لم يكن لطفي لبيب مجرد ممثل بارع أو وجه مألوف في الدراما والسينما المصرية، بل كان حالة إنسانية متفردة، مزيجًا نادرًا من خفة الظل، والالتزام، والكرامة، والانتماء، ترك في قلوب زملائه ومحبيه إرثًا من المواقف الصادقة، والحكايات التي تكشف عن معدن نادر لفنان ومقاتل، ظل يحمل روحه وقلبه في كل مشهد، وفي كل لحظة.
تحية عسكرية داخل المطار: حين تحدثت الأجيال عن بطل الكتيبة 26
قصة لطفي لبيب لم تكتب فقط على خشبات المسرح أو في كواليس التصوير، بل حفرت في ذاكرة من عاصروه، وتجلت في شهادات مؤثرة رصدت الجانب الإنساني العميق في شخصيته.
سيف الدين محمود استرجع أحد هذه المشاهد حين روى موقفًا حدث أثناء رحلة العودة من مهرجان الأقصر. كان برفقة مجموعة من النجوم، بينهم لطفي لبيب، وعند الوصول إلى المطار فوجئ بترحاب شديد من العاملين، ثم ظهر رئيس المطار بنفسه، مرتديًا بدلته العسكرية، ليقدم التحية العسكرية لعم لطفي.
الدهشة كانت في ذروتها حين اكتشف سيف أن رئيس المطار كان أحد أفراد الكتيبة 26 التي خدم فيها لطفي لبيب خلال حرب الاستنزاف وأكتوبر، رغم أنه لم يخدم معه شخصيًا. لكنه أخبرهم أن حكايات لطفي في الكتيبة تروى عبر الأجيال، وأنه بطل يحكى عنه لا ينسى. في عيني ذلك الضابط، رأى سيف التقدير العميق، وفي عيني لطفي لبيب، قرأ امتنانًا نادرًا، وصفه بأنه درس كبير في الاحترام والوفاء.
بطل المسرح وكواليس الحكايات: لقاء لا ينسى مع عماد البهات
أما المخرج عماد البهات فقد استعاد موقفًا إنسانيًا لا يقل شاعرية، حين التقى بلطفي لبيب عام 2016 في إطار تحضيرات لفيلم قصير، وفوجئ بحماسه لتقديم دور صغير لم يسبق أن أداه. دعاه لاحقًا لحضور مسرحيته على خشبة المسرح القومي، وهناك، عاش أمسية استثنائية.
يقول البهات: "عام 2016 كان فيه بينا مشروع فيلم، عرفني عليه المنتج الكبير حسين القلا. رغم صغر حجم الدور لكن فوجئت بتحمسه لأداء الشخصية وأنه مالعبش الدور ده قبل كده.. تجاوزنا التعارف المهني وبعد فترة عزمني أشوف عرض مسرحي له بالمسرح القومي.. روحت المسرح وأنا متخيل أننا هاندردش شوية قبل العرض وبعدها أشوف المسرحية.. قعدنا في أوضته بالقومي وفتحنا دردشة مانتهتش غير في نهاية العرض اللي ماشوفتوش ليلتها من حلاوة حديثة وخفة روحه بالحياة كما بالفن".
كان لطفي لبيب يتنقل بين الغرفة والمسرح لأداء مشاهده، ثم يعود لمواصلة الحديث بنفس الحماسة والحيوية. فيضيف البهات: "كان يسيبني بغرفته ويدخل لمشهده على المسرح ويرجع يستكمل حديثه بنفس الحيوية عن حياته وعلاقته بالتمثيل وحرب أكتوبر اللي شارك فيها والسيناريو اللي كتبه عنها وكان نفسه يتنفذ.. رحمة الله عليك يا فنان يا كبير بقدر ما أسعدتنا".
ثاني أكسيد المنجنيز ومرارة التهميش: بلال فضل يفتح خزائن الذكريات
من جانبه، كتب السيناريست والصحفي بلال فضل واحدًا من أكثر النصوص عمقًا عن لطفي لبيب، كاشفًا عن معاناته مع "أدوار ثاني أكسيد المنجنيز"، وهو التعبير الساخر الذي استخدمه لطفي لوصف الأدوار الصغيرة التي تبرز أداء الآخرين رغم قلة مساحتها. بلال الذي تعاون معه في خمسة أفلام، قال إن لطفي كان يتعامل مع كل دور، مهما كان حجمه، بروح المحترف المؤمن بأن كل مشهد فرصة للتعبير، وكل لقطة مسؤولية.
أوضح بلال أن لطفي كثيرًا ما كان يخفي حزنًا كبيرًا خلف ضحكته وروحه المرحة، حزنًا على عدم حصوله على أدوار تليق بموهبته، رغم تقدير الكثيرين له على المستوى الشخصي. لكن، كما كتب بلال، فإن الأجيال الأصغر من المخرجين والنجوم هم من منحوه المساحات الأوسع، بدءًا من فيلم جاءنا البيان التالي عام 2001، لتتوالى بعدها الأدوار الكبيرة والمؤثرة.
الكتيبة 26: حلم لم يتحقق ومشروع عمره الذي وُئد
لكن جرحه الأكبر، كما يروي بلال، ظل هو عدم تنفيذ سيناريو "الكتيبة 26"، الذي كتبه لطفي لبيب عن تجربته في الحرب، وكان يعتبره مشروع عمره، ويحلم أن يرى على الشاشة. مشروع ظل حبيس الأدراج رغم كل المحاولات، ليبقى شاهدًا على خيبة أمل كبيرة في منظومة لم تنصف هذا النوع من الحكايات، ولا هذا النوع من المقاتلين-الفنانين.
هنتعشى جلوكوز: كيف قبل دور من سيناريست مبتدئ بلا وساطة
وفي مشهد إنساني آخر، روى المخرج مارك لطفي كيف اتصل بلطفي لبيب عام 2008 وهو لا يزال في بداياته، يعرض عليه سيناريو لفيلم قصير. فاجأه لطفي بقبوله قراءة النص دون معرفة مسبقة أو وساطة، ثم وافق على المشاركة في العمل دون مقابل تقريبًا، ساخرًا من الميزانية بقوله: "هنتعشى جلوكوز، ومحاليل ملحي".
عندما سأله مارك عن ترشيحات لبقية الأدوار، تذكر لطفي زميله يوسف داود، وقال له: "قوله لطفي بيقولك إنك وحشته". لحظة صغيرة، لكنها تلخص ما كان عليه هذا الرجل من حب، ووفاء، ونُبل.
وداعًا لطفي لبيب.. البهجة التي تخفي حزنًا عميقًا
لطفي لبيب لم يكن مجرد وجه محبوب، بل روحٌ شريفة، وفنان لم يبع موهبته، ولم يساوم على كرامته. عاش كما يليق بمقاتل، ومات كما يليق بفنان صادق. ترك في قلوبنا مساحة من البهجة والحكمة، ومساحة من الحزن لأننا لم ننصفه كما ينبغي، تمامًا كما لم ينصف هو مشروعه الكبير عن "الكتيبة 26".
وداعًا لطفي لبيب
المقاتل الذي لم ينسَ في قلوب جنوده، والفنان الذي لم ينس في عيون جمهوره. بهذه القصص والحكايات الدافئة نسج المشاهير ذكرياتهم مع لطفي لبيب ليكشفوا بكلماتهم الجانب الذي لم يعرفه الجمهور عنه.
شاهدي أيضاً: لطفي لبيب عن تطورات حالته الصحية: فقدت نصفي
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ليالينا ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ليالينا ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.