لم يكن فيلم مدرسة الناظر مجرد عمل سينمائي عابر. حين عرض لأول مرة عام 2000، لم يكن أحد يتوقع أن تتحول مشاهده إلى مرجع كوميدي، تتداولها الأجيال في المقاطع والعبارات والنكات حتى اليوم. لكن خلف الكوميديا البراقة، وبين ضحكات المشاهدين، سكن حزن دفين لا يظهر على السطح، فنجوم هذا الفيلم المليء بالحياة رحلوا تباعًا، وكان آخرهم، النجم سليمان عيد، تاركين وراءهم شاشات أطفئت وأنين كاميرا اشتاقت لضحكاتهم. علاء ولي الدين.. ناظر المدرسة وقائد الضحكة في مقدمة الراحلين، يقف علاء ولي الدين، الذي لعب دور "الناظر عاشور"، وهو الاسم الذي لم يعد يذكر إلا مقرونًا بالبسمة. كان الفيلم بمثابة انعكاس حقيقي لحضوره الآسر على الشاشة. لكن القدر لم يمهله طويلًا، إذ رحل علاء عن الدنيا في عام 2003، وهو في قمة عطائه، عن عمر ناهز 39 عامًا فقط. وفاته شكلت صدمة في الأوساط الفنية، خصوصًا أنه كان يحضّر لفيلم جديد بعنوان "العربجي"، لم يكتمل. حسن حسني.. الأب الذي تبناه الجميع لا يذكر فيلم "الناظر" دون تذكر العملاق حسن حسني، الذي أدى دور والد علاء ولي الدين، وقدم شخصية تدرس في الكوميديا السوداء. بعينين تمزجان بين الحزم والتهكم، أضفى حسني عمقًا غير متوقع على دور الأب. رحل حسن حسني في عام 2020 عن عمر ناهز 88 عامًا، بعد رحلة عطاء امتدت لأكثر من 5 عقود، كان خلالها "صانع البهجة" في السينما المصرية. يوسف عيد.. الضحكة المختصرة يوسف عيد، بظهوره القصير في الفيلم بدور مدرس الكيمياء، اختصر الفن في جملة. جملته الشهيرة "عندك بتنجان؟" تحولت إلى ترند قبل أن يعرف معنى الترند نفسه. لكن هذا الفنان الكبير برح روحه دون ضجة، عام 2014، عن عمر 66 عامًا. لم يأخذ حقه في البطولة المطلقة، لكنه بقي نجمًا في القلوب. محمد وفيق.. المعلم الجاد في فيلم ساخر أطل محمد وفيق في دور المدير القديم "الناظر عاشور الكبير"، واضعًا لمسة درامية بداخل فيلم كوميدي بحت. كان حضوره قويًا حتى في مشاهد قصيرة. توفي عام 2015 عن عمر يناهز 67 عامًا، وودّع الشاشة بعد مسيرة حافلة بين التلفزيون والمسرح والسينما. مشهد وداع طويل... ومقاعد فارغة ومع مرور الزمن، بدأت المدرسة التي احتضنت هذا الفيلم تفقد تلاميذها واحدًا تلو الآخر. اختفى ضجيج التصوير، وهدأت الكاميرا. بقي فقط صدى المشاهد يتردد في ذاكرة عشاق السينما. وبينما يحفظ الجمهور عبارات مثل "إنت جيت يا صلاح؟" أو "اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب"، يغيب عنهم أن كثيرًا من أصحاب هذه العبارات لم يعودوا بيننا. ماذا تبقى من مدرسة الناظر؟ الذين بقوا من طاقم العمل لا يزالون يتحدثون عن الفيلم وكأنه صور بالأمس. أحمد حلمي، الذي برز وقتها بدور صغير، انطلق بعدها إلى آفاق النجومية. هشام سليم، الذي كان واحد من أهم نجوم الفيلم، رحل هو الآخر في 2022. كل من كان حول الفيلم يختفي تباعًا، وكأن المدرسة تغلق أبوابها فصلًا بعد فصل. لكن تبقى السينما هي الذاكرة. فالفيلم الذي صور بروح عفوية ظل خالدًا؛ لأن من صنعوه صدقوا فيه. وحتى وإن غابوا عن الدنيا، فقد سجلوا أسماءهم على السبورة، وكتبوا بخطٍ عريض: "هنا ضحكنا.. وهنا عشقنا الفن". رحيل سكرتير مدرسة الناظر المخرج مجدي الهواري، ودّع النجم سليمان عيد بكلمات مبكية أشار فيها إلى دوره في مدرسة الناظر قائلاً: "في يوم الجمعة، دعا الجميع للصلاة، وكأنه يشعر أن الموعد قريب.. وكأنه يطلب منّا، دون أن يقول، أن نشاركه آخر خطواته في الدنيا. حضرنا جميعًا، صلّينا عليه، وبكينا بحرقة، لكننا أيضًا فرحنا له؛ لأن خاتمته كانت كما تمنى: في يوم مبارك، وسط قلوب تحبه، ولسان حالها يردد: "نِعمَ الختام.. ونِعمَ الرجل". وأضاف: "ترك لنا رسالة بسيطة، لكنها أبلغ من ألف وصية. لم تكن خطبة، ولا وصية مكتوبة، بل مجرد آية. آية قالت كل شيء: "إنسان كويس، والناس كلها بتحبه، وبتدعيله، وبتشهد له بالخير.. هذا هو سليمان عيد... الإنسان قبل الفنان. اللي "كان دايمًا في حاله"، اللي عمره ما زعل حد، وإن اعتذر عن دور فني، كان يسبق اعتذاره خوف من أن يُغضب أحد. كان بسيطًا، نقي القلب، طيب السريرة. لم يكن فقط فنانًا يرسم الضحكة، بل كان ضحكة تمشي على قدمين". وتابع مجدي الهواري: "مصر كلها حزنت عليه، مش جمهوره بس، ولا أصحابه بس. مصر كلها حسّت إنه راح منها واحد من أولادها الطيبين. علامة فارقة من علامات الجدعنة والإنسانية، مش بس الفن.. كأن الله أعطاه أمنية أخيرة: أن يُرى أمام الجميع، لا كمجرد ممثل على الشاشة، بل كآية حية للناس، تقول: لو عايز يومك يبقى حلو، خليك كويس طول عمرك... واللي هيشهدوا عليك يوم ما تمشي، هيبقوا ناس حقيقيين، لأنك عشت للناس، مش لنفسك". واختتم مجدي الهواري منشوره قائلاً: "في أهم مشهد في حياته، كان هو البطل الحقيقي. مشهد الوداع، اللي حضره الكبار والصغيرين، النجوم والبسطاء، اللي حضره الشارع المصري كله بدموع حقيقية.. سليمان عيد مشى بهدوء، لكنه سبَقنا كلنا إلى محطة راقية، وتركنا نتمتم باسمه كلما ضحكنا من قلبنا. ضحّكنا كتير، وبكى قلوبنا برحيله أكتر. صبر... ونال، وبشدة. سلام يا حبيب الناس. لن ننساك... وبشدة". شاهدي أيضاً: كريم محمود عبد العزيز: شاركت في فيلم الناظر بدون علم والدي شاهدي أيضاً: وفاة الفنانة سحر كامل: صاحبة أشهر جملة في فيلم الناظر شاهدي أيضاً: سبب وفاة سليمان عيد المفاجئة: لم يكن مريضاً شاهدي أيضاً: بدرية طلبة تنتقد هذا السلوك خلال جنازة سليمان عيد