحدث عن ابن عيسى الإنسان، الذي تميز بدماثة الخلق وحسن المعاشرة ورقة المعاملة.
وقال محمد نبيل بنعبد الله، الوزير والسفير السابق، وأمين عام حزب التقدم والاشتراكية المغربي، إن ابن عيسى، فضلاً عن الشغف الذي يَسكُنُهُ إزاء كل ما يهتمًّ به، كان رجلا «يملك من الكاريزما ومن الحضور الطاغي، ما يجذب الانتباه إليه، منذ أول لقاءٍ معه. صوتٌ جهوري، إتقانٌ بطلاقة للغاتٍ متعددة، متحدثٌ بارع، جَمَعَ ما بين العُمق والطرافة، بين سلاسة التعبير ووضوح الفِكرة، بين مرونة الحوار والإنصات، والقُدرة الهائلة على الإقناع، ما أكسبَهُ سحراً ناعماً، فتح أمامه أبواباً وعلاقاتٍ، ما كانت لتُفتح لغيره».
ابتسامة
وجه الشيخ تيجان غاديو، رئيس المعهد الإفريقي للإستراتيجيات (السلام – الأمن – الحوكمة)، ووزير الشؤون الخارجية في السنغال سابقاً، «تحية إجلال إلى إنسانيةٍ متجسدة، إلى رجل ثقافة، دبلوماسي بارز، منشد الكونية، وصانع لا يكلّ من أجل حوار الشعوب والثقافات».
ورأى عبد الرحمن شلقم، وزير خارجية ليبيا سابقا، أن محمد بن عيسى «كان حشداً من الرجال والعقول، مكتبة تتحرك في مسار طويل، من عبر بابها سكنها، ولا يغادر دنياها».
وقال حسن أبو أيوب، الوزير السابق وسفير المملكة المغربية لدى رومانيا، إن محمد بن عيسى «ينتمي إلى تلك الفئة النادرة من الأشخاص الموهوبين»، مشيراً إلى أن شخصيته الغنية جمعت بين قدرات فكرية عالية، وحساسية مرهفة، وإبداع يتغذى من فضوله وكماله. واستمدّ زاده الثقافي من منابع متنوعة: العربية، الإفريقية، اللاتينية، الإسبانية والأنجلوسكسونية، فحاول أن يصوغ منها توليفة فكرية معقّدة بطبيعتها، تجلت في تواضعه، ولباقته، وانفتاحه النادر.
وقال الحسن ولد لبات، الأستاذ الجامعي، ووزير خارجية موريتانيا سابقاً، إن محمد بن عيسى كان سبّاحاً ماهراً في فضاءات عوالم متنوعة، حاذقاً في نسج الصلات والصداقات، مع جموع غفيرة من رجال السياسة والفكر والفنون، من شتى المشارب والألوان.
وقال محمد الهادي الدايري، وزير خارجية ليبيا سابقا:عندما نتحدث عن ابن عيسى، لا تواجهنا صعوبة في ذلك، لكن التحدي قد يطرح نفسه، عندما نتطرق إلى أحد معالم شخصيته التي تريحنا، لأننا عرفناه من خلالها. لكن سيرته، لا يمكن اختزالها في الثقافة أو الدبلوماسية، وهو ما عرف عنه نتيجة مسؤوليات، اضطلع بها على رأس وزارتي الثقافة والخارجية في المغرب.
وصية
تحدث محمد أيت وعلي، سفير المغرب في القاهرة، عن الراحل، كما عرفه واشتغل إلى جانبه في موسم أصيلة ومؤسسة المنتدى، مشيراً إلى أن ابن عيسى رحل تاركا ًهذه المؤسسة غير الحكومية الكبيرة والغنية، وقد «نضجت واشتد عودها، وأدركت نضجها».
وقدم الكاتب والإعلامي المغربي الصديق معنينو، جملة ملاحظات حول بن عيسى، الإنسان والمسؤول والفاعل الثقافي، مشدداً على أنه طوع الثقافة للسياسة، ومارس السياسة بذكاء.
وقال الكاتب الصحافي اللبناني خير الله خير الله، إن محمد بن عيسى، كان كتلة من النشاط، في كلّ عمل مارسه، وفي كلّ مهمّة أوكلت إليه، كما «كان السهل الممتنع»، و«رجالاً عدة في رجل واحد»، كان «هاجسه في كلّ ما فعله، خدمة المغرب».
وتحدث مصطفى الخلفي، الباحث والوزير المغربي السابق، عن «العرفان لرجل كانت له بصمة استثنائية في تاريخ بلدنا»، مشدداً على أنه «لا ينبغي علينا أن نبخس الناس أشياءهم».
وتحدث ماضي الخميس، الأمين العام للملتقى الإعلامي العربي في الكويت، عن ابن عيسى، وقال إنه «كان كريما معه في كل شيء، صريحاً، عميقاً، ومؤمناً بأن لا نهضة بدون حرية، ولا تقدم بدون فكر مستنير».
ووجه جمال فخرو، النائب الأول لرئيس مجلس الشورى في مملكة البحرين، رسالة لابن عيسى «الإنسان ذو القلب الكبير، ناصع البياض، الحنون، العطوف، الكريم، ذو الأيادي البيضاء، والمحب لأبناء مدينته أصيلة، وبلاده المغرب، وعالميه العربي والأفريقي والإنساني» - عنوانها «لا نتذكرك لأننا لا ننساك»
روح قيادية
استعرض سعيد بن سعيد العلوي، الروائي والأستاذ الفخري المغربي، جوانب من شخصية محمد بن عيسى، الذي تختصر شخصيته في صفة القدرة، مجسدة في القيادة، والرئاسة، والزعامة، والاستطاعة والقدرة على التغيير.
ووجه أحمد المديني، الكاتب الروائي والناقد الأدبي المغربي، رسالة إلى ابن عيسى، مما جاء فيها: «أكتب إليك سيدي، أعترف لك وأعتذر، أني لم أعرفك كما ينبغي لي مبكراً، لكنها كما علمت اختياراتُنا وأقدارنُا، كانت أكبرَ منا، ركبنا جموحنا وكلٌّ يقول إنه سيصنع وحده اليوم والمصير».
شفافية
توقف عبد الوهاب بدر خان، الكاتب الصحفي اللبناني، عند ما يميز ابن عيسى، وإلى أي حد كان شفافاً، الجميع يعرف كل جوانب شخصيته، من الدبلوماسي إلى المثقف إلى السياسي.
وقدم ادريس الكراوي، والباحث الأكاديمي المغربي ورئيس الجامعة المفتوحة للداخلة، خلاصتين تميزان تجربة وسيرة ابن عيسى أولاهما في أن كل ما يفعله المرء في حياته له معنى، والثانية أن الفقيد رجل بصم تاريخ بلاده وذاكرة مدينته، وأعطى أجمل ما عنده لوطنه الذي لن ينساه.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.