اقتصاد / صحيفة الخليج

ريادة الولايات المتحدة

كارلو مارتوسيلي*
واجهت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تحديات متشابهة على مدى العقدين الماضيين، أحدثت الأزمة المالية العالمية وجائحة «كوفيد-19» خلالهما دماراً اقتصادياً كبيراً، واستغرق التعافي سنوات.
ولكن من بين الاثنين، كانت أمريكا هي التي وجدت طريقة للمضي قُدماً. وعندما يتعلق الأمر بالأشياء التي تخلق الثروة، العلم والابتكار وحتى معدل المواليد الأعلى، فإن الولايات المتحدة متفوقة بحسب معظم المقاييس.
ويحاول الاتحاد الأوروبي تغيير هذا الواقع، وقد كُلّف رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق ماريو دراجي بتقديم تقرير عن كل ما هو خطأ وصواب حيال ذلك. وبعد عام و400 صفحة، كان الحكم واضحاً: «الفجوة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تتزايد، وهناك حاجة إلى تدابير جذرية».
في الواقع، تؤكد الأرقام التي تتحدث عن نفسها ذلك. صحيح أن مدن أوروبا لا مثيل لها، من حيث العمران الرائع، والطعام اللذيذ، ومن منا لا يحب أن يُمضي إجازة الصيف بالطريقة التي يفعلها كثير من الأوروبيين؟ ناهيك عن الرعاية الصحية الشاملة، لكن الاقتصاد الأوسع لا يبدو جيداً. وقد ألقت «بوليتيكو» نظرة فاحصة على ذلك، وخلُصت ببعض النقاط المهمة.
أولاً، بغض النظر عن الكليشيهات حول المال والسعادة، فإن الأمريكيين، في المتوسط، أكثر ثراءً من الأوروبيين. وهذا صحيح لفترة طويلة، لكن الشيء المقلق بالنسبة للاتحاد الأوروبي هو أن الفجوة تتسع. ففي عام 1990، كان نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة أعلى بنسبة 16% من نصيب الفرد في منطقة اليورو. وبحلول عام ، تضاعف الفارق إلى أكثر من 30%.
ثانياً، المزيد من المال يعني المزيد من الإنفاق على العلوم والبحوث. والواقع أن القطاعين الحكومي والخاص في الولايات المتحدة ينفقان على هذه التكنولوجيات بنسبة أكبر من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بأوروبا. والتوصل إلى كيفية تعبئة المزيد من الأموال الخاصة لتسريع البحث والتطوير في أوروبا يشكل أحد النقاط الرئيسية في تقرير دراجي، والذي حذّر من أن الكثير من رواد الأعمال الأوروبيين يفضلون البحث عن التمويل من المستثمرين الأمريكيين وتوسيع نطاق أعمالهم في السوق الأمريكية.
ثالثاً، وجدت «بوليتيكو» أن الأمريكيين أكثر إبداعاً. ولنكن واضحين، الأوروبيون ليسوا كسالى، ولكن عندما يتعلق الأمر بحصة المقالات العلمية والتكنولوجية المنشورة في المجلات العلمية الكبرى، فإن الولايات المتحدة تتقدم بفارق كبير. ولكن انتبه، فالصين في صعود مخيف، والاتحاد الأوروبي يتخلف عنها أيضاً.
رابعاً، الدفينة في أمريكا أكبر من نظيرتها في القارة الأوروبية. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه من حسن حظ الأمريكيين وجود حوض بيرميان. فقبل ملايين السنين، كانت هذه المنطقة الممتدة من تكساس إلى نيو مكسيكو تحت الماء وتزخر بحياة نباتية كثيفة. والآن، تحولت كل هذه المواد العضوية المتراكمة إلى خام تكساس القديم الجيد، والذي جعل الولايات المتحدة رائدة عالمية في إنتاج النفط والغاز الطبيعي. ونتيجة لهذا، تستفيد الصناعة الأمريكية من دعم أسعار الطاقة الأقل بمقدار الثلث من تلك الموجودة في أوروبا.
خامساً، الأمريكيون إجمالاً أكثر إنتاجية. ولأن الوقت هو المال، يُنتج العمال الأمريكيون باستمرار أكثر لكل ساعة عمل مقارنة بإنتاج الأوروبيين. ولفترة من الوقت كانت هذه الفجوة تضيق، لكنها اتسعت مرة أخرى. ويمكن إنتاجية الولايات المتحدة، جزئياً، من خلال تبنيها السريع وتطويرها للتكنولوجيا الرقمية، وهي المنطقة التي تخلفت فيها أوروبا.
سادساً، تحتضن الولايات المتحدة أكبر الشركات العالمية من حيث القيمة والجودة والأهمية. ففي العام الماضي، أصبحت شركة معالجات الرسوم والرقائق في كاليفورنيا «إنفيديا» ثامن شركة أمريكية تبلغ قيمتها أكثر من تريليون دولار. قارن ذلك بأوروبا، حيث لم يكن هناك شركة واحدة تأسست في السنوات الخمسين الماضية اقتربت من هذه العلامة. وليس من المستغرب أن سبعاً من هذه الشركات الأمريكية تعمل في قطاع التكنولوجيا، الاستثناء الوحيد هو مجموعة «بيركشاير هاثاواي» التي يملكها وارن بافيت. وحتى إذا ابتعدنا قليلاً عن هذا، فإن الولايات المتحدة تواصل هيمنتها، حيث تستحوذ الشركات الأمريكية على 73% من أكبر 30 شركة، وأكثر من نصف أكبر 500 شركة.
النقطة السابعة والأخيرة في مقال «بوليتيكو» هي أن الأمريكيين يُنجبون المزيد من الأطفال. تاريخياً، عززت قوة العمل المتنامية في أوروبا نمو الناتج المحلي الإجمالي للقارة. لكن انخفاض عدد سكانها اليوم ينذر بمتاعب هائلة. فالأوروبيون لديهم عدد أقل من الأطفال لكل أم، مقارنة بالأمريكيين. وهذا يعني عائدات أقل خاضعة للضريبة في المستقبل، وسكاناً أصغر سناً في سن العمل مقارنة بالمتقاعدين الذين يحتاجون إلى الإنفاق الاجتماعي والرعاية الصحية.
وحتى في الولايات المتحدة، تسبب انخفاض معدلات المواليد في إثارة القلق. ولكن، في حين من المتوقع أن يبلغ عدد سكان أوروبا ذروته، عند 453 مليون نسمة، في عام 2026، تشير التقديرات الى أن عدد سكان الولايات المتحدة ماضٍ في النمو ولن يبلغ ذروته قبل النصف الثاني من القرن الحالي، ناهيك عن ارتفاع الأعداد أيضاً الهجرة المتدفقة إلى الداخل.
* مراسل في «بوليتيكو» متخصص في الاقتصاد الأوروبي

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا