القاهرة: «الخليج»
يتحدى السد العالي، عنفوان نهر النيل في أسوان بمصر، مثل حارس أسطوري، يعكس في عظمة بنائه، التقاء إرادة الإنسان بعنفوان الطبيعة، ويروي للزائرين من كل سحنة ولون، كيف تحول هذا الصرح الهندسي الذي يصنف ضمن أعظم المشروعات التي شيدت في القرن العشرين، إلى ملحمة مصرية، غيرت وجه الحياة في وادي النيل، وحولت عنفوان النهر، من مصدر تهديد، إلى هبة حقيقية للمصريين.
تثبت أحداث الفيضانات الأخيرة التي تعرض لها السودان، وتسببت في خسائر ضخمة في الأرواح والممتلكات، أهمية السد العالي بمصر ويثبت السد في كل أزمة، أنه لا يزال قادراً بما يمتلكه من قدرات تخزينية وتصريفية كبيرة، على أن يلعب دوره التاريخي، كضامن أساسي لحماية مصر من تقلبات النهر.
ينظر كثير من المصريين، وهم يتابعون أنباء الفيضانات التي ضربت السودان، فدمرت قرى وشردت الآلاف من بيوتهم، إلى هذا الصرح الهندسي باحترام كبير، إذ دائماً ما تثبت الأحداث والأزمات الكبرى، أن دوره يتجاوز تلك الكتلة الخرسانية الضخمة التي تكبح جماح عنفوان النهر، إلى مهمة أكبر وأعظم، وهي حماية مصر من بوابتها الجنوبية ضد كل المؤامرات والأخطار.
يرد السد العالي الاعتبار دائماً إلى الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ومشروعه النهضوي الطموح، الذي جسده الشروع في بناء هذا السد، وما تكبدته مصر في سبيل إنشائه من آلام، في رحلة عصيبة لم تكن مفروشة بالورود، بعدما سحبت الولايات المتحدة والبنك الدولي عرض التمويل الخاص بالبناء في عام 1956 تحت ضغوط سياسية، لتحول مصر الأزمة إلى فرصة، لتبدأ إحدى أكبر معارك البناء في القرن العشرين.
بدأت أعمال البناء الفعلية في السد العالي، في 9 يناير عام 1960، بمشاركة نحو 34 ألف عامل ومهندس مصري، إلى جانب 400 خبير سوفييتي، واستغرق البناء 11 عاماً، قبل افتتاح السد رسمياً في 15 يناير عام 1971، في غياب صاحبه الذي رحل قبل شهور من الافتتاح الرسمي، دون أن يري ثمرة جهده وكفاحه.
بحيرة ناصر
يتميز السد العالي في مصر، دون غيره من السدود الأخري حول العالم، بكونه كتلة صخرية وطينية ضخمة مكسوة بالخرسانة، حيث يبلغ طوله نحو 3600 متر وعرض قاعدته 980 متراً، وتحميه 180 بوابة لتصريف المياه، فيما تقف من خلفه بحيرة، تصنف ضمن أكبر البحيرات الصناعية في العالم، وهي بحيرة ناصر التي تختزن نحو 169 مليار متر مكعب من المياه، قادرة علي إنقاذ مصر من العطش، في السنوات التي تقل فيها مياه النهر.
غيّر السد العالي الخريطة الاقتصادية والزراعية لمصر، إذ لم يتوقف دوره عند حمايتها من مخاطر الفيضانات والجفاف، وإنما امتد ليحول نظام الري فيها من النظام الموسمي إلى النظام الدائم، ما سمح بتوسيع الرقعة الزراعية من 5.5 إلى 7.9 مليون فدان، والانتقال من زراعة محصول واحد إلى ثلاثة محاصيل سنوياً، إلى جانب إسهاماته الكبيرة في رفد البلاد بالطاقة الكهربائية، عبر محطة الكهرباء التابعة للسد والتي تساهم في توليد الطاقة النظيفة بقدرة تصل إلى 10 مليارات كيلووات/ساعة سنوياً، ما ساهم في إنارة المدن والقرى ودعم تشغيل المصانع في مرحلة التصنيع.
وفّر السد مليارات الدولارات التي كان من المقرر أن تنفقها مصر، على مواجهة الكوارث الطبيعية، ليصبح درعاً واقية للأمن المائي والغذائي المصري، ولا يزال رغم مرور أكثر من خمسة عقود على بنائه، يمثل رمزاً لإرادة الشعب المصري وقدرته على تحقيق المستحيل.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.