اقتصاد / صحيفة الخليج

الحرب التجارية الأمريكية.. تهديد للنمو الاقتصادي

د. رامي كمال النسور*

تشير أحدث تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) إلى أن النمو العالمي سيتباطأ من 3.2% في 2024 إلى 3.1% في 2025 ثم 3% في 2026، وهو ما يمثل تراجعاً عن التوقعات السابقة التي صدرت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وقد أرجعت المنظمة هذا الانخفاض إلى تزايد الحواجز التجارية وتصاعد حالة عدم اليقين، ما يعيق الاستثمار التجاري ويؤدي إلى انخفاض إنفاق المستهلكين.
تواجه الاقتصادات العالمية خطراً متزايداً بسبب التصعيد الحاد في الحروب التجارية التي تقودها إدارة الرئيس دونالد ترامب، حيث حذرت المنظمة (OECD) من أن هذه السياسات قد تؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وارتفاع معدلات التضخم، ما يجبر البنوك المركزية على إبقاء معدلات أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول.
ولطالما استخدمت الدول الحروب التجارية كأداة لحماية صناعاتها المحلية وكسب النفوذ في المفاوضات الاقتصادية الدولية. ومع ذلك، برزت الحرب التجارية الأمريكية المستمرة - التي اتسمت بتصاعد الرسوم الجمركية والإجراءات الانتقامية وعدم اليقين الاقتصادي - كتهديد كبير للنمو الاقتصادي العالمي. ويُنذر هذا الصراع، الذي يدور بالأساس بين الولايات المتحدة والصين، ويمتد إلى اقتصادات عالمية أخرى، بزعزعة استقرار الأسواق، وتعطيل سلاسل التوريد، وإبطاء النمو الاقتصادي العالمي.
اشتدّت الحرب التجارية الأمريكية في عام 2018 عندما فرضت إدارة ترامب رسومًا جمركية على السلع الصينية، مُشيرةً إلى ممارسات تجارية غير عادلة، وسرقة الملكية الفكرية، واختلال كبير في الميزان التجاري. ردّت بفرض رسوم جمركية على السلع الأمريكية، ما أشعل فتيل سلسلة من الإجراءات الانتقامية. حافظت إدارة إلى حد كبير على هذه السياسات التجارية، مع التركيز على الأمن الاقتصادي، وإعادة التصنيع إلى الداخل، وتقليل الاعتماد على الصين.
في حين كانت الصين الهدف الرئيسي، دخلت الولايات المتحدة أيضاً في نزاعات تجارية مع الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك بشأن الصلب والألمنيوم وسلع رئيسية أخرى. وقد امتدت عواقب هذه النزاعات عبر الاقتصاد العالمي، ما أدى إلى زيادة التكاليف على الشركات والمستهلكين على حد سواء.
أما بالنسبة للتأثير المحتمل لهذه السياسات على النمو الاقتصادي العالمي فتأتي في مقدمتها اضطرابات سلاسل التوريد العالمية فقد أثرت الحرب التجارية بشدة على سلاسل التوريد العالمية، لا سيما في الصناعات التي تعتمد على المواد الخام والسلع الوسيطة. واجهت الشركات التي تعتمد على التصنيع الصيني أو الصادرات الأمريكية ارتفاعاً في تكاليف الإنتاج، وتأخيرات، وعدم يقين، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار على المستهلكين النهائيين. وكانت قطاعات مثل التكنولوجيا والسيارات والزراعة معرضة للخطر بشكل خاص، حيث قامت الشركات بتحويل إنتاجها لتجنب الرسوم الجمركية أو بحثت عن موردين بديلين.
كما يأتي لاحقاً تأثير مهم للغاية وهو، تباطؤ أحجام التجارة العالمية بسبب تزايد الحمائية. فمع زيادة الرسوم الجمركية لتكلفة المعاملات عبر الحدود، تُقلل الشركات من أنشطتها التجارية، ما يؤدي إلى انخفاض الاستثمارات وفقدان الوظائف في الاقتصادات المعتمدة على التصدير. وتتعرض الأسواق الناشئة، التي تعتمد على التجارة الدولية لتحقيق النمو، بشكل خاص لخطر التباطؤ الاقتصادي.
ويأتي بعدها الضغوط التضخمية وأعباء المستهلكين حيث يؤدي ارتفاع الرسوم الجمركية إلى ارتفاع تكاليف السلع، والتي غالباً ما تنتقل إلى المستهلكين. في الولايات المتحدة، اضطرت الصناعات المعتمدة على الاستيراد إلى رفع الأسعار، ما ساهم في ضغوط تضخمية. وبالمثل، عدّل المصدرون الصينيون الذين يواجهون رسوماً جمركية على السلع الأمريكية استراتيجياتهم التسعيرية، ما أدى إلى زيادة التكاليف في قطاعات مختلفة، من الإلكترونيات إلى المنتجات الغذائية.
وأخيراً تُسبب النزاعات التجارية تقلبات في الأسواق المالية، حيث يتفاعل المستثمرون مع تغيرات السياسات وعدم اليقين الاقتصادي. أجّلت الشركات، المترددة في الاستثمار في ظلّ تحوّل السياسات التجارية، خططها التوسعية وخفّضت نفقاتها الرأسمالية. ويؤثر هذا التردد في النمو الاقتصادي العالمي، إذ يُعدّ الاستثمار التجاري محركاً رئيسياً للإنتاجية وخلق فرص العمل.
بناء على الآثار المذكورة أعلاه بدأت بعض جهود تهدئة الحرب التجارية من خلال عقد مفاوضات، وتوقيع اتفاقيات تجارية جزئية، ومناقشات دبلوماسية. ومع ذلك، فإنّ التوترات الجيوسياسية المستمرة، والمخاوف بشأن نقل التكنولوجيا، والمنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين تجعل التوصل إلى حل شامل أمراً صعباً.
لا تزال الحرب التجارية الأمريكية تُشكّل خطراً كبيراً على النمو الاقتصادي العالمي. في حين تهدف التدابير الحمائية إلى تعزيز الصناعات المحلية، إلا أنها غالباً ما تُفضي إلى عواقب غير مقصودة، كتعطيل تدفقات التجارة، وزيادة التكاليف، وتعطيل الاستثمار. وبدون حل استراتيجي وتعاوني وهو ما يبدو بعيد المنال في عهد الرئيس ترامب، قد يؤدي النزاع التجاري المطول إلى فترة طويلة من الركود الاقتصادي، ما يؤثر في الشركات والمستهلكين في جميع أنحاء العالم. ومع بقاء الاقتصادات العالمية مترابطة، فإن إيجاد سياسة تجارية متوازنة تُعزز النمو دون قيود مُفرطة أمرٌ بالغ الأهمية لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل.
* مستشار الأسواق المالية والاستدامة

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا