مع افتتاح المتحف المصري الكبير، قالت النقابة العامة للأطباء، إن التاريخ يقف شاهدًا على أن مصر كانت دائمًا مهد العلم والطب منذ فجر الحضارة الإنسانية، فبين جدران المعابد ومقابر الأطباء في الدولة القديمة، وُلدت أولى البذور التي أنبتت مهنة الطب كما نعرفها اليوم. إمحوتب.. أول طبيب في تاريخ البشرية قبل أكثر من 4600 عام، في عهد الملك زوسر من الأسرة الثالثة، بزغ نجم الطبيب المصري إمحوتب — الذي جمع بين عبقرية الطبيب، وذكاء المهندس، وحكمة الفيلسوف والكاهن. كان إمحوتب الوزير والمشرف على الأطباء في البلاط الملكي، وهو الذي صمم الهرم المدرج بسقارة، أول بناء حجري في التاريخ، كما وضع الأسس الأولى للطب القائم على الملاحظة والتجربة لا على السحر والخرافة. كرّمه المصريون القدماء فرفعوه بعد موته إلى مرتبة إله الطب والشفاء، وصار معبوده الخاص يُزار طلبًا للعلاج، حتى لقّبه الإغريق لاحقًا بـ إسكلبيوس المصري. وما زالت برديات الطب الفرعوني، مثل بردية إدوين سميث وبردية إبيرس، تحمل بصمات فكر إمحوتب وتعاليمه التي سبقت علوم الطب الحديث بقرون طويلة. بسشيت أول طبيبة في التاريخ لم يكن الطب في مصر القديمة حكرًا على الرجال. فمنذ الأسرة الرابعة (نحو عام 2400 ق.م)، لمع اسم الطبيبة بسشيت (Peseshet)، التي حملت لقب “سيدة الطبيبات” و“المشرفة على الطبيبات”، لتكون أول امرأة في تاريخ البشرية تُعرف رسميًا بلقب طبيبة. عاشت بسشيت في مدينة منف، وكانت مسؤولة عن تدريب الطبيبات في معابد الإلهة سخمت، إلهة الشفاء والطب.وتدل نقوش مقبرتها المكتشفة في الجيزة على مكانتها الرفيعة ودورها التعليمي والعلمي، ما يجعلها بحق رائدة طب النساء والتوليد في التاريخ. من جذور الحضارة إلى حاضر الأطباء لم يكن الطب في مصر القديمة علمًا نظريًا فقط، بل ممارسة دقيقة متقدمة تركت لنا أدلة مادية مدهشة أثبتها العلم الحديث.فقد كشفت الدراسات على المومياوات الملكية عن عمليات طبية وجراحية سبقت زمنها بآلاف السنين: • وُجد في إحدى المومياوات مسمار معدني في عظمة الفخذ لتثبيت كسر، وهو ما يعادل في مفهوم اليوم عملية تركيب مسمار نخاعي. • كما وُجدت في مومياوات أخرى أسنان صناعية مثبتة وأدلة على جراحات في الفك والعظام تمت بدقة مدهشة. • أثبتت الفحوص الحديثة وجود عمليات تحنيط معقدة شملت تفريغ الأعضاء الداخلية بطرق تحافظ على الشكل التشريحي بدقة علمية كبيرة. هذه الاكتشافات تؤكد أن المصريين القدماء امتلكوا معرفة تشريحية وجراحية وعلاجية متقدمة، وأن أطباءهم مارسوا ما يمكن تسميته اليوم بـ الطب الجراحي والتجميلي قبل آلاف السنين. وقالت نقابة الأطباء: من هنا نقول إن الطبيب المصري كان ولا يزال من أنجب الأطباء منذ القدم، وإن الطب المصري قديم قدم الحضارة المصرية نفسها، وأضافت: فهو علمٌ وضميرٌ وواجبٌ، تتوارثه الأجيال من إمحوتب وبسشيت إلى أطباء مصر اليوم، الذين يواصلون أداء رسالتهم بإنسانية وإخلاص في كل ربوع الوطن.