كتب لؤى على - تصوير كريم عبدالعزيز
الثلاثاء، 12 أغسطس 2025 12:22 مقال الدكتور قطب مصطفى سانو الأمين العام لمجمع الفقه الإسلاميِّ الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي، إن مجمع الفقه الإسلامي الدولي، بحسبانه المرجعية الفقهية العليا الجامعة للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، ليعتز بمشاركته في هذا المؤتمر، امتثالًا لما أخذه الله على العَالِمين: ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾، وتحقيقًا للثقة التي أولاه إياها قادة الدول الإسلامية والمجتمعات المسلمة ببيان حكم الله في النوازل والمستجدات التي يعظم خطرها، ويشتد أثرها، وتحظر فيها الفتاوى الفردية، صونًا لعقائد الناس، وحمايةً لوحدة الصف، وتعزيزًا لقيم الوسطية والاعتدال والتسامح.
وأضاف خلال كلمته ، بالجلسة الافتتاحية لفعاليات المؤتمر العالمي العاشر للإفتاء، الذي تنظمه دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، برعاية من الرئيس عبد الفتاح السيسي -رئيس الجمهورية-، تحت عنوان: "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي"، ينعقد هذا المؤتمر العلمي العظيم في ساعة من أحرج الساعات، وفي لحظة من أعصب اللحظات، بل في زمن باتت الأمة فيه أحوج ما تكون إلى المفتي الرشيد، وهو ذلك المفتي الذي يقيم منار الحق، ويشيّد صروح الأمان، ويزرع الأمل والطمأنينة والسكينة في النفوس، ويحوّل التحديات إلى فرص، ويقلّب الضغوط إلى منجزات، ويطوّع الواقع المتغيّر لينفعل بتعاليم الوحي الثابت، ويوقّع عن رب العباد في ثقة وثبات، لا يزعزعه تهديد، ولا يفتُّ في عضده لوم لائم، وينفي عن الدين الحنيف تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، يعتصم بالثوابت ولا يتنازل عنها، ويتأمل في المتغيرات ولا يجمد عليها.. فتواه تبني ولا تهدم، وتجمع ولا تفرق، وتعمّر ولا تدمّر، وتيسّر ولا تعسّر، وتبشّر ولا تنفّر.. وهو وسطيٌّ في الفكر والسلوك، يجفِّف منابع الغلو والتطرف، ويدكُّ معاقل التعصب والتشدد، ويتصدَّى بقوة وعزم وحزم لزوابع الفتن، ويصدُّ رياح الإضلال والتضليل والإلحاد، ويوازن بحنكةٍ واقتدار بين المصالح والمفاسد، ويلتفت إلى المآلات والمنازل، فلا تغيب عن عينه الحكمة، ولا يزيغ قلبه عن الرشد والرَّشَد والرَّشَاد.. غايته العليا، وهمّه الأسمى من الإفتاء والتبليغ: هداية الخلق، وجمع الكلمة، وحماية المجتمع، وتحقيق قيوميَّة الدين على الواقع حتى يصبح الإنسان عبدًا لله اختيارًا كما هو عبدٌ له اضطرارًا.
وتابع: إن هذا المفتي منفتحٌ على العصر، لا تروعه أمواجُ الذكاء الاصطناعي المتلاطمة، بل يحوّلها إلى أدواتٍ في خدمة الدين والأمة والإنسانية، ولا تخيفه طلاسم التقنية الرقمية الحديثة وطاقاتها، بل يستوعبها، ويستعين بها جمعًا وتحقيقًا وتحليلًا وتخريجًا للنصوص، ومقارنة للآراء والأنظار، وتمحيصًا للأفكار، فيجعلها نعمةً مسخَّرة، لا فتنة مستعرة.
أيها الجمع المبارك،
ذاك غيض من فيض من سمات من وفّق هذا المؤتمر المبارك لتسميته "المفتي الرشيد".. إن صناعة هذا المفتي أمست اليوم فريضة دينية، وضرورة عصرية، ومصلحة زمانية، تعزيزًا للأمن الفكري الذي لا مناص منه، ومحافظةً على مقاصد الشرع التي لا حيدة عنها، وحمايةً للأوطان والشعوب والأمم من التفتت والانزلاق.. نعم، إنَّ صناعة هذا المفتي تتوقف على قيامنا طواعيةً بمراجعة مناهجنا الشرعية والاجتماعية والإنسانية، بغية الارتقاء بها إلى مستوى التحديات المتفاقمة والتطورات المتلاحقة، والتغيرات المتتابعة، وقصد صيرورتها مناهج تخرّج عقولًا نيّرة، وقلوبًا طاهرة، وألسنة صادقة، تذود عن الأمة غوائل الشبهات، وتدفع عن الشعوب المهلكات، وتصون الأفراد من الموبقات، ويتحقق ذلك كله بتجديد محتوياتها، وتطوير أساليبها بما يواكب العصر؛ جمعًا بين الرسوخ في علوم الوحي ومعارفه، والتمكن من علوم الإنسان والعمران، وبين التشبع بأدوات الاستنباط والاستدلال، واستيعاب الوسائل والوسائط التي جاد بها الزمان.
في ختام هذه الكلمة اسمحوا لي أن أنقل إليكم، مناشدة منظمة التعاون الإسلامي الدول والشعوب والعالم أجمع لوضع حد عاجل للمأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وغزة الجريحة التي ترزح تحت حصار خانق مفجع، وتجويع ممنهج مفظع، وعدوان وحشي غاشم من كيان صهيوني محتل متطرف، تتبرأ من جرائمه كل الأديان والشرائع والقيم والقوانين..!!
إن نصرة هذا الشعب المكلوم المظلوم، أيها الجمع المبارك، ليست خيارًا، بل فريضةً مقدَّسةً في كل الأديان والشرائع، وإنَّ إغاثة جوعاه ليست مساعدةً بل واجبًا إنسانيًّا ثابتًا في كل الأعراف والتقاليد، وإنَّ الدفاع عن قضيته العادلة في المحافل والمناسبات ليس منّةً بل مسؤوليَّةُ أخلاقيَّةً على كل من يملك كلمة أو موقفًا أو موقعًا.
وختامًا، إنَّ المنظمة لتثمّن عاليًا تلك الجهود المباركة التي تقودها المملكة العربية السعودية عبر لجنتها الوزارية الإسلامية، كما تحتفي بجهود الوساطة الحكيمة التي تضطلع بها جمهورية مصر العربية ودولة قطر، سائلين الله، جلت قدرته، أن تُتوَّج بالنجاح والتوفيق، فيندحر الاحتلال، وينقشع الحصار، وتعود البسمة إلى شفاه أطفال فلسطين، وتستردُّ حرائرها كرامتهن، وتنساب السكينة إلى وجوه شيوخها، وينتعش الأمل والأمان في نفوس شبابها، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ويعد المؤتمر منصة دولية لمناقشة مستقبل صناعة الإفتاء في ظل الثورة التقنية، وفرصة لتبادل الخبرات بين المؤسسات الدينية والعلمية من مختلف أنحاء العالم، بما يسهم في وضع أطر ومعايير علمية لتأهيل المفتي المعاصر، القادر على الجمع بين عمق التأصيل الشرعي وفهم الواقع الرقمي، واستيعاب التحديات والفرص التي تطرحها تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ويتناول المؤتمر خمسة محاور رئيسية، يأتي المحور الأول بعنوان: "تكوين المفتي الرشيد العصري"، بينما يناقش المحور الثاني قضية "الإفتاء في عصر الذكاء الاصطناعي"، فيما يطرح المحور الثالث موضوعًا بعنوان: "المفتي الرشيد في مواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي"، إلى جانب محور رابع يناقش "الذكاء الاصطناعي وتطوير العمل المؤسسي الإفتائي"، ومحور أخير لمناقشة "تجارِب مؤسسات الفتوى في صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي".
ومن المقرر أن تشهد جلسات المؤتمر على مدار يومين إطلاق عدد من المبادرات والمشروعات البحثية والتدريبية، الرامية إلى دعم قدرات المفتين، وتعزيز التكامل بين العلوم الشرعية والتقنيات الحديثة، بما يرسخ مكانة مصر بوصفها مرجعيةً رائدة في الإفتاء المعاصر على المستوى الإقليمي والدَّولي.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة اليوم السابع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من اليوم السابع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.