تتحرك كندا بخطى متسارعة نحو تعزيز مشاريع التعدين، ولا سيما في منطقة "رينج أوف فاير" الواقعة شمال أونتاريو، والتي تعد واحدة من أغنى المناطق بالمعادن الحيوية. ويأتي هذا التوجه في ظل تصاعد الضغوط الأمريكية، بعد تهديدات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على الواردات الكندية، وسعيه إلى تأمين إمدادات بلاده من المعادن الاستراتيجية. وتضم هذه المنطقة مخزونًا كبيرًا من النيكل، والكروميت، والزنك، والبلاتين، والنحاس، إلى جانب معادن أساسية أخرى تدخل في الصناعات التكنولوجية والدفاعية، ما يجعلها ذات أهمية استراتيجية متزايدة في السوق العالمية. وتعهد زعيم حزب المحافظين المعارض، بيير بويليفر، بالإسراع في إصدار التراخيص الفيدرالية المطلوبة لتشغيل المناجم خلال ستة أشهر فقط، مع رصد مليار دولار لتطوير شبكة طرق تسهل الوصول إلى المنطقة وتعزز بنيتها التحتية. من جهته، أكد مارك كارني، زعيم الحزب الليبرالي، التزامه بالتعاون الوثيق مع حكومة أونتاريو من أجل دفع عجلة الاستثمار في هذه المنطقة الغنية بالموارد، حسب ما أفادت به شبكة "بلومبرغ". وفي خطوة تشريعية، عرضت حكومة أونتاريو مشروع قانون يهدف إلى تسريع وتيرة تطوير المناجم من خلال تصنيف بعض المواقع كمناطق اقتصادية خاصة، بما فيها "رينج أوف فاير"، وأشار رئيس وزراء أونتاريو، دوغ فورد، إلى أن هذه الإجراءات تأتي ردًّا مباشرًا على التصريحات الأمريكية العدائية. رغم الحماسة الحكومية، أثارت هذه الخطط اعتراضات لدى الجماعات الأصلية التي ترى أن المشروع يتجاهل حقوقهم التاريخية والمعاهدات الموقعة معهم. وقد دعا زعماء القبائل في أونتاريو إلى ضرورة إجراء مشاورات حقيقية قائمة على الاعتراف بسيادة الأمم الأولى ومشاركتهم الفعلية في اتخاذ القرار. وقال النائب سول ماماكوا، عضو الحزب الديمقراطي الجديد، وممثل منطقة "كييوتينونغ" حيث تقع "رينج أوف فاير"، إن هذه الأرض ليست معروضة للبيع، وإنه لا بد من الالتزام بالمعاهدات وتقاسم فوائد الموارد بشكل عادل. ويذكر أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كان قد أدلى في وقت سابق بتصريحات مثيرة للجدل حول إمكانية ضم كندا لتكون الولاية الأمريكية رقم 51، ورغم تقليل البعض من شأن تلك التصريحات في حينها، فإن التوترات التجارية الأخيرة ألقت الضوء مجددًا على العلاقة المعقدة بين البلدين. وفي هذا السياق، علقت تريسي هيوز، المديرة التنفيذية لمعهد المعادن الحرجة، بأن اعتماد الولايات المتحدة الكبير على الموارد الكندية لا ينسجم مع سياسة العزلة أو الضغط الاقتصادي، ووصفت الموقف الحالي بأنه "أشبه بكوميديا سوداء". وتقف كندا اليوم أمام تحدي مزدوج: من جهة، تلبية الطلب العالمي المتزايد على المعادن الحيوية، لا سيما من الولايات المتحدة، ومن جهة أخرى، احترام حقوق الجماعات الأصلية والحفاظ على التزاماتها البيئية. وسيكون النجاح في إدارة هذا التوازن عنصرًا أساسيًا في تحديد دور كندا المستقبلي في سوق المعادن العالمية، وموقعها ضمن الخريطة الاقتصادية الدولية.