محمد عبد الرحمنالجمعة، 11 أبريل 2025 09:51 م يبدو العرض المسرحي "في يوم وليلة"، إنتاج المسرح الكوميدي التابع للبيت الفني للمسرح، تأليف وإخراج محمد عبد الستار، وكأنه مزحة خفيفة في ظاهرها، لكنه يفتح بابًا واسعًا على تساؤلات وجودية واجتماعية جديرة بالتأمل، وذلك من خلال معالجة تجمع بين الطابع الفارس (Farce) والكوميديا الاجتماعية الساخرة. المسرحية، وإن اتخذت من الكوميديا الفارسية قالبًا أساسيًا لها، فإنها لا تتوقف عند حدود "الإفيه" أو النكتة السريعة، بل تسعى – بنجاح متفاوت – إلى تجسيد كاريكاتير مجتمعي يلامس حياة الطبقة الوسطى، عبر شخصيات مرسومة بمبالغة مقصودة، هذه المبالغة لم تكن عبثية، بل أدت وظيفتها الدرامية في تسليط الضوء على العبث الكامن في تفاصيل الحياة اليومية. وكان من العناصر التمثيلية التي استطاعت التعبير عن الشكل الكاريكاتيري بمبالغة وخفة، الفنان محمد الدمراوي في شخصية "عوادلي"، "الدمراوي" المعروف بأدواره الجادة، ظهر هنا "في يوم وليلة" بوجه جديد، لكنه مفعم بخفة الظل والطاقة الحركية، في تجربة تضعه على مسار مختلف من الأداء، يعتمد فيها على الكوميديا الجسدية والإفيه اللفظي دون أن يفقد صدقه التمثيلي. محمد الدمراوي في شخصية "عوادلي" "عوادلي"، بصفته شخصية الصديق القدري، الذي يورط صديقه دومًا بسبب طيبته، جاء معبرًا عن نموذج واقعي كثيرًا ما نصادفه، لكن دون أن يقع الدمراوي في فخ التكرار أو الابتذال، حيث اتسم أداؤه بذكاء ملحوظ في توقيتات الإفيه، وتوزيع التعبيرات الحركية، ومهارة التنقل اللحظي بين المواقف، وكل ذلك مدعوم بلياقة جسدية جعلت حضوره ملفتًا دون أن يتعدى على مساحة البطولة. مع ذلك، لا يمكن إغفال أن شخصية "عوادلي"، رغم قوتها الأدائية، لم تُستغل دراميًا بالشكل الأمثل، فالنص لم يمنح الشخصية العمق الكافي الذي يسمح لها بالخروج من قالب "الكوميديان المساعد"، رغم أن هناك إمكانيات فعلية لخلق خط درامي موازٍ يُضيف للعمل بُعدًا نفسيًا واجتماعيًا كان ممكنًا جدًا مع ممثل مثل الدمراوي يمتلك أدوات التلوين الفني والارتجال الواعي. وظّف محمد الدمراوي أدائه الحركي بتناسق مع ملابس الشخصية ورغم أن العرض يتمتع بجودة فنية من حيث الإيقاع العام والانسجام بين الشخصيات، إلا أن هناك ملاحظات واضحة على عدم توظيف بعض الأدوار بشكل يخدم الهدف الدرامي الأوسع، شخصيات ثانوية تم توظيفها لتأدية غرض محدد دون ترك أثر يُذكر، وهو ما يطرح سؤالًا حول مدى قدرة النص على استيعاب كل هذا الكم من الطاقات التمثيلية دون أن يفرّط بها. في النهاية، "في يوم وليلة" هو عرض يحمل من الكوميديا أكثر مما يظهر، ومن الهمّ الإنساني أكثر مما يُقال، أما محمد الدمراوي، فقد نجح في أن يُعيد تقديم نفسه للجمهور في صورة جديدة تستحق الوقوف عندها، وربما هي دعوة صريحة لمخرجي المسرح إلى إعادة النظر في أنماط التوزيع التقليدية للأدوار، ومنح الموهبة مساحة لأن تتنفس.