كتب محمود عبد الراضيالأحد، 05 أكتوبر 2025 09:00 ص وسط قلب مدينة الإسكندرية العريقة، وتحديدًا في ميدان المنشية، تقف "محكمة سراي الحقانية" شامخة كشاهد على تاريخ مصر القضائي، ومعلم أثري فريد من نوعه يجمع بين الطراز المعماري الأوروبي والعبق التاريخي للعدالة، فهي ليست مجرد مبنى قضائي، بل رمز من رموز الدولة المصرية الحديثة، وأقدم محكمة استئناف في البلاد. شُيّدت سراي الحقانية في عهد الخديوي إسماعيل عام 1876، وكانت في البداية أول متحف مصري بالإسكندرية قبل أن تتحول إلى أول مقر رسمي للمحاكم المختلطة. شهدت المحكمة منذ تأسيسها العديد من التحولات، بدءًا من الترميم الأول عام 1886 بعد ما أصابها من دمار خلال العدوان البريطاني عام 1882، ثم الترميم الثاني عام 1938 في عهد الملك فاروق، وصولًا إلى مشروع الترميم الثالث عام 2025. عند مدخل المحكمة، لوحة رخامية تاريخية تخلّد لحظة فارقة من تاريخها، كُتب عليها أن الملك فاروق الأول شرّف السراي بحضور حفل افتتاح النظام الجديد للمحاكم المختلطة، بحضور مصطفى النحاس باشا رئيس الوزراء وقتها، والوزير محمد صبري أبو علم، بالإضافة إلى قضاة أجانب ومحليين من أبرز رموز القضاء حينها. تقع سراي الحقانية في قلب ميدان القناصل سابقًا، المنشية حاليًا، وقد صممها المهندس الإيطالي ألفونسو مانيسكالكو، فيما شهد قصر رأس التين حفل افتتاحها الرسمي، ليعتبرها الخديوي إسماعيل حينها رمزًا للعدالة المصرية، وواحدة من أهم معالم الدولة الحديثة. المبنى يتكوّن من أربعة طوابق، بمساحة إجمالية تبلغ نحو 3 آلاف متر مربع، ويضم في طابقه الأول نيابة الأحوال الشخصية، والولاية على النفس، والمجلس الحسبي، بينما يحتوي الطابق الأرضي على قاعات لجلسات الاستئناف العالي، المدني، التجاري، والعمالي، إلى جانب أماكن مخصصة لحفظ ملفات القضايا. وشهدت قاعات المحكمة أعرق وأشهر القضايا في التاريخ المصري، مثل محاكمة "ريا وسكينة"، وقضية "سفاح الإسكندرية"، ووقف في أروقتها كبار رجال القانون مثل إسماعيل سري باشا أول نائب عام مصري، والمفكر قاسم أمين، وعبد العزيز فهمي أول رئيس لمحكمة النقض، بالإضافة إلى الإمام محمد عبده. اليوم، تستعيد محكمة سراي الحقانية بريقها من جديد، مع أعمال التطوير والترميم التي تهدف للحفاظ على قيمتها التاريخية، وتوظيفها كرمز حي لتاريخ القضاء المصري والمحاماة، من عهد الملكية وحتى عصر الجمهورية. سراي الحقانية هنا وقفت ريا وسكينة