بعد السرقة الفاضحة التي تعرضت لها جواهر التاج الملكي الفرنسي من داخل متحف اللوفر في باريس، سلطت وثيقة سرية الضوء على قصور خطر يتعلق بنظام المراقبة بالفيديو، ما تطلب استدعاء مديرته لورانس دي كار للاستجواب أمام مجلس الشيوخ، في وقت تكشفت تفاصيل مثيرة عن سرقات تاريخية أخرى للمتحف، ما زالت السلطات الفرنسية عاجزة حتى الآن عن استعادة الكنوز المنهوبة خلالها ومن بينها «ماسة الأمل» الشهيرة.
مسودة تقرير سرية صادرة عن ديوان المحاسبة، وهو أعلى هيئة تدقيق في فرنسا، انتقدت القائمين على متحف اللوفر لقصور نظام المراقبة بالفيديو في أجنحته الثلاثة، فضلاً عن التخفيضات الكبيرة والتأخيرات في الإنفاق على الأمن في السنوات الأخيرة، حيث كشفت عن أن الإنفاق على الأمن في عام ٢٠٢٤ كان أقل بكثير مما كان عليه قبل ٢٠ عاماً.
تشير الوثيقة إلى أنه على سبيل المثال في جناح ريشيليو، الذي يضم لوحات لبوسان ودورير وفيرمير، فضلاً عن مجموعات فارسية ولبلاد ما بين النهرين القديمة، لا تغطي كاميرات المراقبة سوى 25 % من 182 غرفة، كما أكدت أنه كانت هناك «تأخيرات كبيرة في رفع المرافق التقنية للمتحف إلى المعايير الحديثة».
سرقة جواهر التاج بعد استعادتها
ومن سخرية الحال، أن بعض جواهر التاج الملكي المسروقة مؤخراً بيعت في وقت سابق في مزاد، قبل إعادة شرائها لاحقاً لمتحف اللوفر، ففي السنوات التي تلت تأسيس الجمهورية الثالثة، وهي الحكومة البرلمانية التي شُكِّلت عام ١٨٧٠ من أنقاض إمبراطورية نابليون الثالث، اجتاح فرنسا شعور جمهوري مناهض للملكية، وفي عام ١٨٨٧، أقامت باريس مزاداً علنياً ضخماً استمر أحد عشر يوماً لمعظم جواهر التاج.
وخلال المزاد، انتُزعت الأحجار الكريمة من زخارفها، وتفتتت الحُلي المرصعة بالجواهر. وتوافد تجار الماس وصائغوه من جميع أنحاء العالم إلى باريس لحضور المزاد، وبيع أكثر من 77 ألف حجر. وكان تشارلز لويس تيفاني، مؤسس شركة تيفاني آند كومباني، أكبر مشترٍ، حيث استحوذ على ما يزيد قليلاً على ثلث المخزون.
وعلى مدى عدة عقود من الزمن، واجه متحف اللوفر صعوبة في استعادة قطع مجوهرات من المجموعة، عندما كانت معروضة للبيع، لكنه تمكن من شراء بعضها، حتى تعرضت مؤخراً للسرقة.
سر الزجاج سهل الكسر بعكس الموناليزا
ورغم حرص متحف اللوفر على توفير حماية محكمة لأشهر معروضاته، وبينها لوحة الموناليزا الشهيرة، وذلك إثر استعادتها بعد سرقتها عام 1911، فإن ذلك لا يتوفر لقطع فنية لا تقدر بثمن أيضاً.
وتحفظ الموناليزا حالياً في صندوق زجاجي مقاوم للرصاص، مُكيّف ومُصمّم خصيصاً لها، كما أن الوجه الخلفي الخشبي للوحة مُزوّد بأجهزة استشعار لاكتشاف حتى أدقّ تغيير في شكلها. لكن الزجاج المستخدم في صناديق عرض جواهر التاج المسروقة كان مختلفاً ويسهل كسره، وبرر أحد رجال الأمن ذلك حتى يسهل التعامل معه في حال اندلاع حريق في المتحف وضرورة إنقاذ الجواهر، بحسب التايمز.
ويوضح دليل رجال الإطفاء في متحف اللوفر كيفية استخدام أدوات مثل الفؤوس لكسر صناديق العرض الزجاجية، حتى يتمكنوا من استخراج الجواهر في حالات الطوارئ مثل الحرائق، بالنظر إلى أن مفاتيحها الطبيعية قد تستغرق وقتاً.
سرقة وتقطيع «ماسة الأمل» الشهيرة
ونظراً لمحتوياته التي لا تقدر بثمن، ظل متحف اللوفر هدفاً للصوص والعصابات المنظمة منذ فترة طويلة، ووقعت أشهر سرقة له عام ١٧٩٢، في خضم فوضى وعنف الثورة الفرنسية، ولعدة ليالٍ، استقر لصوص في المخزن الملكي، بالقرب من القصر الذي تحول إلى متحف اللوفر، قبل أن يتمكنوا من سرقة أكثر من ١٠ آلاف حجر كريم ولؤلؤة.
في حين استُعيدت معظم المجوهرات، لم تُسترجع أشهر ماسة زرقاء فرنسية لا تشوبها شائبة، ووزنها 69 قيراطاً، وقد استُخرجت من الهند وبيعت للملك لويس الرابع عشر، حيث قام اللصوص بتقطيعها إلى حجم أصغر - 45.5 قيراط - وبيعت أكثر من مرة قبل أن يشتريها صائغ المجوهرات هاري وينستون، ثم تبرع بها لمؤسسة سميثسونيان في واشنطن، وتُعرض هناك حتى الآن باسم «ماسة الأمل»، إحدى أكبر الماسات الزرقاء في العالم.
اختفاء سيف الملك تشارلز العاشر
أما بالنسبة للسرقات داخل متحف اللوفر، فقد وقعت عام 1976 حادثة اقتحام مشابهة لتلك التي وقعت الشهر الجاري، عندما اقتحم ثلاثة لصوص ملثمين المتحف فجراً، وتسلقوا سقالة، وحطموا النوافذ المكشوفة، وضربوا حارسين بالهراوات، وكسروا خزانة عرض زجاجية، واستولوا على سيف مرصع بالألماس كان ملكاً للملك تشارلز العاشر، الذي حكم في أوائل القرن التاسع عشر، خلال فترة استعادة النظام الملكي. ولم يُعثر على السيف قط. وهو مُدرج على موقع متحف اللوفر الإلكتروني على أنه «غير معروض».
لوحة «درب سيفر»
في عام ١٩٩٨، سرق لصٌّ لوحة «درب سيفر»، وهي لوحة صغيرة لمنظر طبيعي لجان بابتيست كاميل كورو، من إطارها في وضح النهار، حيث كانت معلقة في غرفة خالية من كاميرا مراقبة، وتمكن اللص من الهرب ولم تُسترجع اللوحة، التي تُقدّر قيمتها بنحو ١.٣ مليون دولار.
ويتمتع متحف اللوفر بحماية مزدوجة من الأمن البشري، عبارة عن طاقم من الحراس (حوالي 1200 في عام 2024) ، وقوة دائمة من رجال الإطفاء مكونة من 52 عضواً، وهم جزء من الجيش الفرنسي. وقد اشتكى حراس الأمن منذ فترة طويلة من ظروف عملهم، وحتى كبار المسؤولين في متحف اللوفر يعترفون بأن وضع العمال وتدريبهم ليس على الشكل المطلوب.
حصن عسكري مليء بالثغرات
وتعكس المجوهرات التي يرعاها متحف اللوفر تقلبات التاريخ الفرنسي على مر العصور، من فرانسوا الأول إلى ماري أنطوانيت ونابليون بونابرت والإمبراطورة أوجيني، حيث حرصت الأسر الملكية الفرنسية على جمع كميات هائلة من الأحجار الكريمة، وارتدائها في التيجان والخواتم والدبابيس والأساور والأقراط والقلائد، ووضعوها على الصولجانات والعروش، أو أخفوها، وخلال الحروب والتنافسات الملكية والثورات، بقيت عشرات الآلاف من هذه المجوهرات في حوزة الدولة الفرنسية.
وبدأ اللوفر أشهر متحف في العالم وأكثرها زيارةً كحصن عسكري من العصور الوسطى، ثم أصبح قصراً، وبعد الثورة الفرنسية جرى تحويله إلى متحف، وخضع للتجديد على مدار السنين أكثر من عشرين مرة، لكنه ظل رغم ذلك هيكلاً غير متماسك، يتوزع على خمسة وعشرين طابقاً مختلفاً ويمتد على مساحة نحو كيلو متر واحد، ويعرض نحو 30 ألف قطعة فنية من أصل 500 ألف موجودة في 400 غرفة.
وأظهرت بروتوكولات الأمن في متحف اللوفر، التي جرى اختبارها على مر السنين من خلال عمليات الاقتحام والسرقات، فشلاً نوعياً، وهو ما يدفع الحكومة الفرنسية إلى إعادة حساباتها من أجل حماية أكثر لأحد أكثر الأماكن احتواء على جواهر تاريخية في العالم.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
