رسالة مكة المكرمة - محمود عبد الراضي

منذ ساعات الصباح الأولى، يبدأ ضيوف الرحمن بالتوافد إلى مشعر منى في يوم التروية، وهو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، استعدادًا للركن الأعظم من الحج، يوم عرفة. وبين دعواتهم الخاشعة وتكبيراتهم المتواصلة، يعيش الحجاج لحظات مفعمة بالإيمان والسكينة، وقد نفضوا عن قلوبهم مشاغل الدنيا، وأقبلوا بقلوبهم وأجسادهم إلى الله، يلبون نداء إبراهيم عليه السلام.

منى، تلك البقعة المباركة التي لا تسكنها الحياة إلا في أيام الحج، تتحول في هذا اليوم إلى مدينة بيضاء ممتدة، تمتلئ بالخيام المنظمة، التي وفّرتها الجهات المختصة للحفاظ على سلامة الحجاج وتوفير بيئة آمنة ومريحة لأداء مناسكهم.

ويعد يوم التروية محطة هامة في رحلة الحج، حيث يبيت الحجاج في منى اقتداءً بسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويكثرون من الدعاء والتلبية، استعدادًا للوقوف على صعيد عرفات في اليوم التالي.

وجاءت الاستعدادات هذا العام على أعلى مستوى من الجاهزية والتنظيم، حيث حرصت بعثة حج القرعة المصرية على توفير كافة سبل الراحة لضيوف الرحمن، من خلال تجهيز مخيمات مكيفة ومزودة بكافة الخدمات اللوجستية. كما تم توزيع وجبات غذائية جافة وعصائر ومياه باردة للتغلب على حرارة الأجواء، بالإضافة إلى تواجد فرق طبية متنقلة، تتابع الحالة الصحية للحجاج وتوفر الرعاية الطبية العاجلة عند الحاجة.

ولم تغفل البعثة الجانب الإنساني، حيث تم تشكيل فرق لمساعدة كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، فضلًا عن توفير علماء ووعاظ لمرافقة الحجاج وشرح مناسكهم بطريقة مبسطة.

يوم التروية لا يُختزل فقط في التنقل والبيتوتة، بل هو يوم نية، ويوم إعداد روحي قبل لقاء الرحمن في عرفة، حيث يتطهر القلب من كل شوائب الدنيا، ويتهيأ الحاج للوقوف في أعظم المواقف، راجيًا الرحمة والمغفرة.