منوعات / صحيفة الخليج

فاطمة البلوشي: العلاقات الأسرية.. عزلة صامتة خلف شاشات مضيئة

الشارقة: سارة المزروعي

يزداد تأثير الثورة الرقمية على الأسرة، وفي هذا الصدد تشير د. فاطمة علي البلوشي، الباحثة الاجتماعية والمختصة الاستراتيجية الحاصلة على «البورد» في التخطيط الاستراتيجي والبورد الأوروبي لإعداد القادة، في حديثها إلى «الخليج»، إلى أن الهواتف الذكية وتطبيقات التواصل لم تعد مجرد أدوات تقنية، بل أصبحت جزءاً من نسيج الحياة اليومية داخل البيوت، ما أدى إلى تغييرات عميقة في طبيعة العلاقات الأسرية.
وأضافت: «رغم ما تحمله هذه الطفرة التكنولوجية من إيجابيات، فإنها خلّفت تحديات اجتماعية وتربوية مقلقة، أبرزها تفكك الروابط بين أفراد الأسرة، وتراجع الحوار المباشر، وازدياد ما يُعرف ب«العزلة الرقمية»، حيث يجتمع أفراد الأسرة تحت سقف واحد، لكن كلاً منهم غارق في عالمه الرقمي الخاص».
ولتسليط الضوء على هذه الظاهرة المتصاعدة، وأثرها في تماسك الأسرة، كشفت د. فاطمة البلوشي عن أبرز التحديات النفسية والتربوية الناجمة عن الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية، وقدّمت مجموعة من الرؤى والتوصيات العملية لإعادة التوازن والدفء إلى العلاقات الأسرية في ظل هيمنة الشاشات.

وعن انعكاس غياب التواصل المباشر على أداء الأبوين التربوي داخل الأسرة، تقول د. فاطمة البلوشي: مرّت بنية الأسرة الحديثة بتحوّلات تاريخية واجتماعية واقتصادية وعمرانية متراكبة، ولا يمكن فهم الأسرة بمعزل عن بقية المؤسسات الاجتماعية ولذلك انعكس انتشار الهواتف الذكية ووسائل التواصل على علاقة الأبوين بأبنائهم عبر ثلاث وظائف محورية: التربوية، والعاطفية، والاجتماعية. فالاختلال الأول هو اختلال الوظيفة التربوية للأسرة، حيث تمثل الأسرة النواة الاجتماعية الأولى المسؤولة عن مهمّة التلقين، وترسيخ العديد من العادات والقيم الأخلاقية، والمبادئ والمهارات التي نصّ عليها المجتمع، فهي النظام الإنساني الأول الذي يتعلم فيه الفاعل الاجتماعي المبادئ الأولى، ويتواصل مع الآخرين ويتفاعل معهم ضمن عملية التطبيع الاجتماعي حتى يتمكن من التفاعل والتواصل مع المادية والاجتماعية.
وتتعرض الأسرة المعاصرة إلى العديد من الضغوط التشغيلية، ما يُبعدها عن وظيفتها الأساسية والأصلية، وهي التربية، وهذا يقلل فاعليتها في أدائها لهذه الوظيفة، وقد يدفع هذا أبناء الأسرة إلى الابتعاد عنها، وهذا يسهم في بروز وسائط جديدة تقلل من فرص التفاعل الأسري. أما اليوم، فقدت الأسرة قدرتها على الاستمرار كمرجعية قيمية وأخلاقية لأفرادها، بسبب نشوء مصادر جديدة لإنتاج وتوزيع هذه القيم، ومنها وسائل التواصل الاجتماعي، ما قلّل تدريجياً من السلطة الأبوية في الأسرة.


تضيف د. فاطمة البلوشي: في هذا الإطار، نعرض لبعض العوامل التي دعمت الدور التربوي لوسائل التواصل الاجتماعي في المجتمعات الخليجية بصفة عامة، ومن بينها أساساً الوالدين وظيفتهما التربوية لشخص آخر مثل العاملة المساعدة في المنزل، من حيث التنشئة والتربية وغيرها، نظراً لانشغال الأبوين، الآباء والأمهات بوسائل التواصل الاجتماعي.
أيضاً، اختلال الوظيفة العاطفية للأسرة، حيث تحمي الأسرة وظيفة مهمة لأعضائها، تتمثل في إشباع احتياجاتهم الضرورية، التي منها ما هو ذو طبيعة فسيولوجية ونفسية ومعنوية، مثل الشعور بالأمان والمحبة والانتماء إلى هذه الأسرة.
وتهدف هذه الوظيفة النفسية والعاطفية التي تحققها العائلة إلى حماية أفرادها من آثار التقنيات الحديثة، إلا أن التحولات التي عرفها العصر الحديث، وما خلفته من تغيّرات في الثقافات وأنماط المعيشة المحلية، جعلت الأسرة تتأثر بهذه الوسائل، وما نشرته من ثقافات أخرى أثّر بشكل سلبي في الأسرة.

انفصال ذهني


تقول د. فاطمة البلوشي: «إضافة إلى ذلك تعاني الأسرة اليوم انفصالاً ذهنياً بين أفرادها، على الرغم من وجودهم في مكان واحد، ولكن لا يشعر أحد بوجود الآخر في مقابل تركيز كل فرد على وسائل التواصل التي تتطلب الفردية، وإلى درجة عالية من التركيز».
اختلال الوظيفة الاجتماعية للأسرة، حيث تُعتبر العلاقة الأسرية أولى العلاقات الاجتماعية التي يمارسها الفرد في حياته، وهذه العلاقة الاجتماعية يُقصد بها تنظيم وضبط العناصر التي تظهر في الفعل الاجتماعي داخل الأسرة. ويرى العديد من الباحثين أن طبيعة العلاقة بين الآباء والأبناء ومستواهم الاجتماعي والثقافي تؤثر في سلوك أبنائهم، وفي شكل علاقاتهم الاجتماعية، وقد أصبح هذا بدوره مضطرباً، والوضع الأسري يعاني عزلة واكتئاباً وغيرها.

قدوة سلبية


- هل يُعدّ استخدام الآباء المتكرر للهاتف قدوةً سلبيةً لأبنائهم؟
* نعم الاستخدام المتكرر والمستمر للهواتف ووسائل التواصل من قِبل الآباء والأمهات خلق عزلة داخل البيت، اتخذت شكلين واضحين: انفصالاً جسدياً، حين ينغلق كل فرد في غرفته، وعزلةً معنوية تتجسّد في غياب التفاعل والمشاركة العاطفية، ويتبدّى أثر ذلك في انقطاع الحوار الأسري بين الزوجين، وبين الأبناء، وبين الآباء وأبنائهم، حتى باتت بعض الأسر صامتة لا تتبادل الحديث، ما فاقم المشكلات العائلية ورفع مؤشرات العزلة والاكتئاب والعصبية لدى الأبناء، كما عمّق الإفراط في الجلوس على المنصات الرقمية الفجوة بين الأجيال وأضعف الروابط التي كانت تجمعهم تحت سقف واحد.
- ما أبرز المشكلات السلوكية التي ازداد حضورها بسبب هذا الانفصال داخل الأسرة؟
* الانفصال الرقمي ترك آثاراً سلبية متراكبة في التفاعل الاجتماعي والإشباع العاطفي داخل الأسرة، وانعكس على تفكك العلاقات الرئيسي، فالتوتر الناتج عن فرط استخدام الهواتف مسّ صحة الأطفال والبالغين معاً، وامتدّ أثره إلى علاقة الزوجين ذاتها، إذ تراجع التواصل اليومي وقلّ الحوار، ولم يعد كثير من الأطفال قادرين على التعبير عن مشاعرهم أو سرد ما مرّوا به خلال يومهم، وتضيف أن الخلافات الزوجية ارتفعت، كما زادت معدلات الطلاق وبعض المشكلات الأسرية الأخرى. وقلص الوالدان الوقت المخصص للأبناء، ما جعل كثيراً من الأطفال يشعرون بأن وجودهم قليل القيمة داخل البيت وكنتيجة مباشرة، رُصدت حالات أعلى من القلق والتوتر والعصبية بين الأبناء، وتُبيّن أن أرقاماً متعددة تعكس واقعاً يومياً بات مألوفاً، كل فرد في غرفته، بينما تتحول الهواتف إلى سلوك شبه قهري قبل النوم وعند الاستيقاظ وخلال العمل ووقت الطعام، بما لذلك من تبعات على الصحة الجسدية والعقلية. ونرى أيضاً ازدياد زيارات الأطفال وكذلك الآباء لعيادات العيون بسبب فرط التعرض للشاشات، كما تُظهر معطيات بحثية، أن الأطفال الذين يرون والديهم منشغلين بالهواتف أمامهم يصبحون أكثر ميلاً للسلوك العدواني واضطرابات السلوك، إذ يحاول بعضهم لفت الانتباه برسائل سلوكية غير سوية، وكأن الطفل يقول «أنا موجود».

تحديات متعددة


- ما أبرز العقبات التي تواجه جهود التوعية المجتمعية؟
* جهود التوعية المجتمعية بمخاطر الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي تواجه تحديات متعددة، بعضها هيكلي وبعضها يرتبط مباشرة بثقافة الأفراد داخل الأسرة.
رغم أننا في دولة متقدمة، مثل ، وتحديداً في الشارقة التي تعمل بتكامل مؤسسي مع الأسرة، إلا أن أولى العقبات التي نواجهها ضعف الثقافة الأسرية، خاصة لدى الآباء والأمهات، فيما يخص فهم التأثيرات السلبية والنفسية والاجتماعية لوسائل التواصل في الأطفال والأسرة ككل. وضعف وعي أولياء الأمور هو التحدي الجذري، مؤكدةً أن الثقافة الرقمية لدى الكثير من الآباء والأمهات محدودة، وهذا يجعل التوعية في بداياتها تواجه مقاومة صامتة، والحقيقة فالإدمان الرقمي داخل الأسرة أصبح واقعاً خطِراً، مع التأكيد أن التأثير لا يقف عند الأبناء، بل يمتد ليهدد العلاقة بين الأزواج أنفسهم، وصولاً إلى ضعف صلة الرحم وتشويش الروابط بين الأفراد، فتتراجع الحميمية ويحلّ الانفصال الصامت مكان التواصل الأسري الحقيقي. وهناك عوائق فرعية ينبغي التعامل معها بجدّية، من بينها:
* قلة وعي الأبناء بالآثار النفسية والسلوكية طويلة الأمد.
* التنمر الإلكتروني، والذي يترك ندوباً نفسية يصعب التخلّص منها.
* المعلومات المضلّلة، التي تُحدث فوضى معرفية لدى النشء.
* صعوبة الرقابة على المحتوى، في ظل انفتاح المنصات الرقمية وسهولة الوصول إليها.
* التهديدات المتعلقة بالخصوصية، وتأثيرها في ثقة الأبناء داخل محيطهم الأسري.
والمجتمع الإماراتي يملك من الوعي المؤسسي والاستراتيجيات الحديثة ما يمكّنه من دعم الأسرة في مواجهة هذه التحديات.
- برأيكم، ما الحد المقبول لاستخدام الأجهزة الذكية من قبل الأطفال تحت سن العاشرة؟
* التوصيات الحديثة في مجالي طب الأطفال والطب النفسي تنص على أن الحد الأقصى المقبول لاستخدام الأطفال للأجهزة الذكية تحت سن العاشرة هو ساعة واحدة فقط يومياً، مع ضرورة أن تكون هذه الساعة تحت إشراف ومشاركة الأهل، لا أن يقضيها الطفل وحيداً أمام . ونوع المحتوى يلعب دوراً محورياً في التأثير، فيُفضّل أن يكون تعليمياً أو ترفيهياً هادفاً بما يتناسب مع عمر الطفل واحتياجاته، وتشمل الأنشطة المسموح بها: الألعاب التعليمية، القراءة التفاعلية، أو القصص المصوّرة، مع الانتباه إلى ضرورة التوازن النفسي والمعرفي للطفل خلال هذه المرحلة العمرية الحساسة.
مع أهمية المشاركة الأسرية، حيث ننصح دائماً بأن يشارك الآباء والأمهات أبناءهم في استخدام هذه الوسائل، لا أن يتركوهم وحدهم أمام الشاشات، لأن المشاركة تعزّز الوعي وتحد من الانعكاسات السلبية».
- ما أثر الإفراط في التعرض للشاشات على نمو الطفل العقلي والعاطفي؟
تعرّض الطفل المفرط للشاشات لا يقتصر على تأثير جسدي، بل يمتد ليطول جوانب متعددة من النمو العقلي والعاطفي والاجتماعي، مثل ضعف اللغة والتواصل وبطء التطور المعرفي وفقدان مهارة التخيل وضعف الانتباه والتركيز، والعزلة والانطواء، والتوتر والعصبية، وتدهور المهارات الاجتماعية.
وتشير الدراسات إلى أنه كلما قضى الأطفال وقتاً طويلاً أمام الشاشات، أثّر ذلك سلباً في تطور لغتهم وتواصلهم، وأدى إلى مشاكل أخرى. والإفراط في استخدام هذه الهواتف، وإدمان الشاشات، يجعل الطفل قلقاً، متوتراً، عصبياً. مثلاً، إذا انقطع الإنترنت، يبدأ الطفل بالصراخ والعصبية، ويقل تواصله مع أفراد أسرته بسبب الآثار السلبية والسلوكية التي خلفتها الشاشات على هذا الطفل.

توصيات سنوات الطفولة


توصي د. فاطمة البلوشي الأهالي في سنوات الطفولة المبكرة بالحد من وقت استخدام هذه الشاشة، وتحديد وقت مخصص لها، ويجب أن تكون حسب عمر الطفل، فعمر سنتين إلى ثلاث يختلف عن ثلاث إلى أربع، ويختلف عن خمس إلى ست، ونحن صاعدون.
أيضاً المراقبة والتوجيه، لابد من مشاركة الآباء والأمهات في ما يشاهده أطفالهم وأفراد أسرتهم، سواء الأطفال أو المراهقون، فلا بد أن تكون هناك مراقبة لهذا المحتوى.
ويُفترض أن يكون استخدام هذه الشاشات جزءاً من روتين صحي ومتوازن، لا أن يكون استخداماً مفرطاً. ومن المهم التحدث مع الطفل، وتكثيف لغة الحوار، يجب على الأهل، على الأم والأب، التحدث مع أطفالهم، ومشاركتهم هواياتهم ومشاعرهم، وما يواجهونه في اليوم ومشكلاتهم، حتى تتطوّر لديهم لغة الحوار، والشعور بالأمان والمحبة والمودة، من خلال هذه المحادثات اليومية والدردشة مع الأطفال. أيضاً، التفاعل المباشر بين أفراد الأسرة، وبين الطفل وأفراد أسرته، وبين الطفل وأبناء عمّته وخالته، وصلات القرابة الأخرى، ومع الأصدقاء، يجب أن يكون تفاعلاً مباشراً، وليس عبر الشاشات.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا