اقتصاد / صحيفة الخليج

وعكة اقتصادية للاتحاد الأوروبي

فريزر مايرز*

المقايضة غير المعلنة إلى حد كبير التي تنطوي عليها عضوية الاتحاد الأوروبي هي التضحية بالديمقراطية والسيادة الوطنية في مقابل الرخاء الاقتصادي. وتتخلى الدول الأعضاء عن قدر كبير من سيطرتها على مجالات السياسة الحاسمة لصالح نخبة تكنوقراطية غير منتخبة مكلفة بتوفير مستويات معيشية وإنتاجية أعلى، ولكن بروكسل لا تفي بنصيبها من الصفقة، ولم تفعل ذلك منذ بعض الوقت.
والأسوأ من ذلك أن اقتصاد الاتحاد الأوروبي على وشك أن يتحمل عقوداً من «العذاب البطيء». وهذا ليس التكهن القاتم الذي أطلقه أحد المشككين في أوروبا أو الشعبويين، بل أحد كبار البيروقراطيين، ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي ورئيس وزراء إيطاليا السابق. ففي الأسبوع الماضي، كشف دراجي عن تقرير ضخم من 400 صفحة، بتكليف من الاتحاد الأوروبي، حول «مستقبل القدرة التنافسية الأوروبية».
ويوضح التقرير أن الاتحاد الأوروبي يعاني مشاكل اقتصادية عميقة، وركوداً في مستويات المعيشة، وتخلفاً تكنولوجياً، وعجزاً جيوسياسياً، في غياب أي عملية إصلاح جذرية.
في مطلع القرن العشرين، كان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على قدم المساواة نسبياً. ولكن على أساس نصيب الفرد، لم ينم الدخل المتاح الحقيقي في الاتحاد الأوروبي إلا بنصف معدل الولايات المتحدة منذ عام 2000. والآن تتفوق الولايات المتحدة بشكل كبير على الكتلة في ملف التكنولوجيا المتقدمة. ولا يوجد سوى أربع شركات تقنية أوروبية من بين أكبر خمسين شركة في العالم. كما فقد الاتحاد الأوروبي ما يقرب من مليون وظيفة في قطاع التصنيع في السنوات الأربع الماضية وحدها.
في الواقع، فإن تقييم دراجي القاتم يقلل من تقدير حجم الوعكة الاقتصادية التي يعانيها الاتحاد الأوروبي، والنظر إلى المتوسطات عبر الدول الأعضاء يحجب عمق الأزمة. ويبدو جلياً أن اقتصادات إيطاليا وإسبانيا واليونان، التي تضررت بشدة من أزمة اليورو والتقشف الذي فرضه الاتحاد الأوروبي، أصبحت اليوم أصغر مما كانت عليه في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وضغطت ألمانيا، القوة الاقتصادية التقليدية للاتحاد، على فرامل عجلتها الصناعية إلى حد كبير. أما في فرنسا، ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، يتصاعد الدين إلى مستويات مماثلة لتلك التي شهدتها إيطاليا قبل أزمة اليورو مباشرة. وتتمثل تكلفة كل هذا النمو الضائع في انخفاض جودة الحياة، وإرهاق الخدمات العامة، وتدهور البنية الأساسية.
إذن، ما الذي ينبغي عمله؟ وفقاً لدراجي، فإن إعادة التفكير الجذري في الكيفية التي تتعامل بها بروكسل مع الاستثمار والسياسة التجارية وتنظيم الأعمال التجارية من شأنه أن يُخرج أوروبا من أزمتها. وأكثر مطلب يلفت الانتباه إليه هو خطة استثمارية ممولة من الاتحاد الأوروبي بقيمة 800 مليار يورو سنوياً، وهو مبلغ غير مسبوق، وأكثر من ضعف حجم خطة مارشال بعد الحرب. ولكن إذا كان الخيار الذي يواجه أوروبا، كما يعتقد دراجي، هو التغيير الجذري أو «العذاب البطيء»، فإن الأخير هو ما ستحصل عليه. فقبل مدة وجيزة، عارض المالية الألماني الاقتراح الأساسي بإنشاء صندوق استثماري على مستوى الاتحاد الأوروبي، ورفضت بلدان «مقتصدة» أخرى، مثل هولندا، الخطة. ورغم أن تقرير دراجي لاقى استحساناً في فرنسا، فإن الإسراف في الإنفاق على مستوى الاتحاد سيكون من الصعب تسويقه سياسياً في وقت تخطط فيه حكومة باريس التكنوقراطية الجديدة لجولة قاسية من التقشف لتلبية مطالب بروكسل.
والمفارقة الكبيرة هنا، هي أنه إذا اقترحت حكومة وطنية مثل هذه الخطة الاستثمارية الضخمة، فسوف يوبخها الاتحاد الأوروبي على الفور لانتهاكها القواعد المتعلقة بالعجز المالي والمساعدات الحكومية. ذلك أن بروكسل تمنع الدول الأعضاء من القيام باستثمارات عامة كبيرة، في حين تمنع الدول الأعضاء بروكسل من متابعة استراتيجية على مستوى الاتحاد الأوروبي.
في غضون ذلك، يشير رئيس المركزي الأوربي السابق إلى أن 60% من الشركات في الاتحاد الأوروبي ترى التنظيم المعقد من بروكسل حاجزاً للاستثمار والابتكار. وبينما أقرت الحكومة الفيدرالية الأمريكية 3500 تشريع و2000 قرار بين عامي 2019 و2024، أضاف الاتحاد الأوروبي 13000 لائحة في نفس الفترة.
وحتى لو نجحت خطة دراجي بطريقة ما، فإنها لن تعالج إخفاقات الاتحاد الأوروبي الحرجة. وكما يشير تقريره، إلى جانب انخفاض الاستثمار، فإن السبب الرئيسي الآخر للركود الصناعي في أوروبا هو أسعار المرتفعة. ففي المتوسط، تدفع شركات الاتحاد الأوروبي 158% أكثر مقابل الكهرباء و345% أكثر مقابل الغاز الطبيعي من نظيراتها في الولايات المتحدة. لكن دراجي اختار تجاهل السبب الرئيسي لهذا، وهو تمتع الولايات المتحدة بإمدادات وفيرة ورخيصة وآمنة من الطاقة لتبنيها الوقود الأحفوري، في مقابل تكاليف باهظة يدفعها الاتحاد الأوروبي لتوليد الطاقة، عدا عن استيراد الكثير منها من خارج القارة، لأنه تجنب إنتاج الوقود الأحفوري المحلي وتبنى الطاقة المتجددة غير الموثوقة في بعض الأحيان لتلبية أهداف صافي الصفر.
من الناحية الأساسية، لن تُحل المشاكل الاقتصادية لأوروبا من قبل الاتحاد الأوروبي، حتى مع مقترحات بعيدة المدى كالتي أدلى بها دراجي، لأن الاتحاد نفسه هو المشكلة هنا. فالدول الأعضاء تتابع السياسات الاقتصادية لبروكسل وفقاً لمصالح المؤسسة، ما يعوقها عن الاستثمار في أولوياتها المحلية. وما لم يتم تبنّي الاتحاد الأوروبي نفسه، فإن سنوات عديدة أخرى من العذاب البطيء تنتظرنا.
*نائب رئيس تحرير موقع «سبايكد»

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا