شهدت الدورة السادسة والأربعين من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لحظة مؤثرة خلال ندوة تكريم الفنان خالد النبوي، الذي حصل هذا العام على جائزة فاتن حمامة للتميّز تقديراً لمسيرته الممتدة عبر عقود، ولإسهاماته الكبيرة في السينما المصرية والعربية. وجاء التكريم ضمن ندوة خاصة حضرها جمهور المهرجان وعدد من الفنانين وصناع السينما، ليؤكد النبوي خلالها أن هذا التكريم يهديه قبل أي شيء إلى عمّال السينما الذين وصفهم بأنهم “الأبطال الحقيقيون” خلف الكاميرا.

تكريم خالد النبوي بمهرجان القاهرة 2025

منذ بداية الندوة، حرص الفنان خالد النبوي على تقديم رسالة واضحة تتعلق بمعاناة العاملين في مواقع التصوير، مشيراً إلى أن هؤلاء يتحملون ضغوطاً شاقة في ظروف قاسية، ويقفون لساعات طويلة لإنجاز اللقطات المعقدة التي قد لا تتجاوز ثوانٍ قليلة على الشاشة. وروى النبوي إحدى ذكرياته المبكرة خلال تصوير فيلم "المهاجر" مع المخرج الراحل يوسف شاهين، متوقفاً عند مشهد قصير لم يزد ظهوره في الفيلم عن عشر ثوانٍ. ورغم قصره، كشف أن تصويره تطلّب جهداً ضخماً من فريق العمل، حيث اضطر العمال للوقوف على حواف ضيقة في منطقة صخرية، ما جعل المشهد من أصعب التجارب التي مرّ بها. وأضاف قائلاً: "تعبهم وخوفهم عليّا خلّاني أحس بخجل وخوف إني ما أقدّيش المشهد صح وأضيع مجهودهم الكبير".
كما وجّه تحية خاصة لعدد من العمال الذين رافقوه في تلك التجربة، ذاكراً بالاسم: عم جابر، حسن جاد، ورينجو.

ندوة خالد النبوي بمهرجان القاهرة 2025

الندوة التي جاءت ضمن برنامج "أيام القاهرة لصناعة السينما"، حملت عنوان "من نجم شاب إلى أيقونة سينمائية"، وأدار الحوار فيها الكاتب والسيناريست زين خيري. مثّلت الندوة مساحة مهمة لاستعادة محطات مفصلية من رحلة النبوي الفنية، حيث تحدث بصراحة عن بداياته، مؤكداً أنه لم يكن يخطط لأن يصبح ممثلاً. وقال: "أنا مكنتش فاهم إني عايز أبقى ممثل، أنا كنت عايز شغلانة كويسة أكسب منها عيش".
وكشف أنه خلال دراسته في معهد التعاون الزراعي، كان يقضي وقت المحاضرات في كافتيريا المعهد، إلى أن اكتشف باباً مكتوباً عليه "المسرح"، ودخله بدافع الفضول. هناك التقى مخرجاً طلب منه قراءة نص قصير، فاعتذر قائلاً إنه جاء فقط للمشاهدة، لكن المخرج أصرّ قائلاً: "مافيش حد ييجي هنا يتفرّج.. يا تشتغل يا تقرا".
وبعد عودته إلى المنزل، فوجئ أن النص الذي كُلّف بقراءته هو دور البطولة في العمل المسرحي. وأوضح النبوي أنه شعر خلال البروفات الحركية بإحساس غريب من السعادة، وهو الشعور نفسه الذي ما يزال يرافقه حتى اليوم عندما يقف أمام الكاميرا.

خالد النبوي وحسين فهمي 

وفي سياق حديثه، توقّف النبوي عند علاقته بالفنان حسين فهمي، واصفاً إياه بأنه أستاذ وصديق، تعلم منه الكثير خلال كواليس الأعمال المشتركة. وأوضح أن فهمي دائماً ما كان يطمئنه بأن قلة الفرص ليست عائقاً أمام من يؤدي عمله بإخلاص، قائلاً له إنه انتظر عامين كاملين قبل أن تأتيه أي فرصة جديدة، وهو ما علّمه الصبر والإيمان بالموهبة.
كما استحضر النبوي ذكرياته مع المخرج العالمي يوسف شاهين، مؤكداً أنه كان مخرجاً شديد الدقة في توجيه الممثلين، وأن اهتمامه بتفاصيل الحالة الشعورية في كل مشهد كان من أهم الأسرار التي جعلته مخرجاً استثنائياً. وقال إن تأثير شاهين كان كبيراً لدرجة أن كلمة "أكشن" نفسها كانت تحمل عنده طاقة مختلفة.
وخلال الندوة، لم ينسَ النبوي أن يوجّه الشكر للمخرجة إيناس الدغيدي، التي كانت قد وقّعت معه عقداً لبطولة فيلم "ديسكو ديسكو". لكن عندما اختاره يوسف شاهين لفيلم "المهاجر" وأخبره بأنه يحتاج تفرغاً كاملاً لمدة عام، توجّه إلى الدغيدي ليشرح لها الموقف. وكانت إجابة المخرجة، كما قال: "اذهب إلى يوسف شاهين.. ده أهم مني بكتير. والعقد؟ أنا هقطّعه بإيديا".
وأكد النبوي أن هذا الموقف بقي محفوراً في ذاكرته، لما حمله من دعم حقيقي وحب للفن.
وشدد الفنان على أن تكريمه بجائزة فاتن حمامة للتميّز لا يخصّه وحده، بل يخص كل من ساعده في مسيرته، وعلى رأسهم عمال السينما الذين وقفوا خلف نجاح أعماله. واستعاد مرة أخرى تفاصيل مشهد التفجير في "المهاجر"، مشيراً إلى الظروف الصعبة التي مرّ بها العمال أثناء الوقوف على حافة الصخور وتحضير المشهد لساعات. وقال إن هذا المشهد كان أحد اللحظات الفاصلة التي جعلته يدرك قيمة الإخلاص والتفاني لدى العاملين خلف الكاميرا.