كتب : جمال عبد الناصر
الإثنين، 07 أبريل 2025 12:00 م• دخل الزار النسق الثقافي العربي عن طريق العبيد الأحباش
• الزار في المعتقد الشعبي وسيلة للشفاء من أمراض نفسية وجسمية وشكلاً من أشكال السيكودراما
هل طقس "الزار" فن مسرحي أصيل؟.. للإجابة على هذا السؤال يجب في البداية معرفة ما هو الطقس؟ وما هو الزار؟، فالتعريفات الخاصة بهذين المصطلحين ستمنحنا نصف الإجابة، والمقارنة بين مقومات وقواعد فن المسرح وطقس الزار ستمنحنا النصف الآخر من الإجابة.
في كتابه تاريخ المسرح في ثلاثة آلاف سنة، يتتبع شيلدون تشيني تاريخ نشأة المسرح لدى الشعوب البدائية فيقول: نستطيع بعد أن عرفنا كيف أصبحت رقصات طقوسهم الدينية رقصات مسرحية أن نتصور ذلك النشاط المسرحي الذي يكاد يشمل الدنيا بأسرها، والذي كان موجوداً قبل ذلك التاريخ الذي يعدونه عادة ميلاد المسرحية الغربية في اليونان في القرن السادس قبل الميلاد.
وتمتلك كل الشعوب طقوسا، تمثل نوعًا خاصًا من السلوك القابل للملاحظة، يمكن النظر إليه كطريقة لوصف الإنسان أو التعريف به فالإنسان قد يعرف على أنه كائن عاقل أو كائن اقتصادي أو سياسي ، كما يمكن النظر إليه بوصفه كائن طقوسي، وتتمايز الطقوس من مجتمع لآخر باختلاف الديانات والمعتقدات والثقافات، فثقافة كل مجتمع هي التي تحدد طقوس هذا المجتمع ومن ثمة تصبح الثقافة عنوانا لإبراز سلوكياته وممارساته بقوة المعتقد، التي يفرضها الطقس على ممارسيه.

لوحة للفنان الدكتور طه القرني عن طقس الزار
أما عن تعريف الطقس، فله الكثير من التعريفات ونبدأها بأصل الكلمة وهو جاء من اللاتينية ( Ritus ) التي تعني الطقس الديني، وفي العربية سنجد أنها كلمة مستحدثة من الكلمة اليونانية Taxis التي تعني النظام والترتيب، وتستخدم للتعبير عن الشعائر والاحتفالات، وخاصة الطقوس الكنسية عن المسيحيين .
ويعرف (الطقس ) في المعجم المسرحي / حنان قصاب بأنه فعل جماعي له طابع القدسية وله برنامج وسيرورة هي مجموعة من المراسيم الاحتفالية ( الدينية أو الاجتماعية ) المتبعة في تجمع بشري ما ويعرف خطوطها العامة سلفا، والطقس بشكله الصافي هو فعل يقوم علي استحضار حالة من الماضي ( أسطورة أو حادثة أو خرافة ) والتعامل معها كواقعة، لكنه مع كونه ممارسة اجتماعية تفترض المشاركة وتتم في فضاء محدد هو فضاء الاحتفال، إلا أنه يتطلب من الفرد المشارك في عملية الاستحضار لعلامات الماضي الغائب هذه استثمارا كاملا لقدراته الخاصة الجسدية والصوتية.
والطقوس كما يعرفها علماء الانثروبولوجيا الاجتماعية، هي مجموعة حركات سلوكية متكررة، يتفق عليها أبناء المجتمع وتكون على أنواع وأشكال مختلفة، تتناسب والغاية التي دفعت الفاعل الاجتماعي أو الجماعة للقيام بها، و( طقس الزار ) أصله طقس وثني للقبائل الأفريقية البدائية، وانتقل من الحبشة إلي السودان، ثم إلي مصر، ثم لباقي البلاد العربية، ودخل الزار النسق الثقافي العربي عن طريق العبيد الأحباش، وطرأ عليه تغير في سماته فأصبح في المعتقد الشعبي وسيلة للشفاء من أمراض نفسية وجسمية، والبعض الآخر جعل مناسبته طرد الأسياد التي تتقمص الأشخاص أو استرضائها بتقديم أضاحي، وقرابين وأداء رقصات إيقاعها سريع علي دقات دفوف صاخبة.

هل الزار فن مسرحي أصيل
الزار يقام من خلال كودية وهي امرأة ذات بشرة سمراء تقوم بدور الوسيط بين الملبوسين والأسياد وتقيم كل " كودية "ثلاثة أنواع من حفلات الزار ، حفل زار كبير ، وآخر (أسبوعي)، وحفل زار (حولي) ويقام كل عام في شهر رجب، ويخصص للأسياد المعروفة، وتتوقف حفلات الزار بكل أنواعها طوال شهر رمضان بلا استثناء لأي نوع منها.
أما عن المكونات المسرحية في طقس الزار، فهي:
يحتوي طقس الزار علي مشاهد لها طابع مسرحي وأشكال فرجة احتفالية فلكورية، وهو حالة مثله مثل أنواع كثيرة من المسرح، فالزار يتطلب مكان يقام به، وله مؤدون يتقمصون ويشخصون، فالكودية في الزار تشخص مرض المريوحة / عروس الزار / المريضة وذلك بكشف الأثر بأن تأخذ شيئا من أثر المريضة وتضعه تحت الوسادة أثناء نومها وبعد يوم او يومين يتجلي لها السيد الذي يسكن جسد مريضتها، وتعرف طلباته وتجهزها مع أهل المريضة ثم تقام الحفلة في يوم يتفقون عليه حيث تقوم الكودية بوضع كرسي في وسط المجلس، تجلس عليه صاحبة المنزل التي نصب لها الزار، وتحضر فرختين وديكاً ، و تربط أرجلها ، ثم تضع الديك على رأسها ، والفرختين على أكتافها، ثم تتلو نصوصاً معهودة، وينشد المنشد أناشيد بينما الحاضرات يقلن: دستور يا سيادي، مدد يا أهل الله يا سيادي، ويصاحب ذلك كله فرقة تقوم بالعزف على الدفوف بنغمات مختلفة متسارعة
الزار له نص حواري مثله مثل المسرح، وهناك مشهد في الزار يدور فيه حوار بين الجان الذي يتحدث بلسان العروس وبين الشيخة، وفي نسيج هذا الحوار تغني الجوقة حكاية ذلك الجان ويزداد الدق وترفع أصوات النساء من المنشدين ويكون جميع من في الحلبة في حالة اندماج تام ثم تصل الدقة إلى أقصاها و تقع العروس، وغيرها على الأرض.

طقس الزار ولوحة بريشة الفنان الدكتور طه القرني
طقس الزار له ملابس خاصة يتم تجهيزها، ويتم تبادل الملابس لإعطاء تأثير سحري، فحين يتبادل الرجال ملابس النساء والعكس فإنهم يقصدون بذلك مخادعة الروح الشريرة، كما أن تبادل الملابس يستخدم أيضاً لمقاومة السحر ورده، وطقس الزار الأسبوعي القائم علي إظهار الاحترام للسيد و استرضائه يكون له جمهور يسميهن (كريس) مدمنات زار فحضورهن الزار يمنحهن الشعور بالراحة واعتقادهن بعدم قدرتهن على الحياة بدون المشاركة في حفل الزار.
(الموسيقي، الرقص، الملابس، التمائم ، البخور ، الأغاني) كل هذه العناصر تقام في الحفل الكبير للزار، وهي عناصر مشتركة مع فن المسرح، والكودية في الزار هي المعادل للمخرج والمنتج الفني في فن المسرح فهي التي تختار الأشخاص وتستعين بفرقة تدق على أنواع من الدفوف والطبول وارتباط كل سيد من الأسياد بإيقاع خاص ونوع الفرقة، فأبسط الفرق "الفرقة البلدي" مكونة من خمس نساء ثلاث منهن على المزاهر، واحدة على الطلبة النص والأخرى على مرجص، والنوع الثاني فرقة الطنبورة أو الفرقة السوداني، ويضرب على الطنبورة بعض أفراد من أصل زنجي. وعازف منجور واثنتان من عازفات الطبلة، أما النوع الثالث فهو فرقة أبو الغيط، تتكون من راقص يقوم بدور المنجور نفسه ، واثنين من عازفي الصفارة وتقوم زوجة الراقص بالضرب على الرق.
ولا شك أن استحضار القصص وتجسيدها في حفلات الزار عنصر مسرحي قائم علي استجلاب قصص اسطورية خرافية عن الجن والعفاريت والشياطين ، وطقس الزار يؤدي في نهاية المطاف إلي حالة من النشوة أو الوجد وهي حالة تفريغ نفسي وجسدي يؤدي إلي الانعتاق والتطهير، وهذا ما استثمرته السيكودراما في بعض أشكالها، وكذلك المسرح الاحتفالي الطقسي، لذلك يمكن النظر للزار علي أنه شكلاً من أشكال السيكودراما ويتميز بالدمج بين أساليب مختلفة مثل الغناء والطبول والرقص، كما أنه يحتوى على تعبيرات فنية، وطرق يستخدمها مثل الملابس الشعبية، ووسائل مسرحية تقليدية، وماكياج، وبخور.. إلخ، هذا إلى جانب كونه ممارسة تتم في جو احتفالي مدعوم بالذبائح والكرامات.
الزار حاليًا تحول لعروض يتوجه إليها جمهور ويدفع " تذكرة " لمشاهدته وهذا ما يوفره المركز المصري للثقافة والفنون "مكان"، فقد كون "فرقة مزاهر"، التي أصبحت الفرقة الوحيدة، وربما الأخيرة، التي تحافظ على إحياء هذا الطقس أو النوع من الفن التراثي.

الزار المصري
ولكن ما هي السمة الفارقة بين فن المسرح، وطقس الزار ؟، فرغم الكثير من السمات المشتركة والمكونات المسرحية المتشابهة بين طقس الزار وفن المسرح، إلا أن السمة الفارقة بينهما هي أن فن المسرح فن متكامل الأركان، أما طقس الزار فهو مجرد طقس اعتقادي لمعتقد اجتماعي أو ديني ليس به التكامل في العناصر كما المسرح ، والتنظيم الطقسي يقبل الارتجال أو الحذف والإضافة والتبديل بين الأجزاء علي حسب رؤية الكودية أو الشيخة ، لكن فن المسرح حينما يتحول إلي عرض فإنه لا يقبل ذلك إلا في حالات بعينها، والطقس معتقد ديني أو اجتماعي متوارث، وحتي لو قدمناه كمسرح سيكون الطرح مختلف وسيكون هناك قواعد ونص وحوار متفق عليه ، كما قدم عرض بعنوان " دقة زار " لعادل العليمي أو " عروس الزار " لمحمد الفيل وهما عرضان من تراث المسرح المصري قدما علي مسارح الدولة .
• المصادر:
1- المعجم المسرحي / حنان القصاب
2- الدلالات الدرامية للنظم الطقسية في الدراما التجريبية / د. مصطفي سليم / الهيئة العربية للمسرح
3- إبراهيم حمادة (د): معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية، القاهرة،دار المعارف،1985،صـ113 .
4- احمد بدوى (د): محاضرات فى علوم المسرح، الزقازيق,جامعة الزقازيق، كلية التربية النوعية،صـ4 .
5- أرسطو: فن الشعر، ت: ابراهيم حمادة، القاهرة، مكتبة الانجلو المصرية،1983
6- الزار دراسة نفسية / فاطمة المصري / الهيئة المصرية العامة للكتاب
7- الزار ومسرح الطقوس / عادل العليمي / الهيئة المصرية العامة للكتاب
8 – صورة المقال بريشة الفنان الدكتور طه القرني
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة اليوم السابع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من اليوم السابع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.