د. لويس حبيقة*
بسبب التخبط المزمن في السياسات الاقتصادية والمالية، تحاول الحكومات التركية المتعاقبة إيجاد المعالجات المناسبة مع التأكيد على استقلالية المصرف المركزي. أتت الحاكمة الجديدة من النظام المصرفي العالمي، لكنها لم تصمد طويلاً فاستقالت لأسباب شخصية وحل مكانها نائبها. مع وزير المالية، هنالك التزام بضبط الإنفاق أي اعتماد أنظمة السلامة المالية حماية للاقتصاد. من أهم الأمور تصحيح السياسة النقدية عبر تحريك الفوائد في الاتجاه الذي يقنع الرأي العام والمستثمرين. إحدى المشاكل الاقتصادية هي التضخم حيث بلغت النسبة 72% في 2022 و50,6% في 2023. المواطن التركي يفقر وهذه هي حال معظم سكان المنطقة الأوروبية الآسيوية إن لم يكن جميعها. أما البطالة فهي في حدود 11% وهذا مقبول إقليمياً، إنما الأهم هي التعويضات وإذا كانت تسمح للمتقاعدين بالعيش المقبول بدءاً من الحد الأدنى للأجور.
هناك أيضاً مشاكل مرتبطة بالفساد الذي يتذمر منه المواطن ولا حلول. بالرغم من المساوئ التي يعيشها الأتراك أعادوا انتخاب الرئيس أردوغان في 2023 وأعطوا الأكثرية لحزبه وحلفائه في الانتخابات النيابية. ما هي أسباب هذا الواقع علماً أن الأحزاب المعارضة مكونة من شخصيات مهمة توحدت للمنافسة. كيف يمكن تفسير فوز أردوغان وحزبه؟
هنالك موجة شعور قومية في العديد من الدول بينها تركيا. هنالك موجات دينية في تركيا وفي معظم دول أوروبا تسمح بوصول أحزاب اليمين المتطرف إلى السلطة. فالرئيس أردوغان واضح في شعوره القومي مما يجذب تجاهه شريحة كبرى من الرأي العام. بسبب الزلزال، قيل داخلياً للرئيس أردوغان بأنه يستطيع تأجيل الانتخابات وكانت التقديرات تشير إلى خسارته، لكنه رفض وأصر على قيام الانتخابات في موعدها مما جذب أعداداً مهمة من الشباب الطموح تجاهه. هنالك دائماً في تركيا وفي معظم الدول من يقول إن الانتخابات كانت مزورة وغير شفافة وإن النتائج غير صحيحة وغيرها من الاتهامات، ومن لا يصدق فليسأل الرئيس ترامب.
في كل حال فوز أردوغان لخمس سنوات جديدة في 2023 كان خبراً ساراً للزعماء الشعبويين الذين يتعاطفون مع الرئيس التركي وحزبه، نذكر منهم رئيس الوزراء الهندي مودي والمرشح الأمريكي دونالد ترامب وغيرهم ممن يستعملون الشعارات الوطنية والقومية للفوز الانتخابي. لذا لا يمكن حصر ما جرى في تركيا ضمن الحدود الجغرافية للدولة، بل إن امتداداته تتعدى القارتين الآسيوية والأوروبية.
تبقى التحديات كبيرة لتركيا ليس فقط في الاقتصاد وإنما في محاولة الانضمام إلى الوحدة الأوروبية وفي استمرار تطبيق السياسات التي تدعم الاستقرار الداخلي. تركيا دولة تاريخياً مهمة وتقع في صلب التحديات الإقليمية، وطريقة تعاملها مع الهجرة غير الشرعية تؤثر في التوازنات السكانية الأوروبية الدقيقة. تدخل تركيا في الحسابات السياسية الاقتصادية للمجموعة الأوروبية ولحلف شمال الأطلسي ولروسيا. يحاول الجميع جذبها إلى فلكه لأن موقعها الجغرافي كمركز سياسي وسطي تحسد عليه. نذكر أن 8 دول تحيط بتركيا أهمها اليونان الأوروبية وأذربيجان الآسيوية والعراق العربية.
*كاتب لبناني
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.