في كل مرة كنا نلتقي الفنان الخلوق طلال سلامة، كان يُملي علينا تفاصيل فنية دقيقة تشي بعمق موسيقي واستقلالية أسلوبية محضة، ما يدفعنا إلى تساؤل أعمق: ما الذي كان يحول بين مدرسته الفنية الخاصة وبين الانتشار الذي يليق بها؟ حين نُقارب تجربة طلال سلامة نقدياً، لا نتحدث عن صوت جميل ببصمة خاصة فحسب، بل عن حساسيةٍ لحنيةٍ صاغت ذائقة فنية عبر ثلاثة عقودٍ وأكثر، محتفظة بميزتها الأهم؛ رهافة التعبير وقدرته على تحويل الجملة اللحنية إلى معنى شعوري متكامل. بصمته الصوتية لم تكن استعراضاً تقنياً أو شكلياً، بل نهج يوازن بين التطريب والوضوح، ما جعله من الركائز الراسخة في الأغنية السعودية الحديثة. وتبدو ملامح هذه الركيزة منذ بداياته في منتصف الثمانينات، مسنوداً إلى تكوينٍ موسيقي تعلم فيه الموسيقى وتشربها على أيدي أساتذة كبار على رأسهم «صوت الأرض» الراحل طلال مدّاح، قبل أن يبني أسلوبه الخاص بعيداً عن صخب السجالات الفنية وتراشقات النجوم التي كانت تتسيد المشهد. طلال سلامة في الأغنية السعودية هو «أمير الرومانسية» بلا منازع برأيي، وفق اختياراته اللحنية والإيقاعية وجمله الموسيقية التي لطالما كانت تسمح للطبقات المتوسطة من صوته بالإفصاح عن الحنين لا الصراخ. حتى أغنيته الجماهيرية التي ارتبطت ببداياته «الله الله يا منتخبنا» تكشف عن الفطرة الرومانسية في مشواره الفني، ما يشي بذكاءٍ لَحني مبكر، يعزز تمكنه وقدرته على الإبحار في الألوان الموسيقية من الرومانسي والكلاسيكي الطربي إلى الشبابي، وصولاً إلى المجسّات والدانات. على مستوى الحضور الإنتاجي، تُظهر خرائط أعماله ألبومات ممتدة منذ التسعينات إلى اليوم، وهو استمرار نوعي ظل يحافظ فيه على روح الأداء ويُحدِّث أدوات التسجيل والتوزيع بما يلائم سمع اليوم. هذه الاستمرارية المُوثَّقة في أرشيفه تؤكد مساراً متصاعداً في الصنعة لا يركن إلى نوستالجيا البدايات. ظلّ بعيداً عن صراعات الوسط، مُراهناً على جودة الأداء وحسن الاختيار، ما رسّخ مكانته ضمن السلالة السعودية الفنية وبخصوصية تُجيد وزن الشجن، وتعرف متى تُمسكه، ومتى تدع الجملة الموسيقية تتهادى حتى تستقرّ في القلب. طلال سلامة من الأسماء الكبيرة الراسخة في الأغنية السعودية، صوتٌ صقلته الأصول، ووسَّعته الخبرة، وأحبته الجماهير. أخبار ذات صلة