اقتصاد / صحيفة الخليج

هيمنة «أبل».. جدل مستمر حول الاحتكار والابتكار

إعداد: أحمد البشير

لا شك أن شركة أبل الأمريكية من أعظم القوى الاقتصادية في عالم اليوم، وتتمتع بمكانة فريدة تجمع بين الحب والإعجاب من جهة، والانتقادات والمخاوف من جهة أخرى. وبينما ارتبطت سمعتها بالابتكار والتفوق في التصميم، لا يزال هناك جدل مستمر حول مدى قوة سيطرتها على السوق والطرق التي تعتمدها للحفاظ على هذه الهيمنة. وتعتمد هذه القوة الهائلة إلى حد كبير على تحكمها الصارم في هواتف «آيفون»، ما يثير تساؤلات حول مدى استمرار هذه السيطرة وما إذا كانت تواجه تهديدات خارجية أو داخلية قد تؤثر على مستقبلها.
بدأت قصة «أبل» بأسلوب ثوري في عام 1984، مع الإعلان الشهير الذي أُطلق خلال بطولة «سوبر بول» الأمريكية. وكان الإعلان بمثابة تحدٍ للأنظمة الديكتاتورية والمسيطرة، حيث صوّر شخصية «الأخ الأكبر» من رواية (1984) للأديب الإنجليزي جورج أورويل، ليتم تدميرها بواسطة امرأة شجاعة تحمل المطرقة. وهذا الإعلان لم يكن مجرد تسويق لجهاز «ماكينتوش» الجديد، بل كان يعبر عن فلسفة ستيف جوبز وفريقه في الشركة ورغبتهم في تحرير التكنولوجيا من قبضة الشركات والحكومات الكبيرة ووضعها في أيدي الأفراد.
نمو هائل
وخلال العقود التالية نمت «أبل» بشكل هائل، وتحولت من شركة صغيرة إلى عملاق عالمي تسيطر على قطاعات متعددة، من الهواتف الذكية إلى الحوسبة الشخصية، ومنصات الترفيه الرقمي. وبلغت قيمة الشركة السوقية في أعلى مستوياتها قرابة 3.6 تريليون دولار عام ، ما يجعلها الشركة الأكثر قيمة في العالم، حيث تُدر إيرادات سنوية تقارب 400 مليار دولار، ما يعادل حجم اقتصاد دول مثل أو الفلبين.
أحد أهم أسباب هيمنة «أبل» هو السيطرة المطلقة على متجر «آب ستور»، الذي يُعد بوابة الوصول الأساسية لجميع التطبيقات والخدمات التي تُستخدم على هواتف «آيفون». وتعتمد الشركة على سياسات صارمة، تُجبر المطورين على الالتزام بقواعدها الصارمة لدخول المتجر، كما تفرض رسوماً تصل إلى 30% على جميع المعاملات التي تتم داخل التطبيقات. وهذا ما أصبح يعرف ب«ضريبة أبل»، وهي الرسوم التي يدفعها المطورون والشركات مقابل عرض تطبيقاتهم على المنصة.
إيرادات الإعلانات
وتشير التقديرات إلى أن «أبل» تُحقق أرباحاً هائلة من هذه الرسوم، لدرجة أن الشركات الكبرى مثل «غوغل» تدفع لها جزءاً من إيرادات الإعلانات التي تحققها عبر أجهزة «آيفون». وقد بلغ حجم هذه المدفوعات سنوياً ما يصل إلى 20 مليار دولار، ما يُظهر حجم الاعتماد المتبادل بين هذه الشركات الكبرى على الرغم من المنافسة الظاهرة بينها.
ورغم النجاح الكبير، بدأت الشركة تواجه انتقادات متزايدة تتعلق بالاحتكار، ففي مارس 2023، رفعت وزارة العدل الأمريكية دعوى قضائية ضدها تتهمها بممارسات احتكارية تُجبر المستهلكين والشركاء على الالتزام بنظامها البيئي بشكل يحرمهم من الخيارات الأخرى ويزيد من أرباح الشركة. وتتمحور الدعوى حول فكرة أن «أبل» تُغلق السوق أمام المنافسين بفضل تحكمها المطلق في متجر التطبيقات وتفرض رسومًا تجعل من الصعب على الشركات الصغيرة المنافسة.وعلى الصعيد الدولي، تُواجه أبل انتقادات مماثلة، خاصةً في الاتحاد الأوروبي، حيث جرى التحقيق في ممارسات الشركة في ما يتعلق بالرسوم المرتفعة التي تفرضها على مطوري التطبيقات. ومن المتوقع أن تؤدي هذه الدعاوى إلى تغييرات جوهرية في السياسات المستقبلية لأبل.
معركة أوروبية
ومؤخراً خسرت «أبل» معركتها القضائية التي دامت 10 سنوات في الاتحاد الأوروبي، بعد أن حكمت أعلى محكمة باسترداد ما يصل إلى 13 مليار يورو (14.4 مليار دولار) من الضرائب المتأخرة في إيرلندا من عملاق التكنولوجيا. وكانت المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، فتحت في عام 2014، تحقيقاً في مدفوعات أبل الضريبية في إيرلندا، المقر الرئيسي لشركة التكنولوجيا العملاقة في الاتحاد الأوروبي. وفي عام 2016، أمرت المفوضية دبلن باسترداد ما يصل إلى 13 مليار يورو (14.4 مليار دولار) من الضرائب المتأخرة من الشركة، بحجة تلقيها مزايا ضريبية غير قانونية من إيرلندا على مدار عقدين من الزمن.
واستأنفت أبل وإيرلندا قرار المفوضية في عام 2019، وفي عام 2020 انحازت المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي إلى شركة التكنولوجيا الأمريكية، لتُلغي قرار المفوضية لعام 2016، بذريعة أنها لم تثبت منح الحكومة الإيرلندية تلك المزايا لأبل. لكن المفوضية استأنفت قرار المحكمة العامة، وحوّلت الدعوى إلى محكمة العدل الأوروبية.
قوة دافعة
ولطالما ارتبط اسم «أبل» بالابتكار، واعتبرها البعض قوة دافعة لتطوير التكنولوجيا الحديثة. ومع ذلك، بدأت بعض الأصوات تتساءل عما إذا كانت أبل لا تزال الشركة الرائدة في مجال الابتكار أم أنها اعتمدت بشكل متزايد على التحكم الصارم في السوق لتعزيز مكانتها.وأحد أبرز الأمثلة على هذا الجدل هو الخلاف بين «أبل» وشركة «أبيك غيمز»، مطورة لعبة «فورتنايت». وفي عام 2020، قامت «أبيك» بمحاولة لتجاوز سياسات «أبل» المتعلقة بالمدفوعات داخل التطبيقات، ما دفع «أبل» إلى إزالة اللعبة من متجر التطبيقات. وردت «أبيك» بنشر إعلان ساخر مستوحى من إعلان الشركة لعام 1984، لتبدأ معركة قانونية بين الشركتين ما زالت مستمرة حتى اليوم.
توتر العلاقات
وبمرور الوقت، بدأت علاقات «أبل» مع بعض شركائها الرئيسيين تشهد توترات. وعلى سبيل المثال، دخلت في شراكة مع «غولدمان ساكس» لإطلاق بطاقة Apple Card، لكن فريق العمل في «غولدمان» شعر بأنه يُعامل كمورد ثانوي وليس شريكاً استراتيجياً، ما أدى إلى تصاعد التوترات بين الطرفين.والوضع كان مشابهاً في قطاع السيارات، حيث بدأت شركات السيارات الكبيرة مثل «جنرال موتورز» تتخوف من أن تُصبح سياراتها مجرد ملحقات لنظام أبل بسبب دمج «أبل كار بلاي» بشكل أعمق في تجربة القيادة.
السيارات الكهربائية
وفي وقت سابق من هذا العام، قررت الشركة التخلي عن مشروع السيارات الكهربائية الذي كانت تعمل عليه بعد أن أنفقت عليه 10 مليارات دولار على مدار عقد من الزمن. كما أن سماعة الواقع الافتراضي Vision Pro لم تحقق النجاح المتوقع بين المطورين أو المستهلكين. ويُعزى هذا الفشل جزئياً إلى العلاقات المتوترة بين «أبل» وشركائها، وإلى أن سعر السماعة البالغ 3500 دولار جعل الكثير من المستهلكين يتجاهلونها. وحتى الآن، تعتبر السماعة مجرد سينما شخصية باهظة الثمن أو كأداة تجسد سيطرة أبل الشديدة على كل لحظة من حياة المستخدم، على عكس ما كانت تُروج له أبل في إعلانها الشهير «1984». بدلاً من تمكين الناس من تحطيم شاشات التحكم، يبدو أن أبل تسعى إلى إحاطتهم بها.
وعلى المدى القصير، يبدو أن ذلك لن يكون له تأثير كبير. فعلى الرغم من الضغوط التنظيمية والنقد العام، لم تتأثر أسهم «أبل»، حيث ارتفعت إلى أعلى مستوى لها في 16 يوليو. كما أعلنت الشركة مؤخراً عن أدوات جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي ومساعد افتراضي مُحسن لهواتف «آيفون». ورغم أن ميزات هذا المساعد الجديد ستكون أفضل من «سيري» Siri، إلا أنها ما زالت أقل قوة من «تشات جي بي تي».
«السلطة الأخلاقية»
وعلى المدى الطويل، يبدو أن الشركة قد فقدت جزءاً من السلطة الأخلاقية التي كانت تعمل بجد لبنائها عندما أطلقت جهاز «ماك». وإذا كانت أبل تعامل شركاءها الأوائل بالطريقة التي تتعامل بها مع شركائها الحاليين، فربما لم تكن الشركة لتستمر. ويُعتبر VisiCalc، أول تطبيق ثوري تم تطويره لأجهزة «أبل 2»، وهو ما حول أبل من شركة للهواة إلى شركة رائدة في صناعة الحواسيب الشخصية.
ورغم كل الانتقادات، تُحاول «أبل» تعزيز صورتها كشركة مسؤولة بيئياً. ففي السنوات الأخيرة، زادت الشركة من استثماراتها في النظيفة وخفض الانبعاثات الكربونية. كما أطلقت منتجات صديقة للبيئة، وسعت إلى تقديم نفسها كشريك بيئي من خلال مبادرات مثل التخلص التدريجي من البلاستيك في تغليف منتجاتها.
أرباح طائلة
وعلى الرغم من أن «أبل» لا تزال تُحقق أرباحاً طائلة وتُهيمن على قطاعات متعددة، إلا أن التحديات التي تُواجهها من حيث الانتقادات المتعلقة بالاحتكار والعلاقات المتوترة مع الشركاء قد تكون مؤشرات على ضرورة إعادة النظر في بعض سياساتها. وهناك تساؤلات حول ما إذا كانت تستطيع الحفاظ على مكانتها الرائدة في عالم الابتكار، أم أنها ستواجه تراجعاً مع زيادة الضغط القانوني والتنظيمي.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا