ودعت الساحة الفنية اليوم المخرج المصري سامح عبد العزيز، الذي غادر الحياة، تاركًا وراءه مسيرة حافلة بالتجريب والمغامرة والاكتشاف. لم يكن سامح عبدالعزيز مجرد مخرج تقليدي يصنع أفلامًا للعرض الموسمي، بل كان حالة مختلفة في الوسط الفني، صاحب رؤية مثيرة للجدل في بعض الأحيان، لكن لا يمكن تجاهل تأثيره في السينما المصرية المعاصرة. بداية مهنية من خلف الكاميرا انطلق سامح عبد العزيز من بوابة أكاديمية الفنون، وتحديدًا قسم السيناريو، حيث تخرج وهو يحمل شغفًا بالعدسة والرغبة في صياغة القصص بطريقته الخاصة. بدأ مشواره في التلفزيون المصري، وتحديدًا داخل قطاع الأخبار، ثم تنقل كمساعد مخرج في عدد من الأعمال الدرامية، حتى جاءت فرصته في السينما ليقدم أول أعماله، ويبدأ رحلته كمخرج صاحب لون مختلف. مكتشف روبي وصانع أول ضجة في مسيرتها واحدة من أبرز المحطات التي صنعت اسم سامح عبد العزيز بسرعة لافتة كانت اكتشافه للفنانة روبي. كانت روبي وقتها وجهًا غير معروف، لكنه رآها بعيون المخرج الجريء، وقرر أن يقدمها بطريقة لا تشبه ما هو سائد، فأخرج لها فيديو كليب انت عارف ليه، الذي اعتبر حينها صادمًا في جرأته وإخراجه. اعتمد على الإيقاع السريع، واللقطات المتحركة، وطريقة تصوير غير تقليدية، ليصنع اسمًا فنيًا جديدًا ويطلق روبي إلى عالم الشهرة من أوسع أبوابه. ومنذ تلك اللحظة، ارتبط اسم سامح عبد العزيز بكل ما هو غير مألوف في المشهد الفني. السينما التي تشبه شوارع الناس قدم سامح عبد العزيز سلسلة من الأفلام التي يمكن اعتبارها مرآة للشارع المصري. لم يتعامل مع السينما كترف بصري، بل كمادة خام تنتمي إلى الناس وتفاصيلهم. ومن بين أهم أفلامه يبرز فيلم كباريه، الذي تناول عالم الملاهي الليلية ليس من زاوية فضائحية، بل من منظور إنساني يتقاطع فيه الألم والطموح والهزيمة. ثم جاء فيلم الفرح ليقدم قصة تدور في ليلة واحدة داخل حفل شعبي، لكنه يرسم خلالها خريطة لوجع الطبقة الكادحة، ويستعرض أوجاعها المتراكمة. استكمل عبد العزيز ثلاثيته الشعبية بفيلم الليلة الكبيرة، الذي دارت أحداثه داخل مولد شعبي، وجمع فيه بين الأداء الجماعي والدراما النفسية، مقدمًا مزيجًا من الواقعية الاجتماعية والطابع الفلسفي في الحكاية. تجارب تلفزيونية ترسخ حضوره الجماهيري رغم تعلقه بالسينما، لم يغب سامح عبد العزيز عن الشاشة الصغيرة، وحقق نجاحات ملحوظة في عالم المسلسلات. من أبرز أعماله الرمضانية مسلسل رمضان كريم، بجزأيه، والذي صور فيه الحياة الشعبية خلال الشهر الكريم، بعيون مليئة بالتفاصيل الدقيقة، والمفارقات اليومية التي يعيشها المصريون في الحارة. كذلك أخرج مسلسل حرب نفسية، الذي اتجه فيه إلى دراما من نوع مختلف، تلامس الصراعات الداخلية والاضطرابات النفسية، ليؤكد تنوع أدواته كمخرج. بين الفن والأزمات عرف سامح عبد العزيز في الوسط الفني بشخصيته الصريحة والمباشرة، ولم يكن يخشى الخلافات الفنية أو التصريحات المثيرة. مر خلال حياته بعدة أزمات، بعضها مرتبط بالحياة الشخصية، والبعض الآخر كان فنيًا، لكنه رغم كل ذلك كان ينهض مجددًا بمشروع جديد. لم يكن يسعى لإرضاء الجميع، بل لإقناع جمهوره برؤيته التي يؤمن بها. غيابه المفاجئ وخسارة الوسط الفني جاء خبر وفاته صادمًا للوسط الفني، خاصة وأنه كان لا يزال في قمة عطائه، ولديه العديد من المشاريع المرتقبة. غاب سامح عبد العزيز فجأة، لكن أعماله ستبقى شاهدة على مخرج حقيقي، لم يهادن، ولم يسلك الطريق الأسهل. كان مغامرًا لا يخشى السقوط، وصاحب عين تلتقط الحكايات المهملة وتصنع منها أفلامًا تليق بالذاكرة. إرثه الفني ومكانته بين أبناء جيله يحسب لسامح عبد العزيز أنه من المخرجين القلائل الذين مزجوا بين السينما الشعبية والنقد الاجتماعي، دون أن يفقدوا الحس الجمالي في الصورة. قدم أسماء ووجوه فنية جديدة، وأعاد تقديم بعض النجوم بشكل مختلف، وساهم في خلق موجة من الأفلام التي تلامس الواقع دون تجميل. إرثه الفني لا يقتصر فقط على أفلامه، بل يمتد إلى تأثيره في الأجيال التالية من المخرجين، الذين وجدوا في تجاربه مصدرًا للإلهام والتحرر من القوالب الجاهزة. وداعًا لصوت مختلف برحيل سامح عبد العزيز، تفقد السينما المصرية صوتًا مختلفًا، لم يكن يومًا جزءًا من السائد، بل كان يسير دائمًا عكس التيار. مخرج جمع بين الصدق والبساطة والجرأة، وترك بصمته على الفن المصري في زمن يحتاج إلى من يشبهه. شاهدي أيضاً: النجوم يودعون سامح عبدالعزيز بكلمات مؤثرة: قلب طفل وأخف دم شاهدي أيضاً: سبب وفاة سامح عبدالعزيز: تفاصيل الساعات الأخيرة في حياته